دعوة » مواقف

الوهابية تحارب التطرف والغلو في الصالحين

في 2017/08/07

د. عبدالرحمن الجيران- الراي الكويتية-

عند الإمام محمد بن عبدالوهاب: العذر بالجهل يكتنفه أمران:

الأمر الأول: نوعية المسألة المجهولة، هل هي من الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وهل هي من الأصول؟

الأمر الثاني: نوعية الشخص الجاهل، هل هو حديث عهد بالإسلام، أو نشأ ببادية بعيدة عن العلم؟

ويؤيد هذا المنهج هذه النصوص للإمام محمد بن عبدالوهاب حيث قال رحمه الله ما نصه: «وإذا كنا لا نكفر مَن عَبَد الصنم الذي على قَدْر عبدِ القَادِرِ، والصَّنَمَ الذي على قَدْر أحمد البدوي وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم مَن يُنبِّئُهم، فكيف نُكَفِّر مَن لا يُشْرِك بالله».

وقال: «وأما ما قال الأعداء عني: إني أكفر بالظن وبالموالاة، أو أكفر الجاهل الذي لم تقم عليه الحجة، فهذا بهتان عظيم».

وقوله: «وأكثر الأمة - ولله الحمد - ليسوا كذلك». هذا ردٌّ على مَن يقول: إن الإمام محمد يرى الناس كلهم كفاراً إلا نفسه.

شبهة: قالوا عن الشيخ يكفر بالعموم؟ ويكفر الناس أجمعين؟ ويكفر الأئمة، ويكفر مَن قبله؟

رد الإمام وقال: أنا لا أكفر إلا من أجمع المسلمون على كفره، ونص عليه أئمتهم وأتباعهم، حيث بوبوا بابا سَمَّوْه حكم المُنْكِر، وعرفوه بأنه المسلم الذي يكفر بعد إيمانه، وأن من عبد غير الله فهو كاذب، ومن أنكر وجوب الصلاة والزكاة والصوم والحج، وجحد وجوبها، هذا هو الكافر، هذه أمور أجمع المسلمون عليها.

أجمع المسلمون على أن من عبد غير الله، ودعا غير الله، وتعلق بغير الله، ونذر للقبور، وذبح لهم، وطاف بقبورهم طواف العابد الذليل لهم، أن هذا مناف للإسلام بحقيقته.

وأجمع المسلمون على أن من أنكر وجوب الصلاة، وجحد وجوبها، أو جحد وجوب الزكاة، أو جحد وجوب الحج، أو جحد وجوب الصيام، أن هذا كفر بلا إشكال.

وأجمع المسلمون على أن من أحل حراما عُلِم تحريمُه من دين الإسلام بالضرورة أن الجاحد لتحريمه كافر، من اعتقد حل الزنا، أو حل الربا، أو حل الخمر، أو حل سفك دم المسلم بغير الحق، هذا كفر ورِدَّة تُخْرِج من الملة، وهذا أمر لا إشكال فيه.

والشيخ لم يحكم على الجميع بالكفر، بل قال: «لا نكفر إلا من كفر الله ورسوله، أما المسائل الخلافية فلا نكفر بها. وقال أيضا: إننا لا نكفر إلا من علمنا قيام الحجة عليه.

الدولة العثمانية ودعوة الإمام

تهاوت قوة العثمانيين قبل الدعوة الوهابية وخلالها وانحسر سلطانهم عن الجزيرة العربية نتيجة سوء الأوضاع سنة 1840 حيث احتلت بريطانيا عدن في 1839، وفرضت سلطانها على الضفة الغربية من الخليج والجنوب منه وتهاوت إمارة بني خالد في الإحساء عام 1792 وكان الفقر وانتشار الأمراض والجهل بالدين وشيوع الشرك بالله والسحر. قال العلامة ابن باز رحمه الله «لم يخرج الشيخ محمد بن عبدالوهاب على دولة الخلافة العثمانية فيما أعلم وأعتقد فلم يكن في نجد رئاسة ولا إمارة للأتراك بل كانت نجد إمارات صغيرة وقرى متناثرة وعلى كل بلدة أو قرية - مهما صغرت - أمير مستقل…وهي إمارات بينها قتال وحروب ومشاجرات والشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يخرج على دولة الخلافة وإنما خرج على أوضاع فاسدة في بلده فجاهد في الله حق جهاده وصابر وثابر حتى امتد نور هذه الدعوة إلى البلاد الأخرى».

ولما رأت الدولة العثمانية عجز والي البصرة ووالي الشام سلكوا طريقا آخر لمواجهة هذه الدعوة.

يقول الجبرتي: «وصلت المراكب التي تحمل جيش طوسون إلى ينبع لإنقاذ الحجاز ممن أسموهم الخوارج، فماذا فعلت؟ نهبت ما كان بالينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن، وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر، وأخذوهن أسرى، ويبيعوهن على بعضهم البعض».

ويقول: «حدثني بعض أكابرهم من الذين يدعون الصلاح والتورع، قالوا: أين لنا بالنصر، وأكثر عساكرنا على غير الملة، وفيهم من لا يتدين بدين، ولا ينتحل مذهباً، وصحبتنا صناديق المسكرات، ولا يسمع في عرضينا أذان ولا تقام به فريضة، ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين، والقوم - إذا دخل الوقت - أذن المؤذنون وينتظمون صفوفاً خلف إمام واحد بخشوع وخضوع، وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة، أذن المؤذنون وصلوا صلاة الخوف فتتقدم طائفة للحرب، وتتأخر الأخرى للصلاة، وعسكرنا يتعجبون لأنهم لم يسمعوا به فضلاً عن رؤيته...». إلى أن قال: «وكشفوا عن كثير من قتلى العسكر (العثماني) فوجدوهم غُلْفًا غير مختونين».