محمد اليامي - الحياة السعودية-
لا يخلو الأمر من الأجندات السياسية وإن تلبّس زيفاً بالدين، ولا يخلو أن يطرح البعض رأياً متعصباً متطرفاً يفوح بالطائفية على أنه «فتوى» من أهدافها خدمة من يسعون إلى تشويه سمعة السعودية التي تخوض حروباً لا هوادة فيها ضد الإرهاب والتطرف والطائفية على أكثر من جبهة، بينها جبهة كان الأمل يحدونا كثيراً أن تكون معنا لا ضدنا.
لم يكن مفاجئًا أن يهدر السيل التواصلي بالحزن على فقيد الكوميديا العربية الرمز الكويتي عبدالحسين عبدالرضا رحمه الله الذي أبدع لنصف قرن، فهو صاحب شعبية جارفة لدى الخليجيين بالذات، ولدى كثير من العرب. وقف على المسرح كثيراً ينتقد السياسة والمجتمعات بأسلوب فني رائع ومضحك واضعاً يده على جروح كثيرة.
هذه الأحزان رافقتها دعوات بالمغفرة والرحمة للفقيد، فخرجت أصوات نشاز معظمها محسوب على السعودية، على رغم أن بعضها ليس كذلك، ولكن لأنهم يرتدون زياً سعودياً هو في الحقيقة خسارة عليهم. خرجت هذه الأصوات تحرّم طلب الرحمة للفقيد على أساس اعتبارات لا يمكنني تكرارها، لكن يمكنني القول إنها جزء من منظومة إثارة الفوضى الطائفية في الخليج.
أولاً وقبل كل شيء يتسبب ذلك بجرح إحساس الحزن لدى عائلته الكريمة، ومواطنيه، ومن ثم محبيه الكثر، وهو الجرح الذي يعد بحد ذاته جريمة إنسانية، لا يمكن لدين قام على الحب، وعلى الرحمة أن تكون له علاقة بها.
ثانياً، من حقي كمخلوق أن أسأل خالقي عزّ وجلّ ما أريد، أن أذهب بعيداً وعميقاً في عوالم رحمته التي لا أدرك منها إلا القليل الصغير، وربما أطلب الرحمة حتى لظالم أو كافر. أدعو أن يرحمه الله بجعله يتوقف عن ظلمه أو كفره، فكيف لا يمكنني أن أطلبها لرجل مؤمن بالله، محسن إلى خلق الله، له أياد بيض على الحب، والابتسامة، وتحسين الذائقة الإنسانية؟
بعض هذه الآراء التي أعفّ حتى عن تسميتها فتاوى، تخرج من دائرة الديانة إلى دوائر الإساءة إلى البلدان المستقرة، إلى دهاليز إذكاء الطائفية، وإلى خنادق عفنة امتلأت كثيراً بدماء الأغبياء ممّن صدقوا أن هؤلاء يريدون المصلحة العامة لشعوبهم.
المطمئن أن غالبية الناس احتجّت على هذه الأقوال النشاز، لكن هذا لا يعني عدم وجود أتباع يمكن أن تنطلي عليهم الفكرة طالما صدرت عمّن يحسبونه شيخاً، وهنا مكمن الخطر المستتر الذي يستعر على المدى الطويل.
نعي «أبو عدنان» الجميل أن نواصل بعث رسائله الجميلة، ولعل أهم رسالة نوصلها اليوم أن أحد المسيئين له، من أصحاب هذه الأقوال تمّت إحالته رسمياً على الجهات المختصة في وزارة الإعلام السعودية، ولعل عقوبته تكون مغلظة، ولعلنا لا نراه في الفضاء العام بأمر القانون السعودي، وبأمر الإنسانية الحقة الجميلة.
يوم السبت الماضي كتبت عن ذكرى محمود درويش وطلال مداح اللذين رحلا في آب (أغسطس)، وفي العام المقبل سيكون هذا الشهر غاصاً بذكريات رحيل المبدعين الجميلين، رحمهم الله جميعاً، وساعدنا أن نستفيد من إرثهم، خصوصاً أن الكبار لا يجود بهم تاريخ الإبداع كثيراً.
اللهم ارحم كل الناس يا أرحم الراحمين... آمين.