عبدالله فراج الشريف- المدينة السعودية-
لا أظن أحداً في عالمنا اليوم لا يخشى خطاب الكراهية المصاحب للتكفير سواءٌ أكان بين الأفراد أو الجماعات أو المذاهب والطوائف، فهو خطاب يجعل المجتمع متنافراً ثم يولد بين جماعاته وأفراده البغضاء، فيظل كل منهم يتربص بالآخر ويخشاه، وقد عانت مجتمعاتنا المسلمة من هذا الخطاب الذي ولَّد بها الكثير من البغضاء بين الناس، ووجد من لا يريد للبلاد خيراً فيه أداة للفرقة بين أبناء الوطن، وكسر وحدتهم الوطنية التي جمعتهم في هذا الوطن زمناً طويلاً، وحينما نقول: إن خطاب الكراهية صنوٌ لخطاب التكفير فنحن إنما نريد أن نجتث الخطابين معاً، فأحدهما يرتكز على الآخر، ويضاف إليهما خطاب آخر سيئ هو الخطاب الطائفي، الذي إنما صنع ليولد بين الناس كراهية عمياء تؤدي بهم إلى التناحر إن لم نقل القتال، الذي له أمثلة في تاريخنا الإسلامي بارزة ظاهرة، مما أدى في كثير من الأحيان إلى إضعاف مجتمعات المسلمين وأتاح للعدو أن ينتصر عليها.
واليوم سعدنا بتصريح النائب العام عن أنه سيحقق في خطابات الكراهية ويحيلها إلى المحاكم، ولكن هذه خطوة مهمة جداً، يجب أن تسبقها خطوة أخرى أهم، وهو أن يصدر من الجهة الرسمية المشرعة للأنظمة نظام أو قواعد نظامية تجرّم خطاب الكراهية وتعاقب من يبثه بين الناس. فنحن نعلم بنص نظام الحكم «ألا عقاب إلا بموجب قاعدة نظامية» ، وهي عندنا البديل للقاعدة القانونية، ودوماً لا يُعاقب أحد على فعل إلا إذا علم أنه مجرم، وعرف عقوبته، ونحن فعلاً نحتاج لنظام يجرّم كلاً من خطاب التكفير، وخطاب الكراهية وخطاب الطائفية، والخطابات الثلاثة هي أشد الأمراض التي تصيب مجتمعات المسلمين اليوم، وفي درئها عن مجتمعنا خير كثير، وهذا سيريحنا من كثير من الجدل الذي لا ينقطع عن التكفير وهل هو حكم شرعي، ومن هو الذي يحكم به، والطائفية وطوائف المسلمين ممن عاشوا معنا على هذه الأرض أو كانوا من طوائف المسلمين عامة، والتي أصدر مجمع الفقه الإسلامي الذي عقد في عمان وحضرته أربع وأربعون دولة إسلامية وقرر المجتمعون فيه من العلماء البارزين في العالم الإسلامي أن كل من يتبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنة والجماعة (الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الأباضي والمذهب الظاهري هو مسلم ولا يجوز تكفيره، ويحرم دمه وعرضه وماله، وأيضاً وفقاً لما جاء في فتوى شيخ الأزهر لا يجوز تكفير أصحاب العقيدة الأشعرية ومن يمارس التصوف الحقيقي وكذلك لا يجوز تكفير أصحاب الفكر السلفي الصحيح، كما لا تكفير لأي فئة من المسلمين تؤمن بالله سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم وأركان الإيمان وأركان الإسلام، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة، وهم بذلك إنما أحيوا ما حاول البعض أن يغيبه من تراثنا الديني وهو أنه لا يجوز أن يُكفَّر أحد من أهل القبلة، وأن يحترم المسلمون بعضهم وإن اختلفوا ويقيموا دينهم الحق، ويكونوا صفاً واحداً تجاه من أرادهم أو أراد دينهم بسوء، لا أن يتفرقوا ويكفر بعضهم بعضاً فقد نهاهم المصطفى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك في حجة الوداع، وجاءت كوصية له حينما قال لصاحبه جرير رضي الله عنه: استنصت لي الناس ثم قال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وقد مضى الزمان بالمسلمين وجربوا الوحدة تحت ظلال دينهم بتسامح فعاشوا أمثل أيامهم، ثم تفرقوا واعتبر كل منهم مذهبه أو طائفته على الحق وحدها وحاربت من يختلف معها في العقائد أو الشرائع فآل أمرهم إلى ما نرى اليوم من هذا البلاء الذي نعانيه من هذه الجماعات التي تكفر عامة المسلمين وتستحل دماءهم وأموالهم وأحياناً أعراضهم، ونراها تتوالد فما أن ينتصر المسلمون على واحدة إلا وانبثقت أخرى في موطن آخر من بلادهم، ولو ضربوا على أيدي المخربين من أصحاب الخطابات التي لا شك في حرمتها كخطاب الكراهية وخطاب التكفير وخطاب الطائفية، وحزموا أمرهم فعاقبوا من يبثها في مجتمعاتهم أياً كان وأياً كانت دعواه لكان ذلك رادعاً لهؤلاء المخربين، فلنحذر من هؤلاء فهم أعداء الأمة الحقيقيون، فهل نفعل؟! هو ما أرجو والله ولي التوفيق.