دعوة » مواقف

فتـنـة الفتاوى الـشاذة تعـود.. (لايجوز الدعاء والترحم على فلان)!

في 2017/08/26

الحياة السعودية-

للفتوى شأن عظيم، وخطر جسيم إذا تصدى لها من هو غير أهلاً لها، ولذلك حذر الإسلام من التجاسر عليها، واعتبر القول بلا أهلية من عظائم الذنوب، والنصوص كثيرةٌ في التحذير من ذلك، لذا أدركت الدولة مبكراً هذا الأمر وتصدت له بضبط الفتوى وقصرها على العلماء الثقات المعتبرين، وقضت بمحاسبة أي متجاوز في ذلك حفاظاً على كيان المجتمع واستقراره، منعاً لأي أمر يلبس عليهم ويثير اللغط والفرقة بينهم.

إلا أن الملاحظ اليوم أنه لا تزال الفتاوى، أو الآراء الفقهية المثيرة للجدل مستمرة عبر القنوات ومواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، على الرغم من المساع الرسمية لقطع الطريق على فوضى الإفتاء وأخذها من غير أهلها، ويظهر بين كل فترة وأخرى من يسعى إلى إشهار نفسه على حساب المجتمع بالخروج على مواقع التواصل ليفتي في مسألة معينه يتداولها المجتمع أو يعلق من جانب فقهي أو ديني في مسألة حساسة دون أي ضابط أو علم شرعي ويترك الناس يتجادلون حول رأيه وتعليقه مما يثير اللغط والشكوك ويفرق المجتمع إلى قسمين، وقد يخاصم الأخ أخيه بسبب رأيهم وموقفهم حول هذا الموقف الشخصي والمتسرع وغير المنضبط، أو المتشدد الذي يعيدنا إلى المربع الأول ويخفي خلفه الكثير من المخاطر التي قد لا تظهر في وقتها ولكنها مع الزمن تفرز خطراً جسيماً على المتلقي خصوصاً من فئة الشباب وصغار السن.

قصص ومواقف وأمثلة كثيرة في الآراء المتطرفة والشاذة التي يطلقها البعض عبر مواقع التواصل ثم يختفي ويترك الكثير من الجدل والاختلاف بين الناس حولها، كان آخرها ما خرج به أحد هؤلاء عبر مواقع التواصل من تحريم الدعاء والترحّم على ممثل لأنه ليس على مذهبه، وقوله: إنه مات على الضلالة وأن الله نهى المسلمين الدعاء بالرحمة للمشركين، لتعم موجة من التعليقات والردود على هذا الرأي الشاذ، ما بين مؤيد ومعارض، قبل أن يظهر عدد من العلماء والمشايخ ليردوا على هذا الشذوذ والتشدد الفكري حيث قال أحدهم: إن من استكثر رحمة الله على أحد دون أحد فقد نازع واهبها القائل:( ورحمتي وسعت كل شيء)، إلى غير ذلك من الردود التي جاءت بأحاديث وأدلة ترد على هذا الموقف الغريب، إلا أن كل ذلك لم يوقف سيل الانتقادات المجتمعية والفوضى التي عمت وسائل التواصل بسبب هذه الفتوى أو الرأي الغريب.

نبذ الأفكار الشاذة

ويؤكّد الشيخ د. قيس آل مبارك- العضو السابق في هيئة كبار العلماء- على ضرورة نبذ الأفكار الشاذة والتي تسهم في اختطاف الشباب الذي هو كالوعاء الفارغ الذي يمكن أن يستغل.. داعياً إلى ضرورة تبصر أصحاب الفتاوى والعلماء من أثر ما يقولونه ونتيجته على المسلمين كافة وأن لا ينزعوا إلى آرائهم وأهوائهم.

وجاء ذلك بعد أن خرجت بعض الممارسات لبعض من خصص نفسه في الفتاوى الشرعية وأخذ يطلق عنان آرائه الشخصية حول البعض عبر قنوات التواصل الاجتماعي وهي الفتاوى التي اتضح فيها التعصب المذهبي والرأي المتشدد والمتطرف حول تقييم بعض الشخصيات العامة وحث الناس على نبذها أو التشدد معها.

وقال آل مبارك: "إن واجب المؤسسات الدينية هو تبصير الناس بما لهم وما عليهم، فقد قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) واستناداً إلى هذا فإنَّ أوجب الواجبات علينا نحن المختصُّون في العلوم الشرعية أن نُبصِّر الناسَ بحقائق دين الله، فالجهل يورد المهالك، ذلك أن المظالم التي يعيشها الناسُ اليومَ، كاحتلال الصهاينة لفلسطين واعتدائهم على بيت المقدس، وكفقدان العدالة في كثير من المجتمعات، هذه المظالم تعدُّ بيئة خصبة للأفكار الشَّاذَّة، فإذا وُجد في هذه البيئة شبابٌ قلَّ علمهم بالشريعة، فما أيسرَ ما يتلاعب بهم صاحبُ أيِّ فكرةٍ شاذَّة، فاختطاف هؤلاء الشباب سهلٌ وميسور، ذلك أنهم أوعيةٌ فارغة، تَقبلُ ما تُملأ به، فالمرءُ لِقلَّة عِلمه ويَسارةِ خبرته وشدَّة حماسه قد يغلبُه هواهُ من حيث لا يعلم، وما ذاك إلا لِتَسَلُّط أهوائه القلبيَّة وانفعالاته وطيشه، على تصرُّفاته من أقوال وأعمال، والداء إذا عُرفَ وعُرفتْ أسبابُه، صار العلاج منه ممكناً، فخيرُ ما يواجَهُ به الانحراف والتطرُّف -إفراطاً كان أو تفريطا- هو بذل العلم وتوفير العدل، فنحن بحاجة لحفظ شبابنا من أن ينساقوا لزعامات تزجُّ بهم في صراعٍ مع مَن تشاء، زعاماتٍ اختطفَتْ الإسلام، دينُ الله عندها هو ما يقولُهُ زعيمُها وخليفتها الأوحد، مرجعيَّات تتضاربُ فتاواهم جيلاً بعد جيل، إننا إذا أحسنَّا عرض الإسلام على حقيقته التي عاشها الصحابة الكرام، فإنا سنجدُ شبابنا غايةً في الانضباط بأخلاق النبوَّة، سنرى فيهم اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: (يا أيها الناس إنما أنا رحمةٌ مُهداة) والذي وصفه اللهُ تعالى بقوله: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)..

إن المعاناة التي تعيشها الأمةُ الإسلامية شديدةٌ، ويزيدها اشتداداً أن يتقاذفَ المتعلِّمون التُّهمَ في أسباب هذه الحال التي نحن فيها، وما يترتَّب على هذا من استقطاب حادٍّ بين أطياف المجتمع، وهو استقطابٌ يعاني منه عالمُنا الإسلاميُّ كلُّه، من أقصاه إلى أدناه، استقطابٌ يتنافَى مع الأخوَّة بين المسلمين، والتي هي أصلٌ من أصول الدين وعِصمةٌ من عِصم المسلمين، ويؤكِّد أهمِّيَّة التآلف والتَّآخي، وأنَّ غياب الحكمة في التعامل بين الفُرَقاء نذيرٌ بفكِّ بُنيان التماسك الاجتماعي، ومفتاحٌ لباب الفتنة، والمأمول أن يتناسى الجميعُ حظوظَ النفس وأنْ لا يكون الانتصارُ للنفس رائداً للفرَقاء، وأخصُّ منهم مَن آتاه الله علماً، فمَن أوتيَ شيئاً من العلم فهو أحوجُ إلى العقل، فإذا كان درهمٌ مِن مالٍ يحتاج إلى قنطارٍ من العقل، فإن الدِّرهم من العلم يحتاج إلى قنطارَيْ عقل، فعلى العلماء والدعاة والمثقَّفين أن يُغلِّبوا حقَّ الأخوَّة وحقَّ الجوار وحقَّ المواطَـنَة، وحقَّ حفظ البلاد من الفتن، أما إصرارُ صاحبُ كلِّ رأيٍّ على تصيِّد أخطاء غيره والتَّهجُّم عليه، وعلى الاقتصاص منه والإقصاء له، فهو منافٍ للأخوَّة، والله تعالى يقول: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وشأْنُ الإخوَّة الرحمة، وإنما تُرْجَى الرحمة للمجتمع وتستقيم الأحوال وتصلح، بِنِسْيان الإحن.

القناعة الايمانية

ويرى د.محمد الشنقيطي -عميد كلية العدالة بجامعة الأمير نايف للعلوم الأمنية- بأن المجتمع يجب أن تكون ثقافته منبثقه من عقيدته التي تبعد عن التعصب، وتبتعد عن العواطف والمؤثرات التي يمكن أن تنطلي عليه سواء في فتوى متعصبة أو غيرها فهناك من يتخصص في جانب معين ويمتلىء بهذا التخصص فيبتعد عن الكثير من الأمور المهمة ويبتعد عن الأمور العلمية فيجب التأمل في منظومة الحياة التي تحتاج للكثير من الانفتاح والطريقة الصحيحة في العقيدة السليمة، وتزكية النفس بتوعيتها على سيرت السلف الذين لم يكونوا لديهم من هذه الأمور كالإمام الشافعي الذي يقول (ما جادلني أحد إلا دعوت الله أن يظهر الحق على يديه) فمثل هذه السير مهمة جدا للمسلم لأنها تأخذ الوسطية في كل شيء وتحرص على تزكية النفوس، كما تبحث عن القدوة الحسنة في السيرة الحسنة للائمة، وكذلك السيرة الحسنة في الصحبة التي تدفع إلى الخير والسهولة والبعد عن التعصب في الفتاوي الشرعية، مؤكداً بأن القوانين الجافة لا تكفي في تقنين وردع الفتاوى المتشددة فلابد من تحريك الوازع الديني لدى الناس وأن يكونوا مقتنعين بذلك وهذا ما سار عليه صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وهو أيضاً ما ذكر في القرآن بدعوة الناس بالقسط، ولكن قبل ذلك تعميق الوازع الإيماني لدى الناس والذي يختار بنفسه ويكون مقتنع بأن يكون عليه فالقوانين قد يخترق عليها ولكن الإيمان والقناعة الذاتية هي أساس التعاطي مع الناس بعيداً عن التشدد والتعصب .

الفتاوي الالكترونية

ويؤكد د. علي السويلم -المحامي والخبير القانوني- في شأن ما إن كانت الفتاوي التي تدعوا إلى التعصب والتشدد قد نشرت عبر قنوات التواصل الاجتماعي كتوتير والفيس بوك، بأن لمثل هذه الفتاوي المتشددة قانون يجرمها فتدخل ضمن الجرائم الالكترونية والتي تراقبها وزارة الإعلام فإذا ثبت تجاوز الشخص فتتم محاسبته، أما الفتاوى التي تدعو إلى القذف والسباب والتكفير فإذا ثبت على الشخص أنه قذف دون بينه ولا دليل كمن يتهم بالكذب والسرقة وغيرها فإن عليه محاسبات قانونية مختصة بها المحاكم فتقع عليه العقوبة، والأساس فيها تبدأ بشكوى في الشرطة ثم تحيلها بدورها إلى وزارة الإعلام والتي بدورها تأخذ إجراءها وصولاً للمحاسبة القضائية.