قينان الغامدي- الوطن السعودية-
العنصرية بكل تجلياتها هي مدمرة الأوطان، ومذبحة الشعوب، ومنها تشتعل الحروب الضارية، التي تسحق الشعوب، وتهلك الحياة، والأمثلة المؤسفة المؤلمة على نتائجها تترى عبر التاريخ وحتى يومنا هذا، إذ أينما تلفت جنوبا وشمالا وجدت الحروب تشعل حرائقها، والأزمات تحكم قبضتها على رقاب الشعوب باسم المذهب أو الطائفة، وكلها باسم الدين، والعنصرية تتجلى بأشكال وصور مختلفة: (طائفية، مذهبية، عرقية، لونية، قبلية، مناطقية، عائلية، جندرية، طبقية، لغوية،...إلخ)، غير أن أبرز ما تجلى - ومازال يتجلى - منها في بلادنا هو: العنصرية المذهبية، والطائفية، والقبلية، و- على خفيف- المناطقية!. وقد حرصت أن أوردها مرتبة حسب توقيتات ظهورها وتجليها على السطح جَهْرًا وعلى رؤوس الأشهاد!.
منذ أن توحدت المملكة العربية السعودية، واستتب الأمن، ماتت أو اختفت العنصرية بصورة جعلت الجميع لا يكادون يشعرون بأي أثر لها، سيما بعد أن انتهت ووئدت حروب وثارات القبائل، وانصرف الجميع في كافة المناطق إلى طلب الرزق، وتداخلت المناطق في بعضها بعضا، وتمازجت القبائل، وأصبحنا نرى أبناء مناطق الشمال يعملون ويعيشون في مناطق الجنوب، والعكس، والحال كذلك بين مناطق شرق البلاد وغربها، والكل تجدهم في مناطق الوسط، وتوالت قفزات التطور والبناء في الوطن، ورأينا أبناء وبنات الطوائف والقبائل يعملون جنبا إلى جنب في مختلف مؤسسات وقطاعات الدولة، ويعيشون جيرانا وإخوانا في الدين والوطن، لا فرق بين قادم من البادية، ولا بين ذلك القادم من الحواضر والأرياف، ومازال الحال كذلك - غالبا - حتى يومنا هذا، لكن بحلول عام 1980 كانت بداية ما نجني ثماره المرة اليوم!
قبل هذا العام بسنوات قليلة، كان هناك أمران مهمان يجري طبخهما وتجهيزهما تحت رماد حتى تحين الفرصة المواتية للانطلاق والظهور والتجلي والانتشار بسرعة البرق، هذان الأمران هما:
أولا: كان تنظيم (الولي الفقيه) يرتب، ويمهد، ويجهز، لاحتلال دولة إيران، تحت راية الدين الإسلامي على المذهب الاثني عشري، ولم يأتِ عام 1979 حتى استولى التنظيم على إيران، وفور إعلان قيام دولته، أعلن شعاره الشهير «تصدير الثورة»، ونصب المشانق، وبدأ يعيث في الشعب الإيراني قتلا وتنكيلا والباقي معروف!
ثانيا: كان «التنظيم السروري»، وهو - فرع أصيل لتنظيم الإخوان المسلمين -، وكما هو معروف فإن تنظيم الإخوان لم يستطع أن يكون له كيان في المملكة، فجاءت السرورية المتلبسة بالمذهب السلفي التقليدي الشائع في المملكة، فوجد تنظيم الإخوان في التنظيم السروري عوضا له، فدعموه، وبدأ التنظيم يتمدد لكن بصورة غير لافتة، حتى إذا جاءت حادثة الحرم عام 1979، وجد التنظيم السروري فرصته التاريخية، فبدأ ما سمي «الصحوة» عام 1980، وتحت خيمة هذه الصحوة «وهي الغفلة الكبرى التي مرت ببلادنا!»، تحت خيمتها تمدد التنظيم السروري، وانتشر انتشار النار في الهشيم، وحظي بدعم حكومي وشعبي منقطع النظير تحت شعار تصحيح عقيدة الناس، وبذريعة محاربة التمدد الشيعي القادم من تنظيم الولي الفقيه، مع أن تنظيم الإخوان المسلمين كان أول المهنئين للخميني بوفد عربي إخواني كبير فيه سعوديون، وهنا سأتوقف لأن باقي القصة معروف ومدون!
الذي يهمني مما تقدم أمران:
الأول: أن تنظيم «الولي الفقية» وتنظيم «الإخوان المسلمين» منسجمان متفاهمان، ولم تكن مبادرة وفد التهنئة للخميني إلا عنوان الاتفاق المتكامل بين مرشد الإخوان وولي الفقيه، وبما أن التنظيم السروري فرع إخواني أصيل فهو جزء أصيل من الاتفاق، حتى وإن بدا في التكتيك أن هناك اختلافات أو عداوات، والسبب أن التنظيمات الثلاثة تنظيمات سياسية هدفها السلطة تحت مظلة الدين الذي استخدمته ومازالت تستخدمه كأسوأ ما يكون الاستخدام بل والامتهان، ومن يكن هدفه السلطة -وهذه التنظيمات لا هدف لها غيرها - فلن يجد سبيلا في مجتمعاتنا المسلمة بالفطرة غير الدين لتضليلها والاستيلاء على مشاعرها، وعقول أبنائها وبناتها، وقد حدث!.
الأمر الثاني: أنه مع انطلاق ما سمي «الصحوة» بدأنا نسمع ونقرأ نغمة الطائفية والمذهبية في بلادنا، تتصاعد شيئا فشيئا، وحرص التنظيم السروري على تعميق الهوة في الوطن، ليس بين السنة والشيعة فقط، بل بين المذاهب السنية الأربعة، وليس ذلك فقط، بل بين أبناء وبنات المذهب السلفي نفسه، حيث صار في مجتمعنا وداخل البيت الواحد: «إسلامي، وغير إسلامي»، وهذا التصنيف الأخير يعتمد على الشكل كما هو معروف، والذي تبعته تطورات وصلت إلى تصنيف حتى صوالين الحلاقة ومحلات الخياطة الرجالية، ووصل الفصل الحاد بين الجنسين درجة جعلت بعض السروريين يقترحون تطوير بناء الحرم المكي الشريف ليتناسب مع تحريم الاختلاط!، مع ما صاحب ذلك من نظرة دونية للمرأة، وتشكيك في أخلاقها، وعدم ثقة فيها، ولذا يجب عزلها تماما عن الحياة، وهذا العزل من جانب التنظيم السروري، له هدف آخر، حتى وإن بدا في ظاهره من أجل صيانتها واعتبارها الجوهرة المصونة عن أعين الرجال الذئبية، و...!، وغدا نكمل.