شريف قنديل- المدينة السعودية-
لا أود الدخول في الحوار أو الجدل الدائر حول مسببات الهبة العلمانية الكبرى التي اجتاحت وتجتاح الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، لاسيما وأنها تأتي أو يتم تصويرها وتقديمها باعتبارها بديلاً حتمياً للقضاء على العنف والإرهاب..
كما لا أود معاودة الكتابة عن الجهر بحب التطبيع مع إسرائيل والذي انسال أو انساب أو «اندلق» هذه المرة من سودان «اللاءات الثلاثة» على لسان مبارك المهدي، خاصة وأنه يتم الترويج له -للتطبيع- باعتباره السبيل الأوحد لدعم الاقتصاد ونبذ الرجعية والتخلف!.
غير أن ما يستوقفني حقيقة هو تلك الملازمة بين الأمرين هذه الأيام! فضلاً عن هذا السيل الجارف من التحولات الفكرية أو السياسية أو حتى الدينية والتي وصلت الى حد المطالبة في تونس بإعادة النظر في النص القرآني الخاص بميراث الذكر الذي له حظ الانثيين! وفي مسألة زواج المسلمة بغير المسلم!.
وفي السودان وبموازاة تلك الهبة الكبرى، دار جدل حول تعديل دستوري يقضي بإمكانية زواج الشاب والشابة مباشرة دون الحصول على إذن من ولي الأمر طالما بلغا السن القانونية! ، كما يدور حالياً سجال حاد إثر قرار وزارة التربية بحذف مادتين من مقرراتها الإسلامية عن «الإسلام دين التوحيد»!
وفي مصر ظهر كم هائل من علماء وفقهاء مفترضين يذهبون الى أن «الحشيش» رائد المخدرات في مصر لا يفسد الوضوء، وفي حال شرب الخمر تكفي «المضمضة»!
وامتداداً للمضمضة الفكرية، قال أحدهم إن على الزوج أن يتصل بالزوجة هاتفياً أو بالواتس آب ليس لتستعد لاستقباله وإنما تحسباً لوجود رجل أجنبي معها !!.
وفي المغرب ظهرت فتوى جمعية «بيت الحكمة» التي تقضي بجواز بيع الكحول، وضرورة إلغاء مادة ثابتة في الدستور المغربي تحظر ذلك!.
إن خطورة مثل هذه الفتاوى والترويج لها تلفزيونياً لا يقل بشاعة عن فتوى الشيخ العجلوني في سوريا التي تجيز زواج الرجل بما أسماه «50 جارية سورية» ناهيك عن الفتاوى المريضة التي تخرج من «الدواعش» وغيرهم من جماعات إرهابية وأخرى متطرفة!.
وتحت عباءة التمسك بحتمية التحول للعلمانية، تمضي مسيرات وتنظم ندوات ومؤتمرات عن التحرش الجنسي وعن الاغتصاب وعن العنف ضد النساء وتصوير الأمر عمداً مع سبق الإصرار على أن الاسلام أو تمسك الناس بعقائدهم هو المسؤول!.
أدرك أن وضع «العلمانية» في مواجهة الإسلام خطأ كبير أو هكذا أرى، وأن تحميل العلمانية مسؤولية ذلك كله أمر مجحف، فضلاً عن عدم اتساقه علمياً أو فكرياً، لكن ما أرصده من مواقيت وحيثيات وتصريحات مبتورة تارة وملغومة تارة أخرى، أمر يسيء للفكرة وللمروجين لها!.
والواضح أن ظهور الإسلام السياسي- وليته ما ظهر- ساهم في تقديم أو تمرير الدعوة للعلمانية بل وللتطبيع مع إسرائيل باعتبارهما طوق النجاة للدول العربية والإسلامية، فضلاً عن طمأنة الغرب وكسب رضاه!.
ومهما يكن من أمر تقديم وتجميل العلمانية باعتبارها الحل الوحيد، تظل الخطورة كامنة في اختيار التوقيت وفي اختيار مزايات أو مفرزات أو منتجات العلمانية، ذلك أن الغالبية الكاسحة من الشعوب العربية تؤمن أن شيئاً ما يُدبر في الخفاء وتخشى من أن يكون هذا الشيء خاص بعقيدتها ودينها!.
كذلك، فإن الترويج للتطبيع هذه الأيام - أيام الهوان العربي - أمر لا يقل خطورة على نسيج الشعوب العربية التي لم ترَ أو تسمع عن إسرائيل سوى الذبح والحرق والكيد للآخرين!
لقد جاء الترويج للاتجاهين أو الدواءين عند البعض..»العلمانية» و»التطبيع» في عصر الانكفاء العربي الذي لا ناقة للشعوب ولاجمل فيه، ومن ثم فإن إقناعها أو إجبارها على قبول تجرعهما خطأ فاحش، وخطر كبير!.