أحمد شوقي- خاص راصد الخليج-
عندما تتلوث مياه الشرب بالشوائب فهذا لا يعني الاستغناء عن الماء ولكن ذلك يقود الى التنقية والتطهير.
وعندما يزداد التلوث ويغير طبيعة الماء فإن المطلوب هو تنقية المنبع لا اغلاقه او ردمه لان الماء هو سر الحياة ومنه خلق كل شئ حي.
هل يختلف احد على هذه القاعدة المنطقية؟
الدين في امتنا هو الماء لشعوبها وهو المكون الوجداني الاول والاعمق، ومهما دخلت الشوائب على مجراه فلوثت سطحه، ومهما حتى تكاثرت عليه الملوثات وبدت انها حرفت مساره او غيرت طبيعته، فان التنقية والتطهير من المنبع هي الوسيلة المثلى لا قرار او توجه بالاستغناء عن الدين ولا صفقات تجرى بشطبه لان ما سيترتب على ذلك هو اما رفض شعبي وعنف والتحاق بالتيارات التكفيرية والتي ستكون لشعاراتها التكفيرية وجاهة مكتسبة من غباء الاخرين!
واما سيترتب على ذلك استسلاما بدافع الخوف او القمع ولكن لن يكون هناك اتساقا بين الوجدان وبين المفروض بقوة القانون او الامر الواقع، وسينجم عن ذلك خللا مجتمعيا لا يستطيع احد تقدير عواقبه، وهذا الخلل اولى درجاته هي عدم الانتماء للدولة (الكافرة) والعيش بروح المداهنة والنفاق وربما الاستباحة للمحظورات كعرض لمرض نفسي يتطور بمعدلات غير محسوبة.
نقول ذلك بمناسبة التطورات الموجودة بالخليج وخاصة في المملكة السعودية وحملات الاعتقالات التي طالت العشرات ومنهم مفكرين بارزين ورجال دين لهم نزعات معارضة.
وكالعادة كانت التهمة هي نشاطات استخباراتية وعلاقات خارجية واتصالات بجماعات محظورة وغير ذلك من التهم الشهيرة لدى اجهزة الامن ولا سيما العربية.
تتواتر التقارير التي تقول ان محمد بن سلمان يعد العدة لاستلام الحكم وان ابرز مسوغات قبوله هي التوجه نحو الخصخصة والتحول نحو العلمانية بالمعنى المهمش للدين لا بالمعاني الاخرى المختلفة للعلمانية والتي يمكن قبولها.
ولطالما انتقدنا التجارة بالدين لكننا لا نستطيع انتقاد الدين ووجوده كاساس للمبادئ الحاكمة التي تنبثق منها السياسات والتشريعات والقوانين.
ولطالما انتقدنا الوهابية وما تشكله من فكر تخريبي مؤسس للارهاب وممزق لوحدة الامة الاسلامية، لكننا لا يمكننا انتقاد التدين في ارض الحجاز ولا يمكننا انكاره ولا يمكن لاحد فرض امر واقع متناقض مع الدين واسسه ومنطلقاته وحدوده.
ان المستهدف من اجهزة الاستخبارات الغربية ومن النظم التي تسير في ركابها وتستعد لتطبيق مخططاتها ليس تنقية التراث الديني او تجديد خطابه، لان الخطاب المشوه التكفيري ليس عبئا وانما اداة مساعدة للغرب وسلاح لهم لتمزيق الوحدة واشاعة الفوضى في المجتمعات وتنفيذ مخططات التقسيم على الارض، ولكن الهدف هو محاربة جوهر الدين الذي لم يتأثر بعد كل هذه الحروب وكل هذه الشوائب والمغالطات التي تصدرت عناوين الدين لتحرفه عن مساره.
ان الغرض هو الاجهاز على الجانب المقاوم في الدين والجانب المعارض للطغيان والاستكبار والجانب الوجداني الذي يشد المسلم لاخيه في لحظات الخطر وفقا لهذا الخيط الوجداني الديني الرفيع.
ان سنوات من تشويه الدين لم تستطع نزع المقاومة ولم تستطع تفريغ خطاب الكثيرين من المفكرين مهما انحرفت بعض اتجاهاتهم من مقاومة الاستبداد والاحتلال.
ولم يجد الغرب وتوابعه بدا من اقامة الحرب على الدين ذاته ولم ينسوا وضع كل التنوعات الدينية والمذهبية والفكرية في بوتقة واحدة عنوانها الاسلام السياسي ومضمونها الارهاب، لتكون الحرب على الارهاب حربا على الجميع والتخلص من جوهر الدين المزعج لهم تحت غطاء التخلص من انحرافاته!
ان علم المملكة الممثل بالسيف والمصحف هو تعبير رمزي عن تحالف ال الشيخ اي الوهابية وال سعود اي الحرب والغزو، ولكنه في وجدان الحجازيين من اصحاب الجنسية السعودية يعني الدين والمقاومة والزود عن هذا الدين، فهل يملك محمد بن سلمان او غيره تغيير هذا الوجدان؟.
وهل تنجح اية خطط بدأ تسربها لتغيير وجه المملكة والخليج عبر مساعدات من دول اخرى امنية واعلامية وغيرها لجعل الخليج مجرد ترانزيت للشركات العابرة للقارات واهله مجرد اعضاء في شركة دون اي مخزون او مضمون حضاري او ديني.
نظن انه من الغباء الشديد تصور نجاح هذه الخطط ومن الغباء الاشد الاقدام على تنفيذها لانه اقدام على الانتحار، اما بثورة عارمة او بتعاطف شعبي مع الارهاب او بخلل مجتمعي مفاده انفصام في الشخصية المجتمعية وفقدان لاي دوافع وطنية وانتماءات وجرائم اجتماعية مرتقبة تنتظر اشارة البدء في الخطط الحمقاء.