مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
الآن أصبحت لدى الرجال شريكة جديدة في الطريق، فلن تعود قيادة السيارات حكراً على الرجال في المملكة العربية السعودية بعد أن أمرت القيادة بصلاحية النساء للقيادة.. لمَ لا؟! فالمرأة صانعة الحضارة وعنصر أساسي في التنمية الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية.
هذا هو حال غالبية الآراء والمواقف التي ازدحمت بها وسائل الاعلام وغزت مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، وفي غيرها من الدول التي رأت في القرار الملكي الجديد ثورة على المألوف وبعضهم رأى فيه انقلاباً على المفاهيم والتقاليد المتوارثة أباً عن جد منذ تأسيس المملكة واتّباعها تعاليم الشيخ محمد بن عبد الوهاب المتأصّلة على فكر ابن تيمية، أما من رأى في ذلك انحرافاً عن النهج الإسلامي السائد في السعودية فهو إما جاهل أو متضرّر.
نيو - سعودية إلى الأمام سر
يجب ألا نستغرب غداً أن نرى المرأة تقود الطائرة أو الباخرة أو تقف على مستديرات الطرق ومفترقاتها لتنظّم سير المركبات في الرياض وجدّة وغيرها من المدن السعودية، ولا غرابة أن نتابع المباريات الرياضية لفرق نسائية تشارك في مسابقات محلية وعالمية، وليس في ذلك عيب أو حرام بل سيكون صورة جديدة عن السعودية وفق رؤية الأمير محمد بن سلمان لعام 2030، وهي رؤية تستلزم الانتفاض على الموروثات القديمة التي حدّت من شأن المرأة، وتحقيق قفزة اقتصادية والاستفادة من العنصر النسائي كمعطى تنموي من شأنه تحريك عجلة التقدّم والتطوّر في العقدين القادمين، وصولاً إلى تظهير نيو - سعودية.
كفى لمهزلة الافتاء
ولكن هل يمكن وضع حملة الاعتقالات التي طالت عشرات الدعاة في المملكة، وهم من الدعاء المعروفين والمشهورين، في الإطار ذاته؟! وهل هناك علاقة بين خطوة الانفتاح في السماح للمرأة بقيادة السيارات وبين إزاحة رموز التيار الديني المتشدّد في السعودية؟! وهل تندرج في هذه الخانة فصل الآلاف من أئمة المساجد والجماعة في السعودية "بعد ثبوت نشرهم التطرف وأيديولوجية الكراهية"، على حد قول وزير الخارجية عادل الجبير؟! لا يمكن الجمع بين هذه المعطيات عضوياً ولكن لا يمكن الفصل بينها، فما كان سائداً من صراع أيديولوجي امتد لسنوات طويلة ليس سوى اجتهادات فردية لها ظروفها الزمنية الخاصة بها، دون أن يرتكز على موانع شرعية حقيقية، وآن الأوان لوقف مهزلة الجدل الذي طال أمده وتسلّق عليه الكثيرون.
لا بد من فتح النوافذ
ألم يكفِ السعودية إبقاؤها رهينة لمجموعة من المغالين الذين أمعنوا على مدى عشرات السنوات في وضع المملكة ضمن سجون الفتاوى والأحكام؟! ألم يكفِ المملكة إبقاؤها تحت سلطة قلّة من المفتين الذين يتخذون الدين ذريعة للتقوقع وبث الكراهية والحقد للمذاهب الأخرى، وتكفير المسلمين وغير المسلمين ممن لا يتّبعون فكر السلف؟! آن الأوان لنفتح الأبواب والنوافذ، وإن كان لا بد من مواجهة الفكر المتطرف الذي ساد قروناً في السعودية على أيدي وألسنة من يسمّون أنفسهم "دعاة"، فإن باكورة التغيير لا بد أن تبدأ بتحقيق مقدار كبير في الانفتاح والتحرّر، ولا سيما في ما يتعلق بالمرأة وحقوقها المهدورة في المملكة، وهؤلاء الذين بدأوا يصطادون في الماء العكر ونشر التهديدات حيال من ينصاع لقرار الملك لا بد أنهم سيواجهون الاعتقال والإعدام لو استوجب الأمر ذلك.
نعم للتغيير حتى لو بالعلمنة
آن وقت التغيير والنهوض، وننتظر القرار التالي للملك، ونأمل أن يكون منصبّاً على المزيد من الانفتاح، ولا بد من التخلّص من عقدة الخوف والاتجاه نحو التحرّر من النظرة الغربية للسعودية والعرب، فنحن لسنا منغلقين ولا تقليديين كما أرادنا الغرب أن نكون، بل نملك عقولاً وتفكيراً وتخطيطاً للمستقبل، فلماذا نبقى نموذجاً متخلّفاً للنظام العربي - الإسلامي، ولماذا نبقى نناصب العداء لكل نظام جديد؟! حتى لو كان هذا النظام يرتدي شكل العلمانية على الطريقة الغربية. إن عجلة التغيير الاجتماعي والاقتصادي بدأت ومن غير المسموح الإبقاء على العوائق أمام تقدّم هذه العجلة، ومن لا يستجيب سيكون نصيبه القمع والاعتقال والتغييب.