دعوة » مواقف

الريسوني.. شيخ حركة لا شيخ دين

في 2017/10/25

سليمان الضحيان- مكة السعودية-

كتب الدكتور أحمد الريسوني عضو حركة التوحيد والإصلاح المغربية، نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين مقالة بعنوان: (الإسلام السعودي من الازدهار إلى الانحدار)، وهي مقالة هجومية تصنف ضمن مقالات الردح الإعلامي الرخيص، وقد أحدثت صدمة لدى طائفة كبيرة من طلبة العلم على اعتبار أن الريسوني عرف لديهم بكتبه في (علم المقاصد)، وهو علم يكسب صاحبه سعة في الأفق في تعامله مع النص الشرعي وعلاقته بالواقع وتفهما لشبكة العلاقات المتداخلة في الشأن السياسي، ورأوا أن ما كتب يناقض تخصصه في هذا العلم. فما الذي دفع الريسوني لذلك الردح غير اللائق بمن ينتمي للعلم الشرعي؟

مما استقر في أذهان الغالبية أن هناك شيوخ سلطة يفتون لها حسب ما تريد، لكنهم لا يدركون أن هناك مشايخ آخرين، فهناك شيخ العامة أو الجمهور الذي يطوع النص الديني حسب رغبات الجمهور لكسب الجماهيرية، وهناك شيخ المذهب الذي مهمته الدفاع عن المذهب الفقهي أو الديني، ويطوع النص الديني ليوافق مقولات مذهبه، وهناك شيخ الطريقة، وهو من يتزعم طريقة صوفية له فيها أتباع ومريدون، فعالمه كله يختصره بطريقته وأتباعه، وهناك شيخ ملة أو شيخ دين، وهو من يكون كل ما يصدر عنه من فتوى وتقعيد وموقف نابعا من الدين ولأجل الدين، فإلى أي صنف من هؤلاء ينتمي الدكتور أحمد الريسوني؟

الريسوني لا ينتمي لأي منها، فهو شيخ حركي ينتمي إلى ظاهرة شيوخ الحركة، وهي وظيفة جديدة نشأت مع نشوء الحركات الإسلامية في القرن العشرين، وهم شيوخ منخرطون تنظيميا في الحركات الإسلامية، وهم يختصرون الأمة بحركتهم، فهي - في نظرهم - المعبر عن الأمة، وحاملة لواء التجديد والفكر الإسلامي، والمنتمون لحركتهم السياسية هم الصفوة من المسلمين الذين بيدهم نهضة الأمة وإعادة أمجادها، ففوزهم - في نظر شيوخ الحركة - في الانتخابات السياسية فوز للإسلام، والخصومة السياسية معهم خصومة مع الإسلام، والتحالف السياسي ضدهم تحالف ضد الإسلام، والسعي لإسقاطهم سياسيا مؤامرة ضد الإسلام.

وينزلون تقعيدات الأصوليين في: (المصلحة، والمفسدة، وسد الذرائع، وفتح الذرائع) كلها على مجتمع المنتمين لحركتهم السياسية، ويخضعون المبادئ الدينية مثل: (الولاء والبراء والنصرة) لمصلحة حركتهم، وسبق أن كتبت مقالا في هذا بعنوان: (بين إسلام الأمة وإسلام الحزب).

فالريسوني نموذج على هذه الظاهرة (ظاهرة شيخ الحركة)، فالرجل عمل لسنوات طويلة في السعودية خاضعا لمتطلبات خطابها الديني الذي هاجمه في مقاله ووصفه بأوصاف غاية في الشناعة، وكانت مصلحة (الحركة الإسلامية) التي ينتمي إليها تحتم عليه السكوت عن إبداء رأيه بالخطاب الديني في السعودية آنذاك، ولا حرج من ذلك مع اعتقاده الديني ببشاعة هذا الخطاب آنذاك، لكن مصلحة الحركة مقدمة على مصلحة الدين لديه،ثم حين اختلفت الحكومة السعودية مع التنظيمات الحركية الإسلامية أملت عليه عقيدة الولاء والبراء الحركي لا الديني هذه المرة أن يتخذ منها موقفا شديدا.

وقد عاب ولاء هيئة كبار العلماء في السعودية للحكومة السعودية مع أنها في توصيفها الرسمي جزء من الحكومة ومهمتها تكاملية مع السلطة السياسية التنفيذية، قارن هذا بولاء تنظيم اتحاد علماء المسلمين - الريسوني نائب الرئيس فيه - للحركية الإسلامية، فمواقف الاتحاد من الدول بناء على موقف الدول من (الحركية الإسلامية)، ففي الوقت الذي اتخذ موقفا شديدا من مقاطعة الدول الأربع من قطر، وأورد النصوص الشرعية للتدليل على حرمتها صَمَتَ صمْت القبور عن إعلان تركيا محاصرة كردستان العراق.

وفي الوقت الذي يندد بشدة بحركات الاعتقالات في الدول التي لها موقف من الحركية الإسلامية يبارك اعتقال عشرات الآلاف وفصل أكثر من 120 ألفا في تركيا بحجة تطهير الحكومة من الانقلابيين، وفي الوقت الذي يشجب أي علاقة مع دولة الصهاينة من أي دولة إلا أنه يسكت عن علاقة قطر بالصهاينة، حيث فتحت لهم مكتبا تجاريا، وزارها رئيس إسرائيل السابق شمعون بيريز، فالثابت الوحيد لدى الشيخ الحركي الحركة ومصلحتها، فكل شيء في خدمتها بما فيه الوطن والدين ونصوصه الشريفة وأحكامه من ولاء وبراء، وقد ضاق ذرعا الشيخ ابن بيه من ولاء اتحاد علماء المسلمين لتنظيم حركة لإخوان المسلمين، ورفض أن يكون شيخا حركيا يطوع نصوص الدين لمصلحة الحركات الإسلامية، فقدم استقالته من الاتحاد.

هذه بعض مواقف اتحاد علماء المسلمين الذي يتسنم الريسوني منصب نائب الرئيس فيه، والمفترض أن يسمى الاتحاد بـ (اتحاد علماء الحركات الإسلامية)؛ لأن ولاءه لها لا للمسلمين قاطبة، والريسوني نفسه طالما أثنى على ملك المغرب، وفي محاضرة له يدلل على استحالة فصل الدين عن الدولة بصنيع ملك المغرب، هذا وهو ليس له منصب رسمي بالدولة المغربية لكن مصلحة حركته تحتم هذا، فما له يعيب على هيئة كبار العلماء في السعودية وهي كما أسلفت في توصيفها الرسمي جزء من الحكومة؟!.

لو كان الريسوني شيخ دين، يحدوه في تنظيره مصلحة الدين لا الحركة، ويهمه المسلمون قاطبة لا المنتمون للحركات الإسلامية لقلنا الرجل مجتهد، يؤخذ من نقده ما أصاب به، ويشفع له صدقه الديني في ما أخطأ فيه، لكنه شيخ حركي، وحينما يفتي شيخ الحركة، أو يكتب، فابحث عن مصلحة الحركة الثاوية فيما يقول، وما يكتب.