مرزوق بن تنباك- مكة السعودية-
في 15 أغسطس 2016 عقد مؤتمر كبير في غروزني عاصمة الشيشان بعنوان (من هم أهل السنة والجماعة)، وحضر المؤتمر عدد كبير من علماء أهل السنة والجماعة من الدول العربية والإسلامية ومن خارجها، وكان أخطر قراراته إخراج السلفية من محيط أهل السنة والجماعة، ويبدو أن عنوان المؤتمر يوحي بما سوف يتخذ من قرارات، وأن الأمر قد بيت بليل.
كانت المفاجأة غير محتملة وغير مقبولة حتى لمن لم تربطه بالسلفية رابطة، وجاء الرد على المؤتمر ومن حضره وأقر توصياته قويا وصادما من السلفيين وغيرهم، إذ لا بد أن يرد المعنيون، وهذا ما حدث، توالت المقالات التي تدافع عن السلف وتبين أخطاء خصومهم وتعترض على ما قالوا.
وكنت مثل غيري شديد الاستغراب من هذا القرار لا سيما على من يعيش في وسط سلفي مشحون بثقافة ديدنها الحديث عن أهل السنة والجماعة متشبع بها ثم يأتي من يخرجهم من هذه الدائرة الواسعة، أو ينال من المذهب الذي ملئت الذاكرة بأدبياته ونصوصه.
تحت أثر المفارقة كتبت مقالا في هذه الجريدة في تاريخ 14/9/2017 بعد أن قرأت أكثر الردود على ما جاء في قرار المؤتمر، وقلت إنها فرصة للنظر فيما زعم القوم ومراجعة بعض الآراء ورحم الله من أهدى إلي عيوبي، وطلبت ألا ينبري السلفيون للدفاع عن مذهبهم ويتحدثون عن فضائله وبيان صحته وما يشهد له من الأحاديث والنصوص، وقد يفندون ما في المذاهب الأخرى من مقالات، حتى ولو كان الدفاع حقا مشروعا لمن بغي عليه لكن من الحكمة ألا يندفعوا إلى حروب كلامية وتكاذبات طائفية تصيب جماعة أهل السنة في صميم رؤيتهم، ورب ضارة نافعة، ففي ما قيل فرصة سانحة للمراجعة والتصحيح والاستدراك وتجديد الرؤية في مسائل الخلاف ثم الرد بعد ذلك.
واليوم يعيد الكرة للموضوع نفسه عالم كبير هو الشيخ أحمد الريسوني من المغرب العربي، وينتقد نقدا حادا السلفية أو كما وصفها (الإسلام السعودي)، ويقول فيها ما شاء أن يقول، وتعود موجة المقالات الغاضبة والردود عليه كما كانت في حق مؤتمر الشيشان وتنتقد بشدة ما جاء بمقاله، ولكنها في الوقت نفسه تثني على علمه وتخصصه وتصفه بعضها (بالشيخ العالم والفاضل الجليل)، وهو أحد من استعانت بهم رابطة العالم الإسلامي لإنجاز مدونة معلمة القواعد الفقهية والأصولية التي يرأسها أحد أعضاء هيئة كبار العلماء في السعودية، وتم اختياره عضوا في هيئة علماء المسلمين، وعضوا في رابطة العالم الإسلامي الذي يرأسها عالم آخر من علماء السعودية، وعضو في هيئة كبار العلماء أيضا، ومقرها في مكة المكرمة. وبقي في مكة أكثر من عشر سنوات يعيش مع علماء السعودية وفي ضيافتهم ويتعاون معهم، ولم يمنع كل ذلك قسوته عليهم ومقاله الغاضب منهم.
الشيخ الريسوني
يعرف جيدا السلفية بشهادة أهلها الذين استعانوا به، واستفادوا من علمه وأثنوا عليه، وهنا تأتي أهمية النظر فيما قال ومراجعة ما أشار إليه ولا ينقص ذلك من أهمية المذهب والتمسك بما يكون صالحا والرد عليه من منطلق العلم بفحوى نقده واعتراضه.
ولعله من نافلة القول إن المذاهب الإسلامية ليست هي الإسلام، ولكنها تفسير واجتهاد للرجال يصيب بعضها ويخطئ البعض الآخر، ولا ضير أن تراجع وتصحح وتنقح، وشرط التصحيح والتنقيح أن تسمع وجهة النظر المعارضة والمختلفة.
أرى أنها فرصة أخرى يتيحها الشيخ الريسوني لمناقشة السلفية فيما يرون، وفيما قال عنهم والرد عليه فيما زعم بعد النظر والتريث وتحييد العاطفة والانتصار للنفس، وتغليب الموضوعية بدل تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة.