DW- بالعربية-
دعا الكاتب السعودي جمال خاشقجي في حوار مع DW عربية إلى إقرار الحريات العامة في السعودية، مؤكدا أن البلاد في حاجة إلى التحرر من المنهج السلفي المتشدد الذي ساد وحَكمها خلال الثلاثين سنة الماضية بإذن من الدولة.
بعد الخطاب االتاريخي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والذي أكد فيه على نية المملكة الإنتقال إلى الإسلام الوسطي المعتدل، حاورت DW عربية الكاتب السعودي البارز جمال خاشقجي، حيث عرض الكاتب وجهة نظره في تصريحات الأمير.
DWعربية: أمس، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في خطابه على محاربة الفكر المتطرف، هل هذا يعني أننا سنشهد في السعودية إسلاماً معتدلاً بعيداً عن الوهابية؟
جمال خاشقجي: أنا متأكد أنه لو وجّهتَ هذا السؤال للأمير محمد لقال إن الوهابية هي الفكر المعتدل لأنها هي أساس بناء الدولة. أيضا من الصعب على السعودية أن تتبرّأ من الوهابية، بيد أن هذه الأخيرة حملت تيار سلفي متشدد، وهو الذي ساد خلال الثلاثين سنة ، وهو الذي اشتكى منه الأمير محمد حينما قال إننا لن نسمح أن نبدد 30 سنة أخرى تحت هذا الفكر المتطرف.
الآن، هناك جدل في السعودية حول المقصود بالمتطرفين، حيث التيار الحكومي يفضل تصنيف المتطرفين بأنهم الإخوان المسلمون، بينما الجميع يعرف أن أفكار الإخوان المسلمين أكثر "عصرانية من الفكر السلفي الجامد". غير أن هناك حاجة بالتأكيد لتوضيح ما هو المقصود بالتطرف الذي ينبغي تدميره. وإذا نظرنا إلى السبعين معتقلا، الذين تم القبض عليهم مؤخرا في السعودية، فمن غير المعلوم هل هؤلاء من المتطرفين الذين يُنوى تدميرهم.
95 في المائة من المعتقلين هم إما قوة إصلاحية أوأشخاص يدعون إلى الإصلاح والإعتدال والعصرنة، وكان بإمكانهم أن يكونوا في الصف الأول مع الأمير في الاحتفالية التي جرت البارحة. وبالتالي هناك حاجة ماسة للتأكيد من هم المقصود بالمتطرفين.
ما هو حجم الدعم الداخلي في السعودية لإصلاحات الأمير وما هو حجم المعارضة؟
أنا أؤمن بأن الأمير يحظى بدعم شعبي واسع، فيما يخص إصلاحاته الاجتماعية والاقتصادية، فهو يتمتع بزخم هائل جدا. وكنتُ دوماً أقول إن أقوى حزب سياسي في المملكة السعودية هو حزب الدولة، والدولة هنا هي الحكومة والأسرة المالكة. كان كثير من الباحثين الغربيين وغيرهم يعتقد أن الدولة في حالة تحالف مع علماء الدين، بينما هؤلاء استمدّوا قوتهم من الدولة، وإذا ما قررت هذه الأخيرة سحب البساط منهم، فإنهم سيعتدلون ويمضون خلف رأيها، وهذا حصل في عهد الملك عبد العزيزسابقا، ويمكن أن يحصل مرة أخرى.
أنا اعتقد أن السلطة تدعم هذه الإصلاحات وأن الشعب يدعمها أيضاً. البلاد في حاجة إلى التحرر من المنهج السلفي المتشدد الذي ساد وحَكمها خلال الثلاثين سنة الماضية بإذن من الدولة. فهذا النهج المتشدد لم يأتِ إلى السلطة من خلال انتخابات شارك فيها وفاز بها، وإنما سمحت له الدولة ورأى البعض فيه أن هذا الاتجاه مفيد فسُمح له. واليوم سُحب البساط من هذا التيار فانهار ولا توجد لديه القوة ليمنع هذه الإصلاحات.
ما هو التيار المعارض لإصلاحات ولي العهد السعودي؟
سوف يبقى متشددون سعوديون يعارضون الإصلاحات والانفتاح نحو الأقليات وهذا لم يحصل بالشكل الكامل بعد. سيبقى البعض من رجال دين وتقليديّين يعارضون إعطاء المرأة حقوقها، لكنهم ليسوا بالقوة التي تسمح لهم بمنع هذه المسيرة. وربما لو جرت انتخابات في السعودية وطُرحت هذه المسائل على التصويت لا أعتقد أنهم سيشكلون تعداداً جيداً.
هل سنرى قريباً حريات أكثر للأقليات الدينية في السعودية، مثل السماح ببناء كنائس؟
لا أعتقد أنه توجد حاجة، إذ قد يكون فيها نواع من الإستفزاز كأن تدعو لبناء مسجد بجوار الفاتيكان. الحريات التي نتمناها في السعودية هي الحريات العامة وإطلاق التعددية والحريات الفكرية، السماح بالتعددية وحمايتها هو المهم، وهو الذي نحتاجه اليوم وليس الانتقال من تشدد سلفي إلى تشدد إصلاحي، بمعنى أنه على الجميع القبول بهذه الإصلاحات وإلا فإن مصيرهم الاعتقال. أنا أعتقد أنه حتى الحمقى لهم الحق في إبداء الرأي طالما أنهم لم يمارسوا العنف، وأتمنى من ولي العهد أن يقبل بذلك وأن يكون متسامحاً مع الأفكارالتي تنتقد بعض الإصلاحات، حتى الاقتصادية منها مثلا، فليس كل مشروع اقتصادي أتى ليس بالضرورة أن يكون محل إجماع، إذ هناك باحثون اقتصاديون يرون عكس ذلك مثلاً. نحن نريد في السعودية ضمان الحريات العامة التي تحمي أصحاب الرأي المستقلين.
هل الغاية الأساسية للأمير في هذه الإصلاحات هي الجانب الإقتصادي؟
الجانب الإقتصادى مهم جدا وهو التحدي الأكبر الذس سيواجه الدولة . فهناك الملايين من الشباب السعودى ممن يريدون الحصول على وظيفة واذا غضب هؤلاء سيكلفوا الدولة كثيرا لذا يجب معالجة الشأن الإقتصادي وتوفير الوظائف لهم خلال السنوات القليلة القادمة .لكن أيضا من الضروري كما قال الأمير العودة إلى الاعتدال، وأن يستطيع السعودي أن يتمتع بحياته في بلاده، وألا يضطر إلى السفر من أجل أن يتمتع بإجازة وهذا أيضا يجلب الاستثمارات و سببا في أن تكون السعودية بلدا طبيعيا. فالسعودية في الثلاثين سنة الماضية كما قال الأمير لم تكن بلدا طبيعيا بل كانت بلدا خانقا وهو أمير شاب وعاش ذلك وربما أغضبه ما شاهده في شبابه من شتى االممارسات القمعية التي كانت تمارسها الشرطة الدينية هيئة الأمر بالمعروف في الأسواق وفي الحياة العامة. لذا فإن تلك الاصلاحات ضرورية جدا اقتصاديا واجتماعيا .
عندما نتحدث عن الاعتدال، أليست الوهابية نفسها ضد الإعتدال ؟
من الصعب على المملكة العربية السعودية أن تتبرأ من الوهابية، فهي الأساس التي قامت عليه المملكة، لكن بإمكانها أن تستبدلها بالإسلام الوسطي. وكثير ما يقول المسؤول السعودي أن الوهابية ما هي إلا الإسلام في جوهره وهكذا. هذه العبارات جيدة ولكن يجب ألاتتوقع أن يخرج مسؤول من الدولة السعودية ويتبرأ من الوهابية فهذا جزء من تاريخ المملكة، وجزء من تأسيسها ولكن الإسلام فيه السعة والاعتدال.
ألن تحاول السعودية تدريجيا ولو بعد فترة طويلة قد تمتد لسنوات أن تتخلص من هذا الفكر؟
أعتقد أنها من الممكن أن تتخلص من هذا الفكر في غضون أشهر وليس سنوات، وذلك بتقديم الإسلام المعتدل الذي يجيب على الأسئلة المعاصرة دون الحاجة للقول بأنها تخلصت من الفكر الوهابي. فالأفكار الإسلامية العصرية متاحة أمام الدولة وبإمكانها أن تستخدمها بدون أن تحتاج لإعلان برائتها من الوهابية .
ما تأثير زيارة ترامب للسعودية على الإصلاحات أو ما علاقتها بذلك ؟ أقصد ان تظهر السعودية نفسها كقوة غير متطرفة؟
لا أعتقد أن لها علاقة بتلك الإصلاحات. فترامب أصلا ليس بالمفكر العظيم الذي من الممكن أن يطرح أفكارا اصلاحية على أي بلد. هذه الفكرة محل حديث السعودية منذ سنوات بين النخب السعودية. الجميع معترف بأن السعودية قد تضررت من الإنغلاق الذي سادها خلال الثلاثين عاما ووجدت هذا الفتى الشجاع الذي اعترف بالحقيقة والذي أراد انهاء هذا الوضع الشاذ الذي كنا نعيشه. فلا يوجد تأثير لترامب ولا لغيره ،هذه حاجة سعودية كان هناك حديث حولها وجاءت فرصتها على يد هذا الفتى الشاب الشجاع .
الحل الأمني هو ضمن الوسائل التي اتخذت في السعودية، فما هي وسائل ولى العهد في تحقيق الإصلاح ؟ هل سيتبع الأسلوب الامني أم سيركز على الجانب الإقتصادي مثلا؟
أعتقد أنه يجب أن يقتصر الحل الامني على المتطرفين فقط الذين يمارسون العنف مثل "القاعدة" و"داعش" أما اصحاب الفكر فلا يجوز أن يستخدم ضدهم أي حل أمني، وسوف يؤدي التوسع في هذه الإعتقالات إلى تفكك المجتمع، ويؤثرعلى وحدته. فكما ذكرت لك أن معظم من تم اعتقاله إنما هم إسلاميون إصلاحيون مؤيدون للحريات العامة ومع قيادة المرأة للسيارة، ومع الانفتاح المجتمعي. وليس لمعظمهم مشاكل مع الترفيه والموسيقى وشتى مناحي الحياة الطبيعية . وذلك ينطبق على معظم المعتقلين، ولكن يوجد ثلاثة أو أربعة - أستطيع أن أسميهم بالإسم- أفكارهم ضيقة ويعبرون عن الفكر الوهابي التقليدي. هذه الإعتقالات تشوه مسيرة الأمير محمد بن سلمان، وتدفع المحلل والمتابع عوضا عن الاهتمام بإصلاحته إلى الإهتمام بتلك الإعتقالات. وهو في غنى عنها ولا يحتاجها. المعتقلون لا يمارسون تهديدا هم فقط دعاه للحريات العامة وللاصلاحات بشتى اشكالها وينبغي أن يتخذهم شركاء لا أن يتخذهم خصوما.