دعوة » مواقف

عوائق الإصلاح الديني في المملكة

في 2017/11/03

خالد العضاض- الوطن-

يمكن تلمس ملامح الإصلاح الديني في المشهد السعودي المعاصر، في سنوات الربع الأخير من القرن الماضي، في عدة مظاهر بدأت في التصاعد، مع مواجهة الدولة لما يسمى الصحوة

دخل مصطلح الإصلاح الديني في التداول، لوصف الحركات الدينية التي اجتاحت أوروبا في القرن السادس عشر، والتي كانت تدعو إلى إصلاح الكنيسة، وتخليصها من الشوائب والممارسات الخاطئة التي كان من أهمها: تمسك الكنيسة وحدها بحق تفسير أحكام الدين وتطبيقاتها على النحو الذي تراه.
وفي الإسلام، يبرز مصطلح «التجدد» كمصطلح مواز تقريبا، لمصطلح الإصلاح الديني، وهو مصطلح -أي التجديد- له خلفيته الشرعية، وتعريفه الشرعي القائم على أساس أن هناك من أوجه الإسلام وتعاليمه ما قد يندرس مع الزمن، فيأتي التجديد كاشفا عنه ومبينا له، وهذا كله يدور في فلك الاجتهاد البشري، والبحث القائم على حسن فهم النصوص الشرعية من عدمه.
ارتبطت دعوات الإصلاح الديني في المملكة العربية السعودية ارتباطا وثيقا بالتطور الاقتصادي الذي ينتج عنه غالبا تطورٌ اجتماعي، وهذا التطور الاجتماعي بدوره يقود إلى تسوية العوائق أمام دورة الاقتصاد، بما في ذلك التكيفات الفقهية التي تسهم في تحرير الحكم الفقهي الفروعي من أي تشدد، أو يعوق الحركة الاقتصادية.
ويمكن تلمس ملامح الإصلاح الديني في المشهد السعودي المعاصر في سنوات الربع الأخير من القرن الماضي، في عدة مظاهر بدأت في التصاعد، مع مواجهة الدولة لما يسمى «الصحوة» في عام 1994 تقريبا، أو قبلها بقليل، وتمدد الأمر مع بروز حركة التنوير السعودية، ليبلغ قمته مع بداية الدولة بالمواجهة الحقيقية للإرهاب، وإعلاء اللحمة الوطنية. ويمكن تلخيص أبرز تلك الملامح فيما يلي:
1. مراجعات الخطاب الديني
إذ تجاوزت مراجعات الدعاة والوعاظ لخطابهم الدعوي والوعظي حدودا واسعة جدا، بعد حملات النقد المتزن وغير المتزن، وكانت التراجعات كبيرة على مستوى الفتوى المتشددة، وفي المقابل اتسعت مساحة التيسير بالفتاوى على الناس، في سبيل تسهيل سبل حياتهم، والتي جاءت نتيجةً للحملة الموّفقة التي قادتها الحكومة السعودية على الإرهاب، إذ خفت مؤخرا -وبشكل ملحوظ- صوت فتاوى التكفير والتفسيق والتبديع، ونمت الدعوات التي تركز على يسر الدين وسماحته، والتي تستحضر معاونة الناس على التمسك بأهداب الدين لا التنفير منه، كما كان يحدث سابقا.
2. توسيع نطاق الآخر
دخل مفهوم الآخر كمفهوم حر، منفلت من قيود الممانعة في عقلية الخطاب الديني السعودي، عبر عدة محاور: الآخر الديني غير المسلم، والآخر المختلف مذهبيا أو طائفيا، وأضحى التعامل مع هذه المحاور يتم بطريقة أشبه ما تكون بالناعمة من قِبل عرّابي التشدد أنفسهم.
3. المرأة السعودية
وهو الملف الشائك، والأكثر إثارة من الملفات الفكرية والاجتماعية والشرعية في المشهد السعودي، والذي شهد تحولات كبيرة، أهمها: الحديث الواضح في وسائل التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام عن قيادة المرأة للسيارة، ووجودها في مجلس الشورى عضوا فاعلا، وتمكينها من الاستقلال النظامي والقانوني عبر السماح لها باستخراج بطاقة أحوال شخصية، وغيرها من القرارات الحكومية التي تدعم تقدم مسيرة المرأة السعودية، والتي تعدّ شقا تنمويا معطلا في البلد، ولم تتم الاستفادة منه بالشكل المطلوب، لتوسيع دائرة التنمية والنمو الاقتصادي والثقافي والاجتماعي.
4. التعليم وتطوير المناهج
لا شك أن التعليم أحد أهم أسس التنمية، ومؤثر رئيس على المستقبل القريب، والبعيد، وهو من أهم الملفات التي ستغير وجه وملامح الإصلاح الديني.
وعلى الرغم من بعض التطور في مناهج العلوم التطبيقية، فإن المسافة التي يجب أن تقطعها حركة التطوير، ما زالت واسعة، ويجب أن تأخذ مسألة تطوير المناهج وتغييرها اتجاها جادا ليواكب المرحلة التنموية التي تشهدها البلاد حاليا.
وبالنظر إلى محور عنوان المقال، وهو عوائق الإصلاح الديني، يصعب تحديد حزمة معينة من المعوقات في ظل التغيرات الثقافية المتسارعة التي تشهدها البلاد على مختلف الجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ولعل من أبرز معوقات الإصلاح الديني في السعودية -من وجهة نظري- ما يمكن تلخيصه على النحو التالي:
1. الظروف النفسية العامة للمجتمع الصحراوي، وإنسان الصحراء، والذي يتسم بالعاطفة المغرقة والتعجل والتوجس من الجديد والغريب.
2. تدخل عرّابي الخطاب الديني المتطرف على خط الإصلاح.
3. الإسلام السياسي الذي اتخذ وضعا جديدا ومغايرا، بعد أحداث ما يسمى «الربيع العربي»، وهو يمثل تيار ممانعة أصيلا وصميما في محاربة أي إصلاح ديني، بسبب أن الإصلاح الديني الحقيقي سيقلم أظفار الإسلام السياسي كأولى خطوات الإصلاح.