فهد الأحمري- الوطن السعودية-
في الخطب المنبرية والمواعظ نسمع ونرى نصائح جميلة وأحاديث رائعة في التحذير من الفساد، ثم إذا بالأحداث تكشف عن ضلوع بعض أولئك في تلقي الأموال بطرق فاسدة كالرشاوى والتورط في إصدار صكوك مزورة
هناك الكثير من الأفراد من هم يحملون قيما ومبادئ ومُثُلا عليا، إلا أنهم، للأسف، ينحرفون عن تلك المفاهيم الإيجابية إلى سلوك أساليب وطرق سلبية في التعامل اليومي تناقض تلك الأفكار القيّمة التي يدّعون حملها وينادون بها صباح مساء. هذه الحالة يطلق على أصحابها مزدوجو الشخصية.
يلاحظ هذه الحالة عند ثلة من بعض الوعاظ وخطباء المنابر، إذ نرى بعضهم حين يُلقي الموعظة وهو في غاية المثالية والجدية، وقد نشاهده يبكي ويتباكى وربما يُبكي الحضور لما وصل إليه المسلمون من الفساد والانحلال وسوء الأخلاق مع الخالق والخليقة، ومن تفشي السلوكيات المشينة بين المسلمين في حياتهم الخاصة والعامة. وحين ينزع فضيلته «مايك» الوعظ ويصبح «تحت الهواء»، لا يتورع عن ممارسة تلك السلوكيات المشينة، فضلا عن أذيته المارة بقيادته المتطرفة للسيارة، قبل وبعد الموعظة، كما سيتضح لاحقا.
حديث اليوم استدعته رواية أحد الجيران حيث يقول: قُبيل صلاة المغرب كاد إمام مسجدنا يدهسني بسيارته أمام المسجد، وعندما نزل من السيارة قلت له: على مهلك يا أخي روعتني.. فردّ الإمام: أنا مستعجل لألحق الصلاة. فقلت له: تعال بدري، أجل تروّع الناس لتلحق بالصلاة! قال وهو على عجالة: جزاك الله خيرا.
يقول المتحدث، دخلنا معا المسجد، فيا له من مشهد، شبه معتاد، لإمامنا الفاضل، حيث يمضي بين الصفوف بخطى حثيثة، يدفع المصلين والجالسين بيديه يمنة ويسرة. هذا المشهد المروي من جارنا هو نموذج ملاحظ لبعض الوعاظ الذين يُنتظر منهم السلوك اللائق وتصديق الأقوال على المنابر بالأفعال على الواقع. الإمام -وفقه الله- في طريقه للمحراب كان يدفع بالمصلين يمنة ويسرة حتى لا يقع في محظور تخطي رقابهم! ونسي أنه يتخطى قدرهم وكرامتهم بدفعهم ذات اليمين وذات اليسار، وهم قد تواجدوا قبل فضيلته ضيوفا كراما في بيت من بيوت الله، بينما هو يؤذي الناس خارج المسجد وداخل المسجد وعينه مصوبة تجاه «المايك» مرعوبا من التأخير الذي يترتب عليه تذمر المصلين وتوبيخ مراقب الوزارة وخصومات من المرتب أو عزل من الإمامة، وبالتالي خسارة راتب الإمامة و«فيلا» الإمامة الفارهة ذات الدورين، لا سيما إذا كان قد أجّرها بمبلغ وقدره!
وفي هذه الجزئية فإن الجهة المعنية بالمساجد عليها متابعة مساكن الأئمة والمؤذنين الذين يُمنحون وحدات سكنية، إلا أنهم يقومون بتأجيرها نظرا لأسباب، منها امتلاكهم مساكن أخرى -مما يتسبب في تأخرهم عن الصلوات- الأمر الذي يجعل مبلغ الإيجار حقا يعود للمال العام أو تقدم تلك الوحدات للمحتاجين فهم أولى.
في الخطب المنبرية والمواعظ النارية نسمع ونرى نصائح جميلة وأحاديث رائعة في التحذير من الفساد، ما ظهر منه وما بطن، ثم إذا بالأحداث تكشف عن ضلوع بعض أولئك في تلقي الأموال الطائلة أو الضئيلة بطرق فاسدة تجارية كانت أو غير ذلك، كالرشاوى والتورط في إصدار صكوك عقارية مزورة. والأعظم من هذا، أموال الخيانة الوطنية من جهات وكيانات ودول معادية للوطن، وكأن الفساد الذي يتحدثون عنه من فوق المنابر يقتصر على الاختلاط والمعازف والغش في بيع البطيخ والطماطم، بينما غش الوطن والعمل على زعزعة أمنه وتضليل مواطنيه وزجهم لمواقع الصراعات لغسل أدمغتهم تجاه أوطانهم وحكامه، يعتبر عند هؤلاء ليس من الفساد في شيء!
وفي قضية الحرب على الفساد التي تشنها الدولة فإن التحقيقات قد تُظهر جرائم تزوير صكوك جديدة للاستيلاء على المال العام، تواطأ في تحريرها محسوبون على الجهات العدلية أو الوعظية لقاء مبالغ طائلة ومصالح خاصة، وهذا ما ألمحت له بعض الصحف المحلية مؤخرا.
لو أن هؤلاء الوعاظ والدعاة الكرام تخلقوا بأخلاق ونزاهة علماء الدين المعتبرين لبقي لهم قدرهم وتقديرهم، وذكرهم الجميل حتى بعد وفاتهم، كما هو حاصل من الحب والذكر الحسن لابن باز والعثيمين، رحمهما الله، غير أن أولئك جانبوا الطريق القويم والنهج المعتدل، وجنحوا للتشدد وأساؤوا السلوك تجاه أنفسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم، الأمر الذي أدى إلى أن المجتمع يلفظهم ويمقت سلوكهم، وبالتالي تبنت الدولة رغبة المجتمع الذي سئم الوعظ المتشدد المدلس الذي فرّخ التطرف والتكفير وخيانة الأوطان، وبدأنا بالعودة إلى الإسلام الوسطي الجميل، شعوبا وحكاما عن رغبة وقناعة.