د.هيا عبد العزيز المنيع- الرياض السعودية-
الصحوة مفردة تستخدم للدلالة على حركة لها متطلبات ثقافية وفكرية واجتماعية وإدارية واقتصادية... ومتفق عليها من منفذيها ومرتكزة على فكر ديني متشدد وخاصة على البعد الخارجي للدين المظهر وليس الجوهر حركة ظاهرها الدين وباطنها السياسة، خطورة الصحوة ومخاطرها كثيرة من وجهة نظري. إنها كانت تكرس ثقافة التشدد والتطرف مع تكريس ثقافة الانتماء الأممي وتأخير الانتماء الوطني بل وإلغائه في بعض المراحل، ولعل العودة للأنشطة غير المنهجية في المدارس كافية لعرض شواهد وأدلة لا تحتمل التبرير أو التفسير أبرزها اعتبار النشيد الوطني بدعة والاحتفال باليوم الوطني حرام، بالإضافة لمنابر المساجد وإلى وقت قريب حيث الدعوة على الكفار جزء من ديباجة تمرير فكر التطرف والتشدد بل إن بعض أئمتها كانوا يدعون على الكفار في الوقت الذي تتم فيه عمليات إرهابية في مساجدنا وعند مساءلتهم عن عدم الإنكار يحتجون بأنهم لم تصلهم تعليمات السؤال وهل جاءتهم تعليمات لقذف المحصنات أو للدعاء على الكفار وممن جاءتهم...؟؟
الصحوة ارتدت الدين بمظهره الخارجي حيث التركيز على إعفاء اللحية وتقصير الثوب للرجال، وللنساء عباءة الرأس وتحريم البنطال....، وإن كان المجال النسائي مع الصحوة مسرحاً خصباً للتضييق عليهن بشكل مبالغ فيه ومتسع حيث رفض أي رأي يخالف رأي رموز الصحوة في الشأن النسائي والتضييق هنا لا يستهدف المرأة بذاتها بل تعطيل طاقات المجتمع لبناء معوقات تنموية برضا ومباركة كافة الأطراف المجتمع والمؤسسات الحكومية...؟؟ علماً أن فتاوى بعضهم في الداخل تختلف عنها في الخارج بهدف كسب أكبر شعبية في الداخل وعدم خسران الخارج....؟؟ وتلك الديناميكية أحد أدلة تأكيد أنها حركة سياسية.
حركة الصحوة وإن حاول رموزها إلباسها رداء الدين هي في الواقع حركة سياسية محضة، وذكاء رموزها محلياً أنهم أعطوها بعداً اجتماعياً عميقاً فأتاح لهم الحراك بمرونة وسهولة وعمق داخل المؤسسات الحكومية من ناحية وبناء منظمات لتمويل مشروعاتهم من ناحية أخرى بين مكونات المجتمع ومختلف طبقاته....؟؟ لن ينسى جيلنا تبرعات بناء المساجد وحفر الآبار وكفالة اليتيم والتي اتضح أنها تمويل لمشروع وحركة الصحوة، على المستوى الدولي، أي برنامج الإخوان.
لأكثر من ثلاثين سنة وهم يعملون بقوة واخترقوا أهم مفاصل الحكومة عموماً وكان التعليم أرضهم الحرة التي من خلالها دخلوا للأسرة السعودية عموماً رجالاً ونساء صغاراً وكباراً....، ونفوذهم في التعليم العالي لم يكن أقل تأثيراً وعمقاً من التعليم العام مما أعطاهم فرصة إكمال بناء الشخصية والفكر لأغلبية شبابنا بما فيهم المبتعثين من خلال السيطرة على النوادي الطلابية في بلاد الابتعاث خاصة دول الغرب..، وتأكيد ولي العهد أنه حان الوقت للقضاء وفوراً عليها وهو يمثل قراراً نوعياً في تفكيك كثير من معوقات التنمية وحماية للمصالح الوطنية، وأجزم أن أهم مناطق مواجهة الصحوة من خلال المؤسسات التعليمية.
الصحوة اليوم تتضاءل في حضورها ولكنها مازالت تبحث عن مناطق تأثير، حالة الكمون التي يعيشها رموزها لا تعني نهاية الحركة بل هي دوماً في حالة إعادة ترتيب أوراق وبناء تكتيكات عمل مختلفة، ولعل الراصد يرى أن رموزها من أوائل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي والعمل على بناء شبكة عنكبوتية واسعة متنوعة الطرح متحدة حول الهدف غير المعلن والذي يتنوع في مظهره الخارجي بين تكريس لثقافة التشدد أو تنويع المحافل الدعوية حيث يمكن أن ترى برامجهم تقام في أفضل وأفخم الفنادق داخل أو خارج البلاد أو في استراحة شعبية حسب المستهدف والهدف علماً أن التمويل المالي متاح وبوفرة دوماً...؟؟
الصحوة تحتضر ولكنها لم تمت واقتصاص جذورها الرئيسة يكمن في مؤسسات التنشئة الاجتماعية.