الخايج اونلاين-
رغم عظم الجلل والنكبة التي تسبب بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمسلمين، باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، والغضب الشعبي العربي والإسلامي، فإن أصوات رجال الدين والدعاة السعوديين كانت "غائبة" على غير العادة عن التعليق على ما جرى عبر حساباتها بوسائل التواصل.
فهذا الحال يمثل مفارقة كبيرة لدى دعاة السعودية الذين كان لا يفوتهم أي موقف من قضايا الأمة الهامة، إلا وكانوا الأسرع في التفاعل معه، لكن الحال منذ الحملة الرسمية على التيار الديني الذي تزامن مع تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد، قد تغير كثيراً.
فقد شنت السلطات السعودية مؤخراً حملة طاحنة على رموز التيار الديني وما يسمى "الصحوة"، الذين يحظون بشعبية في أوساط المجتمع السعودي، كسلمان العودة وعوض القرني وغيرهم.
- حركة مضادة
ويواجه التيار الديني اليوم حركة مضادة في السعودية يحمل لواءها الليبراليون السعوديون، وتشهد الساحة الإعلامية والثقافية والاجتماعية السعودية جدلاً ونقاشاً مستمرين من أتباع التيارات الليبرالية المنادية بتقليل سلطة رجال الدين ونفوذهم الاجتماعي في المملكة، وعلى ما يبدو ينحاز لهم العهد الجديد في السعودية.
الأمر لم يقف هنا فوزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، من جهته، أعلن أن سلطات بلاده فصلت عدة آلاف من الأئمة من العمل في المساجد بعد ثبوت نشرهم التطرف، في حين اعتقل آخرون بعد نشرهم تغريدات اعتبرتها السلطات غير مقبولة.
وذكرت صحيفة "عكاظ" أن الجبير قال، في مقابلة مع قناة "روسيا 24" التلفزيونية، الأحد 8 أكتوبر 2017: "لن نسمح بنشر أيديولوجية الكراهية، ولا بتمويل ذلك النوع من الفكر".
-عدم اكتراث
يأتي ذلك بالتوازي مع الأخبار المتسارعة التي تذكر أن بن سلمان يعمل على التقارب مع إسرائيل، خاصة إثر أنباء نفتها السعودية بأنه زار تل أبيب سراً في سبتمبر الماضي، وسط توالي دبلوماسيين سعوديين في إطلاق تصريحات تبرر أي تقارب مع حكومة الاحتلال، بعد أن كان الحديث في ذلك "خطاً أحمر".
-أين الدعاة؟
المتابع لصفحة أبرز الدعاة السعوديين، أو من نجا منهم من الاعتقال، في خضم عاصفة اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل، يجدهم يكتفون بنشر الأدعية الدينية بعيداً عن القدس، ومنشورات أخرى توحي للقارئ أن لا مصاب جلل حل على الأمة الإسلامية، بما يشير إلى أن حملة قمع التيار الديني السعودي حققت نتائجها المرادة، وزرعت الخوف في صدورهم.
فمن يدخل صفحة الداعية عائض القرني على "تويتر"، في يوم الغضب الفلسطيني الذي صادف الجمعة، يجده اكتفى بالحديث عن أذكار الصباح والمساء وفضل يوم الجمعة، متجاهلاً المظاهرات التي عمت العالم الإسلامي نصرة للقدس، والضحايا الذين سقطوا في القدس برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال الاحتجاجات هناك.
قال :
— د. عائض القرني (@Dr_alqarnee) December 7, 2017
أكثروا من الصلاة عليّ ليلة الجمعة و #يوم_الجمعة فإن صلاتكم معروضة عليّ.
حديث صحيح،
استمطروا البركات،
واستدرّوا الرحمات،
بالصلوات على سيد البريات،
ومبعوث رب الكائنات،
محمد بن عبد الله
"هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا"
— د. عائض القرني (@Dr_alqarnee) December 8, 2017
لا يساميه أحد، ولا يشابهه، ولا يماثله، ليس له نديد ولا ضديد، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير سبحانه.
"سبحان الله وبحمده عدد خلقه،ورضا نفسه،وزنة عرشه،ومداد كلماته"
— د. عائض القرني (@Dr_alqarnee) December 9, 2017
3مرات
اللهم من قالها ونشرها فاغفرذنبه واشرح صدره ويسّرأمره واسقه من حوض نبيك
يا عجباً لمن يطرق باب ربه كل يوم مائةمرة بـ
— د. عائض القرني (@Dr_alqarnee) December 9, 2017
"لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير"
ثم يظن أنه لا يُفتح له؟ pic.twitter.com/TNr3h1vtpP
زميله محمد العريفي، صاحب الصوت الجهوري في الخطب الرنانة، اختفى صوته هو الآخر هذه المرة، وسار على درب القرني في نشر فضائل أدعية "الصباح والمساء"، حتى إنه ذكر فضل صلاة "قيام الليل" متناسياً أن يطالب المسلمين بالدعاء للقدس والأقصى.
درس 79 مختصر صحيح البخاري بتاريخ 1439/03/19 الموافق 2017/10/07 م https://t.co/tfCMj4USbU
— د. محمد #العريفي (@MohamadAlarefe) December 7, 2017
— د. محمد #العريفي (@MohamadAlarefe) December 8, 2017
من يشتري الدار في الفردوس يعمرها
— د. محمد #العريفي (@MohamadAlarefe) December 8, 2017
بركعةٍ في ظلام الليل يُخفيها
.
لو علمتَ أثر الوتر على راحتك ورزقك ومحبة الناس لك لما تركتها
صلها ولو ركعة
. pic.twitter.com/1mLTNLB8ou
لكن في المقابل وعلى الرغم من وجود الداعية سلمان العودة بالمعتقل منذ سبتمبر الماضي، فقد نشر نجله عبد الله سلمان العودة، مقاطع مصورة لوالده لم يعرف تاريخها على وجه الدقة، تتحدث عن فضل القدس، وتحث الشباب المسلمين على التمسك بالأمل وعدم القنوط في مواجهة أعداء الأمة من اليهود والصهاينة.
كلمة #الشيخ_سلمان_العودة عن القدس والمسجد الأقصى.. من وراء القضبان!
— عبدالله العودة (@aalodah) December 6, 2017
#القدس_عاصمه_فلسطين_الابديه pic.twitter.com/mLCHtkVGf5
للحزن اولادٌ سيكبرون..
— موسوعة سلمان العودة (@salmanopedia) December 6, 2017
للأرض للحارات للأبواب اولادٌ سيكبرون ...#القدس#القدس_عاصمه_فلسطين_الابدية pic.twitter.com/C81CNmyNOW
وهذا مقطع قديم آخر للوالد فرج الله عنه .. عن القضية الفلسطنية، ومع أن المقطعين قديمان.. إلا أنهما متجددان بتكرر الأحداثhttps://t.co/j1ZlcLMID0#القدس_عاصمة_فلسطين_الابدية
— عبدالله العودة (@aalodah) December 6, 2017
المفكر السعودي الإسلامي مهنا الحبيل فسر هذه الظاهرة الطارئة على التيار الديني السعودي، بأنها "جزء من صفقة ترامب والاستبداد العربي لإسقاط الأقصى، سُبقت بعمليات سحق إرهابية، نفذتها إيران ومحورها الروسي الجديد".
صفقة ترامب والإستبداد العربي
— مهنا الحبيل (@MohannaAlhubail) December 8, 2017
لإسقاط
الأقصى
سُبقت بعمليات سحق ارهابية
نفذتها ايران ومحورها الروسي الجديد
ولولا سحقهم ثورة #سوريا
واحتلال العراق
واستبدال الضمير العربي الموحد بطائفيتهم
لما كملت مهمة البيت الأبيض وحلفاءه
كلا المحورين أداة للهيكل#القدس_عاصمة_فلسطين_الأبدية
وذكر في تغريدة أخرى عن المعتقلين من الدعاة: "غابوا خلف الأسوار وقلوبهم عند أبواب القدس، سلمان العودة وعبد الله الحامد، وسعود مختار الهاشمي، وعوض القرني وكل رفاق الضمير المعتقل، اللهم احفظهم وآنس وحشتهم، وردهم إلى أهليهم".
غابوا خلف الأسوار وقلوبهم عند أبواب القدس
— مهنا الحبيل (@MohannaAlhubail) December 7, 2017
سلمان العودة
و
عبد الله الحامد
و
سعود مختار الهاشمي
و
عوض القرني
وكل رفاق الضمير المعتقل
اللهم احفظهم وآنس وحشتهم
وردهم إلى اهليهم
-استحياء
على صعيد المؤسسة الدينية السعودية، حضرت القدس على استحياء شديد في خطبة الجمعة في المسجد الحرام، في حين غابت كلياً في خطبة المسجد النبوي.
واكتفى إمام وخطيب المسجد الحرام ماهر بن حمد المعيقلي، بجملة واحدة في بداية خطبته عن القدس تناول فيها فقط ما أسماه "دور السعودية في التضامن مع المسلمين وحماية مقدساتهم".
وقال المعيقلي: إن "المملكة كانت ولا تزال تؤكد على الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الكريم"، كما اقتصرت خطبة المعيقلي بعد ذلك على "بر الوالدين والوفاء بالعهد".
وفي المدينة المنورة، تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي عبد الله البعيجان، في خطبة الجمعة عن "تعاقب فصول السنة والعبر المستخلصة من تعاقبها"، دون أن يتطرق أبداً إلى قضية اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وحده الشيخ صالح المغامسي، إمام وخطيب مسجد قباء بالمدينة، غرد خارج السرب واكتفى بتغريدة يتيمة تعليقاً على بيان الديوان الملكي السعودي المقتضب، عن خطوة ترامب التي أغضبت ملايين المسلمين.
قد يستطيع ترامب أنْ ينقل سفارة بلاده إلى القدس لكنّه لن يستطيع نقل الولاء للقدس من قلوب المسلمين.
— الشيخ صالح المغامسي (@SalehAlmoghamsy) December 6, 2017
كل بلاء أصاب الأمّة في زماننا هذا فرّقها إلاّ مُصابها في القدس سيجمعها.
"وإنْ كان مكرهم لتزول منه الجبال"#صالح_المغامسي
ولاحظ مراقبون لوسائل الإعلام السعودية الرسمية خلال الساعات الـ24 الماضية، أنها لم تعط اهتماماً لقرار ترامب الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل، واكتفت بتلاوة بيان الديوان الملكي الذي ندد بهذه الخطوة.
ويتساءل مراقبون إن كان تغييب الرأي، والرد الرسمي الخجول يعكس ما قاله الكاتب البريطاني ديفد هيرست في مقال بموقع "ميدل إيست آي" البريطاني، مساء الخميس الماضي، من أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لم يكن ليقدم على قراره بشأن القدس لولا الدعم الغريب والطارئ الذي تلقاه من "محور الطغاة العرب"، بمن فيهم حكام السعودية والإمارات والبحرين ممَّن وصفهم بـ"الصبية العابثين"!
كما يشير شادي حميد، الباحث لدى معهد بروكينجز في واشنطن، في مقال له نشر في مجلة "ذا أتلانتك" إلى أن "السعوديين، بمن فيهم ولي العهد نفسه، لو كانوا مشغولين بشكل خاص بوضع القدس، لاستخدموا وضعهم المميز كحليف كبير لترامب، وضغطوا على الإدارة للامتناع عن مثل هذه الخطوة المسمومة التي لا داعي لها".
وأضاف بحسب وكالة "رويترز" القول: "كان من المستبعد أن يمضي ترامب قدماً لو وضع السعوديون شيئاً يشبه الخط الأحمر".