من كتاب البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية-
نواصل كشف هذه الوثائق السياسية السرية تباعا لتسلط الضوء على كيفية إدارة الرياض لسياستها الخارجية وتوظيف الدين لخدمة السياسة وتوظيف الثروة لصالح النافذين من خلال الوثائق التي وردت في كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية" الذي أعده المؤلف سعود بن عبد الرحمن السبعاني. ويكشف الكتاب خفايا صناعة القرار في المملكة السعودية وكيف تدار الدبلوماسية السعودية في الخارج.
وفي هذه الحلقة ننشر جانبا من البرقيات التي تكشف كيف استخدمت الرياض رابطة العالم الاسلامي كذراع لبسط نفوذها في الخارج واختراق المجتمعات وإثارة المشاكل بين المسلمين في بلاد المهجر وبسط نفوذ الفكر التكفيري السعودي، ومن خلال البرقيات وتقارير السفارات السعودية في الخارج يتضح ذلك الدور السعودي الخبيث، حيث سعوا للزعامة ولم يتركوا المسلمين في أي بلد إلا وحركوا بينهم النعرات الطائفية والتكفيرية.
شكلت رابطة العالم الاسلامي وغيرها من مؤسسات دينية رسمية الذراع أو الوسيلة للتغلغل السعودي في العالمين العربي والاسلامي وحتى الدول الغربية من خلال التدخل في شؤون المسلمين في المهجر فأثاروا الخلافات بين المسلمين في محاولة لجذب الناس إلى كتب وعقائد السعودية وبيان أنهم الفئة الوحيدة الناجية وغيرهم يستحق الهلاك، وقبل تقديم الخدمات والطعام والتعليم سعت الرابطة لتقديم الكتب والاصدارات فما وصل للجاليات المسلمة غير التكفير ورمي الناس بالبدع والفسوق والعصيان.
لم تتوقف الرابطة عن نهجها منذ إنشائها وحتى وقوع أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، فقد أنشئت الرابطة بموجب قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الذي عقـد بمكة المكرمة في 14من ذي الحجـة1381هـ. الموافق 28 من مايو 1962م.
ولولا وقوع هجمات سبتمبر لما توقف نهج الرابطة، فقد قطعت هجمات سبتمبر الطريق على التغلغل الديني السعودي المؤدلج بعد أن وجهت الاتهامات إلى الرابطة وهيئة الاغاثة الاسلامية العالمية التي لا تغيث سوى معتنقي الفكر التكفيري السعودي، وقد رفعت دعاوى في أمريكا ضد هاتين المؤسستين.
ومن خلال البرقيات نلاحظ مدى التدخل والعبث الذي تمارسه الرابطة من خلال تدخلها الفج في شؤون العالم الاسلامي وتخريجها لدعاة تكفيريين هم السبب فيما تشهده أفريقيا وأوروبا اليوم من تفجيرات واعتداءات مسلحة دموية، والواقع يثبت أن الرابطة عملت في السر بالمخالفة لكل أهدافها المعلنة طوال أربعة عقود.
والوقائع والوثائق تثبت ضلوع "رابطة العالم الإسلامي"، بالفعل، تمويل التطرف عبر دعمها لهيئات غير معروفة بالتسامح ونشاطها الغلو والتكفير، فالرابطة معروفة جيدا عند جماعة بوكو حرام والجماعات المتطرفة في شرق وشمال أفريقيا وحتى جزر القمر.. ولا يخلو بيت متطرف تكفيري من كتب رابطة العالم الاسلامي التي تتهم الناس بالشرك وترميهم بالبدع ولولا الدعاوى ضدها لما تحولت الرابطة الى "حمامة سلام" بل وشاهد ملك ترشد عن الارهابيين الذين تتلمذوا على فكرها، واستدارت بزاوية ٣٦٠ درجة مع توجهات القيادة الجديدة في الرياض. ولتأكيد انخراطها في تنفيذ السياسة السعودية سارعت الرابطة بتبني قوائم الإرهاب الصادرة عن دول الحصار ضد قطر.
وأعربت عن تأييدها الكامل للتصنيف الصادر عن السعودية، ومصر، والإمارات والبحرين؛ لقوائم الإرهاب الوهمية، وراحت تتشدق بأهدافها في نشر التسامح والمحبة والحوار!
ومنذ أكثر من عقد ونصف العقد من الزمان، تدفع المملكة العربية السعودية بكامل جهودها وأموالها ونفوذها الخارجي ودبلوماسييها لرفع شبهة دعم الإرهاب عن نفسها، ومحو تورّط مواطنيها في أحداث 11 سبتمبر 2001، وهي الجهود التي باءت بالفشل على ما يبدو مع إصرار واشنطن على إدانة سعوديين بالأرهاب انطلاقا من أدلة ثابتة سواء في هجمات سبتمبر أو غيرها.
وبدأت الرابطة عبر بعض فروعها في دول الاتحاد الأوروبي والعالم بحملة تعبئة ضد دولة قطر، وحاولت جاهدة تقديم مصطلحات جديدة لتفسير معنى الإسلام بوصفه الجديد الذي يراه ويريده النظام السعودي.
مصادر مطلعة أكدت لـ "الخليج أونلاين"، أن بعض فروع الرابطة "شرعت بالتواصل مع إدارات مساجد ومراكز إسلامية لحضّها على تبني خطاب يتضمن تحريضاً ضد قطر، والترويج لبيانات تدعم إجراءات المقاطعة الأخيرة والحصار ضد الدوحة".
مسؤولو مساجد في إسبانيا قالوا إنهم "تلقّوا اتصالات من فرع رابطة العالم الإسلامي في مدريد بالانضمام إلى حملة تأييد مقاطعة قطر"، وأوضحوا لـ"الخليج أونلاين" أن هذه الاتصالات "جاءت مشفوعة بإغراءات مادية".
وحتى تدفع الرابطة عن نفسها التهمة لا تجد غضاضة في لقاء الحاخامات والقساوسة حيث تورط مسؤولوها في لقاءات مع وجوه سياسية إسرائيلية وقيادات منظمات صهيونية بعضها معروف بالتطرف، بعدما أثيرت مؤخرا أخبار عن لقاءات للرابطة مع إسرائيليين ضمن توجهات جديدة للرابطة.
وحسب تقرير نشره موقع "عربي ٢١" التقت الرابطة مسؤولين إسرائيليين وقيادات في تشكيلات اللوبي الإسرائيلي والمنظمات الصهيونية العالمية مثل "المؤتمر اليهودي العالمي"، ويجري الأمر تحت غطاء لقاءات "حوار ديني" وبمشاركة مباشرة من ممثلي سفارات إسرائيلية في أوروبا.
ورغم تركيز قيادة الرابطة الحالية على أهمية "مكافحة التطرف"، فإنّ لقاءاتها الودية في عواصم أوروبية شملت، ضمن وجوه عدة، عضو البرلمان الإسرائيلي ياكوف مارغي المعروف بتطرفه، والذي يظهر في الصور مع أحد مسؤولي الرابطة، ويبدو في صور أخرى لقاء مع سفير إسرائيلي يدعى تسفي فابني.
ولم ترشح تفاصيل أوفر عن اللقاءات التي يقوم ببعضها المسؤول في الرابطة ومدير مركزها في فيينا، الذي يظهر في لقاءات مع الإسرائيليين ويعمل بتوجيهات الأمين العام للرابطة محمد بن عبد الكريم العيسى.
ويقود العيسى نهجا جديدا في الرابطة تم التعبير عنه بوضع "رؤية جديدة" واتخاذ مواقف مثيرة للجدل. وأطلق العيسى تصريحات غير مسبوقة دعا فيها المسلمات الأوروبيات لعدم تغطية الشعر إن تم طلب ذلك منهن، أو مغادرة الدول الأوروبية، وهو ما أثار استهجانا واسعا.
ويؤكد مقربون أن العيسى يجنح بالرابطة، التي تأسست في مكة المكرمة عام 1962، ويجعلها بعد أكثر من نصف قرن من العمل والانتشار رهينة أجندة سياسية طاغية تقوم على تقديم معلومات لدول وأجهزة حول العالم عن الحالة الدينية للأقليات المسلمة.
وتدير رابطة العالم الإسلامي مراكز وفروعا في العديد من العواصم والمدن حول العالم، لكنها عرضت مؤخرا أن تكون مرجعا للدول والحكومات في مجال مكافحة التطرف والإرهاب وتقدير معلومات عن الأقليات المسلمة ومؤسساتها، وهو ما أثار تساؤلات بشأن طبيعة هذا الدور الذي تستدير به الرابطة استدارة عنيفة قد تدعوها للتخلص ممن تربوا على نهجها المتطرف فتبلغ عنهم الأجهزة الأمنية على قاعدة "إن جاك الطوفان".
للاطلاع على كتاب "البرقيات السرية لوزارة الخارجية السعودية".. اضغط هنا