وكالات-
وفقاً لما تنتهجه الصحف السعودية منذ فترة ليست طويلة، حول تسليط الضوء على مواضيع تتحدث عن أهمية تغيير طبائع مجتمعية وقرارات رسمية بهدف الانفتاح أكثر، يتّضح أن هناك العديد من الأعراف والقرارات التي تميزت بها المملكة في طريقها للزوال.
فبعد صدور العديد من القرارات الغريبة عن المجتمع السعودي، وتغيير ما اعتاد عليه السعوديون؛ منها افتتاح دور السينما، وإقامة مهرجانات موسيقية وغنائية استُقدم فيها فنانون وفنانات من بلدان أخرى للغناء في المملكة، وإقامة عروض أزياء، والسماح للمرأة بقيادة السيارة والحضور إلى ملاعب الكرة، يبدو أن القرار القادم يتعلق بأمر يمسّ العبادة.
فالسعودية، ولكونها تمثّل البلد الذي يحتوي أقدس أماكن المسلمين، اشتهرت بالاهتمام بالعبادات، وأهمها الصلاة، التي حين يدخل موعدها تُغلق المحال ويذهب الجميع لأدائها.
وبحسب قرار صدر منذ نحو 32 سنة، تفرض "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" غلق المحال التجارية وتكون الأولوية في الوقت لأداء الصلاة، ويُعاقب من لا يمتثل للأمر.
وتنصّ اللائحة التنفيذية لنظام هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتحديداً في الفقرة الثانية من المادة الأولى، على أنه "لما كانت الصلاة هي عماد الدين وسنامه، يتعيّن على أعضاء الهيئة مراقبة إقامتها في أوقاتها المحدّدة شرعاً في المساجد، وحثّ الناس على المسارعة إلى تلبية النداء إليها، وعليهم التأكّد من إغلاق المتاجر والحوانيت، وعدم مزاولة أعمال البيع خلال أوقات إقامتها".
وتشتهر في السعودية عبارة "مُغلق للصلاة" التي تُعلّق على واجهات المحال التجارية، وهي إشارة إلى أن صاحب المحل أو العاملين فيه ذهبوا لأداء الصلاة.
صحيفة "عكاظ" التي دأبت على إظهار قرارات سابقة وأعراف مجتمعية بأنها تقف أمام تطوّر المجتمع، وأن تغييرها ضرورة تصبّ في صالح تطوير البلاد، ركّزت الضوء كثيراً في تقرير لها حول وجود مصالح ومنافع في إبقاء المحال مفتوحة وتعمل عند دخول وقت الصلاة.
وذكر التقرير، المنشور الخميس 1 مارس 2018، أنه "منذ قرابة 4 أشهر اتّسعت دائرة الجدل القديم المتجدد بين السعوديين حول موضوع إغلاق المحال وقت الصلاة.
"عكاظ" نقلت عن الرئيس السابق لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة، أحمد الغامدي، ما جاء في لائحة الهيئة في ذلك الوقت "اجتهاد ليس مبنيّاً على نظام"، مستشهداً بأن اللائحة التنفيذية لهيئة الأمر بالمعروف تصدر من الرئيس العام للهيئة.
ويقول الغامدي إن ما حصل عام 1407هـ، عندما صدرت اللائحة وتضمّنت مادة تدعو للتأكّد من إغلاق المحلات وقت الصلاة أصبحت فيما بعد بمثابة "عرف"، مشيراً إلى أن المسألة في الجانب القانوني ليس لها نظام صادر، إضافة إلى أن نظام الهيئة الأساسي لا ينصّ على إغلاق المحال وقت الصلاة.
وطالب إمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة، صالح المغامسي، عبر حسابه على موقع التواصل "تويتر"، مَن يطالبون بعدم إغلاق المحال التجارية في أوقات الصلاة بالكفّ عن ذلك "حتى لا يلقوا الله وهم على ذلك"، مضيفاً: "إني أخاف عليكم يوم التناد".
وتضيف الصحيفة السعودية: "يصرّ الدكتور الغامدي على وصف إغلاق المحلات وقت الصلاة بـ (العرف) في المملكة بعد أن كانت مسألة خلافية".
عكاظ استعانت في تقريرها أيضاً برأي عضو النيابة العامة السابق، المحامي نايف آل منسي، الذي أشار إلى أن إغلاق المحلات وقت الصلاة ينتج عنه "مفاسد وحرج" عند البعض، على الرغم من أن مؤيّدي الإغلاق يرون في الأمر "تعظيماً للصلاة، ومن أجل تمكين أصحاب المحلات من أداء الصلاة في جماعة المسجد"، مشيراً إلى أن "في تأييدهم مصالح معتبرة شرعاً ولا شكّ في ذلك".
ويلفت آل منسي الانتباه إلى أن درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح، مضيفاً: "ومن ذلك وضع الصيدليات ومحطّات البنزين التي يحتاجها الناس وتقع فيها ضرورات مستمرّة، ووضع النساء في الأسواق عندما يحين وقت الصلاة وتُغلق المحلات ويضطررن للبقاء في الطرقات وعلى الأرصفة حتى ينتهي وقت الصلاة".
ُ
وقال آل منسي، إن التأسيس الذي بُني عليه هذا الإلزام "لا يخلو من اعتراضات؛ منها: أن تعظيم الشعائر بما لم يرد فيه تشريع -كما هو الحال في مسألتنا- لا يجب أن يكون عن طريق الإجبار والإلزام؛ لأن إغلاق المحلات لأجل تعظيم الصلاة ليس واجباً شرعاً، فمن أراد أن يغلق محله تعظيماً فله ذلك دون أن يتم إجبار الجميع".
وبيّنت الصحيفة السعودية أيضاً ما أسمته "ضرر" غلق المحال وقت الصلاة من الناحية الاقتصادية، من ذلك اعتماد رأي رجل أعمال بارز، قالت إنه رفض ذكر اسمه.
رجل الأعمال قال إن الدقائق والثواني مهمة جداً في إنتاجية الموظف، "وهذا الأمر يسبّب معضلة لدى التجار".
ويؤكّد أن عملية إغلاق المحلات وقت الصلاة "مختلفة عن السابق"، وذلك لتوظيف عدد هائل من النساء، و"يمكن أن أتحدّث عن الكثير من المشاكل الأمنيّة
والاقتصادية المترتّبة على ذلك".
وقال: إنه "من وجهة نظر اقتصادية فإن عملية الإغلاق اليوم لا تشجّع الاستثمار الأجنبي الجادّ للعمل في المملكة؛ وذلك بسبب أن المستثمرين الأجانب يعيرون أهمية للوقت، فعندما تقطع من إنتاجية الموظف 20 أو 30 دقيقة أربع مرات يومياً فإن المستثمرين يعتبرون أن ذلك إخلال بنظام العمل في الشركة".
- "المعروف" يخفت و"الترفيه" يتصدّر
يأتي هذا التقرير الذي يتحدث عن أهمية إلغاء قرار إغلاق المحال وقت دخول الصلاة في وقت تشهد السعودية بروز "هيئة الترفيه"، التي تعنى بتنفيذ مشاريع وبرامج فنية وثقافية وترفيهية لم تعهدها المملكة من قبل.
ويقابل بروز هيئة الترفيه خفوت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي كانت صاحبة سطوة في الدولة ولها صدى مهيب بين الناس.
وفي حين كانت القرارات السابقة تهتم بجانب من الترفيه فإن موضوع فتح المحال التجارية وقت الصلاة، الذي تطرّقت إليه الصحيفة السعودية، يمسّ جانب الدين، الذي يعدّ من صلب مهمّات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
بروز هيئة الترفيه وخفوت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يثير تساؤلاً حول إن كانت هيئة الأمر بالمعروف ستصمد في معركة التغيير التي تشهدها السعودية، لا سيما أن الترفيه والانفتاح يقف خلفهما ولي العهد محمد بن سلمان.