أحمد علي حسن - الخليج أونلاين-
تواصل المملكة العربية السعودية عرض مزيد من حلقات مسلسل الانفتاح والتوسع الثقافي الذي شهدته خلال الأشهر الأخيرة الماضية، وذلك بجهود من الهيئة العامة للترفيه التي وُجدت في إطار تحقيق رؤية السعودية 2030.
خيمة التوسع السعودية التي ثبّتتها المملكة بأوتاد الانفتاح، قد تفتح باباً أمام "الملحدين" لممارسة نشاطاتهم بنوع من الحرية، على الرغم من محاربة المملكة لهذه الظاهرة "مجتمعياً وقانونياً".
في حين أن لقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان برئيس أساقفة "كانتربري" زعيم الكنيسة الإنجليزية، جاستن ويلبي، وإبداءَه "التزاماً قوياً بدعم ازدهار معتنقي مختلف المعتقدات الدينية داخل المملكة"، كان موضع إثارة.
وعلى مدار سنوات كان البلد الأكثر تطبيقاً لتعاليم الدين الإسلامي الأول على قائمة الدول العربية الأكثر إلحاداً، بحسب دراسة أعدها معهد "غالوب" الدولي الذي يتخذ من واشنطن مقراً.
والإلحاد بمعناه الواسع يعني عدم الاعتقاد أو الإيمان بوجود الآلهة، وفي المفهوم الضيق فإنه يعتبر على وجه التحديد موقفاً يتلخص بأنه لا توجد آلهة، وهو ما يتناقض مع فكرة الإيمان بالله أو الألوهية.
تقرير "غالوب" أكد أن نسبة الإلحاد في السعودية تتراوح بين 5 و9% من مجموع عدد سكان المملكة، وهي الأكثر ارتفاعاً مقارنة بدول عربية حتى مع تلك التي تعرف بميولها العلمانية كتونس ولبنان (لا تتجاوز 5%).
-وعود بالانفتاح
عام 2015، دعت جمعية تطلق على نفسها "جمعية منظمة الملحدين العرب"، إلى انعقاد "ملتقى الملحدين الأول بمكة"، خلال الفترة ما بين 25 و28 ديسمبر من العام ذاته، وفقاً لما جاء على صفحات منظمي المؤتمر الإلكترونية.
وكتب المنظمون في دعوة على "تويتر": "نود أن نعلمكم بأننا سنقوم بتنظيم الحدث الأول الذي سيجمع أكثر من 100 ملحد عربي، وسوف يعقد في مكة المكرمة. ونود مساعدتكم لنا في نشر هذا الحدث في وسائل الإعلام".
هذا الملتقى شكّل صدمة في الأوساط الدينية الإسلامية بالمملكة، والمجتمع السعودي عموماً، والذي لم يعتد على مثل هذه الفعاليات، إذ تستمد دولته نظام حكمها من كتاب الله وسنة رسوله (عليه الصلاة والسلام).
وفي الوقت الذي تحارب فيه السعودية ظاهرة الإلحاد، أبدى بن سلمان، خلال لقائه بويلبي، الخميس الماضي، "التزاماً قوياً بدعم ازدهار معتنقي مختلف المعتقدات الدينية والحوار بين الأديان داخل المملكة وخارجها".
استعداد بن سلمان جاء بحسب بيان صادر عن مقرّ أسقفية كانتربري بالعاصمة لندن، قال فيه إن ولي العهد السعودي وعد "بتعزيز الحوار بين الأديان، ضمن برنامج الإصلاحات التي أطلقها بالمملكة".
وأعلن قصر لامبث، حيث مقرّ الأسقفية كانتربري، أن بن سلمان أطلع ويلبي، خلال حديث "ودّي وصادق استغرق نحو ساعة"، على خريطة طريق السعودية لتنفيذ برنامج الإصلاحات "رؤية 2030".
-لماذا يلحدون؟
هذا السؤال قد يكون موضع استغراب، لا سيما أن السعودية عُرفت بالتزامها بتطبيق الشريعة الإسلامية وصبغتها المُحافظة على تقاليد المجتمع وعاداته، وهو الأمر الظاهر فعلاً.
على الرغم من أنَّ السعودية تحذّر على الدوام من "خطر الإلحاد"، إلى حد أنها ساوته بالإرهاب قانونياً، فإن مواطنين من المملكة "يخرجون عن الإسلام"، لأسباب أبرزها التشدُّد في تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية.
لكن ثمة أسباب دفعت فئة من السعوديين إلى الإلحاد، وهي ما فسرها رئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في الرياض، أنور عشقي، خلال اتصال مع قناة "فرانس 24" الفرنسية، للحديث عن انتشار "الظاهرة" داخل المجتمع المحافظ.
عشقي يرى أن الظاهرة تسللت إلى المجتمع السعودي نتيجة عدة عوامل؛ أبرزها "التطبيق المتشدد لمبادئ الديانة الإسلامية في المجتمع السعودي، والتربية الصارمة التي يتلقاها الأبناء داخل الأسر وفي المجتمع إجمالاً".
ويقول إن أسلوب التربية "يولّد ردود فعل عكسية بدفعهم إلى الإلحاد عوض التدين المفرط". إلا أن عشقي يعتقد أن هذه الظاهرة "غير مخيفة وليست بالسلبية التي يخالها البعض".
ويضيف: إنها "ظاهرة صحية تضفى على المجتمع السعودي التقليدي والمحافظ صفة التعددية، وتمنح فرصة للحوار مع هذه الفئة (..)؛ لأن المجتمع السعودي ينبغي أن يضم طيفاً من التيارات الفكرية المختلفة ليضمن ثراءه وتجدده".
ويرجع عشقي سبب انتشار الظاهرة إلى وسائل الإعلام الحديثة، ومواقع التواصل الاجتماعي التي أدت دوراً محورياً في انتشار الظاهرة؛ "لأنها خرجت بهذه الأفكار من السرية إلى العلن وأضفت عليها بعداً واقعياً".
وبحسب الخبير الاستراتيجي، فإن وسائل الاتصال الحديثة ضمنت انتشاراً أوسع لهذه الأفكار في كل طبقات المجتمع السعودي، التي أصبحت تتفاعل فيما بينها بشكل أكثر حيوية ممَّا كانت عليه من قبل.