الخليج أونلاين-
يحمل ولي عهد السعودية الجديد، محمد بن سلمان، سيف المملكة لاستكمال الحرب على "جماعة الإخوان المسلمين"، التي يفوق عمرها 3 أضعاف عمر الأمير الشاب، ورغم ضخامة عدد المعتقدين بأفكارها.
حرب استعرت في السنوات الأخيرة مع صعود نجم التيار الإسلامي سياسياً، وتحديداً عقب الثورة المصرية في 2011، وزادت حدّتها مع سلسلة تغيرات يشهدها الوطن العربي، والتي تزامنت مع وصول بن سلمان إلى ولاية عهد السعودية.
آخر ضربات الأمير الشاب للجماعة التي تأسست سنة 1928، كانت في إعلان تعهّده "بالقضاء الكامل على ما تبقى من فكر عناصر الإخوان المسلمين الذي غزا المدارس السعودية"، وذلك خلال مقابلة تلفزيونية مع شبكة "سي بي إس" الأمريكية.
لكن هذا الهجوم القديم المتجدد على "الإخوان المسلمون" يثير الفضول حول العداوة التي تكنّها القيادة السعودية للجماعة الإسلامية، على الرغم من أن أيديولوجيتهما تنطلق من إيمانهما الراسخ بالمنهج السني وتتمسك بـ"السلمية".
وتأسست جماعة الإخوان المسلمين في مارس 1928 بمدينة الإسماعيلية المصرية، على يد حسن البنا بعد 4 أعوام من سقوط الخلافة العثمانية، وسرعان ما انتقلت إلى العاصمة القاهرة، وجميع أنحاء الوطن العربي لاحقاً.
- تذبذب العلاقة
العلاقات بين المملكة والجماعة شهدت تذبذباً على مدار 90 عاماً منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وتدرّجت بدءاً من التحالف معها، وصولاً إلى القطيعة خلال السنوات الماضية، ولذلك فهي من أعقد العلاقات بين الحكومات والحركات السياسية والأيديولوجية.
حميمية العلاقة بين السعودية والإخوان استمرت لتاريخ طويل، حينما بدأت عقب لقاء تاريخي جمع الملك عبد العزيز آل سعود، ومؤسس الجماعة الإمام حسن البنا سنة 1936 واستمرت تنمو بهدوء واطراد، قبل أن تتحول إلى بغضاء.
وفي الوقت الذي لجأت فيه الجماعة إلى حضن السعودية هرباً من الناصرية (حركة قومية في عهد الراحل جمال عبد الناصر) التي حاربت ظهورهم، وجدت المملكة في الإخوان حليفاً قوياً لمواجهة المد القومي الذي انتشر في مختلف الأقطار العربية.
فالسعودية الحديثة التي تأسست على يد الملك عبد العزيز آل سعود (1932)، كانت تحتاج إلى أيديولوجية إسلامية سُنيّة تساعد قيامها في ظل تغيرات المنطقة العربية آنذاك، وهو ما وجدته قلباً وقالباً في جماعة الإخوان.
واستلم الإخوان من عدة أقطار عربية في تلك الفترة قطار التحديث والبناء في عدة مؤسسات سعودية، خصوصاً في مجال التعليم الذي كان صاحب البصمة الإخوانية المتناغمة مع الأرض السلفية، بحسب ما تؤكد تقارير إعلامية.
استمر مسار التحالف بين الجماعة والمملكة، طوال فترة "الناصرية" (جمال عبد الناصر/1956-1970) و"الساداتية" (محمد أنور السادات/1970-1981)، فالأولى كانت تحتاج المأوى والموطن، والثانية كانت تبحث عن العقول والكفاءات.
وهذا ما يؤكده أيضاً الإعلامي التونسي والمتخصص في الحركات الإسلامية، صلاح الدين الجورشي، إذ يقول إن علاقة السعودية والإخوان مرت بمجموعة من المراحل والتحولات.
ويوضح الجورشي في حديثه لـ"الخليح أونلاين" أن الإخوان لجوؤا إلى المملكة "التي احتضنتهم وجعلت منهم مصدر ضغط على النظام الناصري، واعتمدت عليهم لتطويق السياسة المصرية (خلال فترة عبد الناصر)".
فيما بعد، بدأ الشقاق يدخل صلب علاقة الطرفين، وساعد في ذلك تغير توجهات الحكّام بالمملكة، خصوصاً بعد وفاة الملك فيصل، إذ بدأ حكام المملكة ينظرون بعين الريبة إلى مخرجات المناهج التعليمية التي صاغها الإخوان.
والسعودية التي تضع الشعب تحت جناح الولاء للملك وعائلته، بدأت ترى في الإخوان قوة معارضة، فضلاً عن التباين في الموقف من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ورفض الجماعة الاستعانة بقوى غربية في تحرير الكويت من الغزو العراقي.
ولعل ما عمّق أزمة العلاقات بين السعودية والإخوان، ظهور تنظيم القاعدة بقيادة السعودي أسامة بن لادن، وما تبع ذلك من أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وهي عوامل ساهمت في شرخ الروابط بين السعودية وتيارات الإسلام السياسي، وأولها الإخوان.
تسارعت الأحداث وصولاً إلى فترة ما قبل اندلاع الثورات، والتي شهدت بوادر صعود سياسي لقوى محسوبة على الإخوان في السودان وتركيا وفلسطين، وهو ما لم يكن يرق للسعودية.
ولكن الهوّة في العلاقة ازدادت بشدة مع ثورات الربيع العربي (2011)، إذ وقفت السعودية بوضوح إلى جانب الإمارات في مواجهة هذا الصعود، وسعت للحيلولة دون سقوط بعض الأنظمة، خاصة في مصر واليمن.
ومصر شهدت ثورة في يناير 2011، أفضت إلى وصول محمد مرسي المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وهو ما قابلته السعودية والإمارات بدعم الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي (الرئيس الحالي)، في يونيو 2013.
-لماذا كل هذا العداء؟!
لعلّ أعقد الخلافات بين الحركات الإسلامية والأنظمة الحاكمة، دفعت فريق التحرير في "الخليج أونلاين" إلى البحث وراء أسباب الأزمة بين السعودية والإخوان، لا سيما أن الاثنين يحملان نفس الفكر الإسلامي السنّي.
وفي هذا الإطار، يقول الكاتب والخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، إن السعودية كأي دولة سلطوية غير ديمقراطية، ترى في "الإخوان المسلمون" تهديداً لأمنها القومي هي، أي شيئاً قد يؤثر على السلطة.
أبو هنية يؤكد في حديثه لـ"الخليج أونلاين" عمق العلاقة القديمة بين الإخوان والسعودية، والتي مرّت بأطوار مختلفة شهدت إحداها أفضل حالاتها، "لكن الخلاف نابع من متغيرات، ومنها ثورات الربيع العربي، وليس مرتكزاً في داخل السياسة".
ويعود الجورشي في هذا المضمار للقول: إن "السعودية تمر الآن بتحولات جذرية، ليس اتجاه الإخوان فقط، بل باتجاه المؤسسة الدينية، وذلك من قبل ولي العهد السعودي، الذي يريد اكتساب شرعية جديدة".
الجورشي وأبو هنية يتفقان على أن وصول بن سلمان ساهم في خلق صراع مع التيار الإصلاحي الديني (المعتدل) الذي يطالب بالحرية والديموقراطية، ورموزه المعروفة بعلاقات جيدة مع قطاع من الإخوان المسلمين.
حديث المحللين ظهر جلياً في تصريحات بن سلمان الأخيرة ضد الجماعة، والاعتقالات التي طالت عدداً من الدعاة، أبرزهم سلمان العودة وعوض القرني، بعد أشهر من توليه منصبه الجديد في يوليو 2017.
ويقول أبو هنية: إن "السعودية بدأت تنظر للإخوان كمهدد داخلي للسلطة، فضلاً عن إيران التي تمثل تهديداً خارجياً، ما يعني أنه (بن سلمان) وضع الجماعة في صف طهران من ناحية خطرها على السلطة".
وفي إطار حربها التي تشنّها على الجماعة، استخدمت السعودية كل الوسائل في محاربة "الإخوان المسلمين"، حتى إنها وصلت حد الاعتقال، في حين لم يستبعد أبو هنية أن تصعد المملكة من إجراءاتها في هذا الإطار.
ويقول: "هي (أي السعودية) تصنّفهم (الإخوان المسلمون) كإرهابيين، وتشن حرباً عليهم من خلال دعم أنظمة سياسية في دول ينشطون بها (في إشارة إلى صعودهم السياسي)، كما حدث في مصر وليبيا واليمن".
وفي مارس 2014، أعلنت السعودية قائمة للجماعات الإرهابية، تضم تنظيم الدولة (داعش) وجماعة "الإخوان المسلمون" و"حزب الله" ومليشيا الحوثيين (في اليمن)، وتنظيم "القاعدة"، وغيرها من التنظيمات المسلحة.
وفيما يتعلق بمدى الخطوات التي قد تتخذها السعودية في حربها على الإخوان، يشير أبو هنية إلى أن "الخيارات (بالنسبة للرياض) مفتوحة، وإذا رأت المملكة أن الإخوان قادرين على تشكيل جبهة وأن يكونوا رقماً صعباً، فمن الممكن أن يواجهوا ذلك".
ويبدو أن المسار، من وجهة نظر الجورشي، سيذهب نحو مزيد من التوتر، في حين لم يستبعد أن تستخدم السعودية نفوذها وقدراتها المالية والسياسية مع الإمارات لإحكام الحصار على الإخوان "الذين يفقدون الآن أرضاً يستندون عليها".
الكاتب والمتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية يعبّر عن أسفه الشديد لـ"القناعة التي بدت دارجة لدى السعودية، والمتمثلة بأن خطر الإخوان بات لا يقل عن تهديد إيران"، مستطرداً: "السعودية لا تنفصل كثيراً عن الرؤية الأمريكية".
-لن ترضى عنها
وبرأي الجورشي فإن "االسعودية لم تعد تثق في الخط السياسي والأيديولوجي للإخوان، على الرغم من أن هناك تناقضات بين خط الجماعة (صاحبة المذهب السني) وطهران (ذات المذهب الشيعي)".
وفي معرض رده على سؤال عمّا يجب أن تفعله الجماعة لإرضاء السعودية، يؤكد أبو هنية أن "الإخوان فعلوا كل شيء، لكن المشكلة في الطرف الآخر (السعودية) التي ترفض الحوار وتكنّ عداءً للإخوان المسلمين".
وهنا يقول الجورشي: إن "المرحلة المقبلة ستكون كسر عظم، ولا أتصور أن ولي العهد (محمد بن سلمان) يمكن أن يقبل أي وساطة لإعادة تطبيع العلاقة مع الإخوان".
ولأن السعودية الآن تبنت فكرة الحد من تأثيرات "الإخوان المسلمين" بداخلها وبالمنطقة ككل، فإن هذا الخط الذي فتح الآن من قبل بن سلمان "لتعميق الصراع مع الجماعة، يندرج في السياق الجديد الذي اتخذته المملكة"، كما يقول الجورشي.
والسؤال المطروح الآن، من وجهة نظره: "هل ستقف هذه المواجهة عند الإخوان، أم أنها يمكن أن تتسع لتشمل حركات اتخذت مساحة "النهضة" في تونس، وحزب "العدالة والتنمية" بالمغرب، لتكون المنطقة في صراع مع مختلف وكافة أشكال حركات الإسلام السياسي؟".
وعن مسألة رضا السعودية عن الإخوان، قال الجورشي: "إذا أرادت أن تغير خطتها، فإنها ستطلب من الإخوان أن يكونوا تحت سيطرتها لإدارة الحرب الواسعة ضد إيران"، مستدركاً: "لكن لا أظن ذلك لأنهم يفكرون بالمستقبل، ولا يرغبون أن يرهنوا أنفسهم للنظام السعودي".
ويضيف: "رضا السعودية عن الإخوان مرتبط بمدى قدرتهم على إعادة تنظيم أنفسهم داخل مصر وخارجها، لكن هذا مستبعد الآن لكونه مرتبطاً بتحقيق مصالحة مع نظام السيسي".
ويختم هنا بالقول: "القطيعة (مع السيسي) عميقة وتتجذر يوماً بعد يوم، كما أنهم (الإخوان) بحاجة إلى ممارسة نقد ذاتي واسع النطاق بداخلهم، لمراجعة ما اعتمدوه بالمرحلة السابقة من منهج وأسلوب أدى بهم لخسارة الكثير".