هناء الكحلوت - الخليج أونلاين-
وسط محاربة شديدة وتضييق على جماعة الإخوان المسلمين، في دول عربية وغربية عدة، باتت السعودية تحمل راية الحرب ضد الجماعة، بمحاولة منها لاجتثاث آثار هذا الفكر، في نقطة تحوُّل كبيرة بالعلاقات بين الجماعة والمملكة.
"الإخوان" يقدمون حالة خلاص لـ"الواقع المزري"، والأنظمة الداخلية والخارجية تحاربهم، لتحقيق مصالح معيّنة، وإرضاءً لـ"إسرائيل"، وفق ما بيَّنه إبراهيم اليماني عضو مجلس شورى الإخوان المسلمين في الأردن.
وأكد اليماني، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن "الإخوان على مدار 90 عاماً وحتى الآن، هم بحالة اعتدال في التدين وبجميع المجالات، كما يؤمنون بالمشاركة مع كل طبقات المجتمع"، موضحاً أن "الأنظمة السياسية لا يعجبها هذا اللون؛ لأنه يقدم إسلاماً ديمقراطياً يقبل بالآخر ويغيّر بالواقع، وهو ما تعتبره بديلاً ديمقراطياً للشعوب؛ ولذا تتم محاربته".
فـ"الإخوان" يقدمون "منظومة اعتدال، ونستطيع التكيف في أي بيئة، والأنظمة الأخرى هي من صنعت التطرف"، وفق اليماني.
- إعادة صياغة المناهج
وزير التعليم السعودي، أحمد العيسى، أعلن عزم المملكة إعادة صياغة المناهج التعليمية؛ لمحو أي تأثير لجماعة الإخوان المسلمين، التي نشأت بالبلاد منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وإبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة من أي منصب في القطاع التعليمي.
وقال العيسى، في بيان، الأربعاء 22 مارس: إن "الوزارة تعمل على محاربة الفكر المتطرف، من خلال إعادة صياغة المناهج الدراسية وتطوير الكتب المدرسية، وضمان خلوها من منهج جماعة الإخوان المحظورة".
وأضاف أن "الوزارة ستقوم بمنع الكتب المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين من جميع المدارس والجامعات، كذلك إبعاد كل من يتعاطف مع الجماعة أو فكرها أو رموزها من أي منصب إشرافي أو من التدريس".
- نفي.. هذا "تبليس"!
اليماني، أوضح بداية "الإخوان" في السعودية، قائلاً: إنهم "هاجروا إليها، وكان منهم الأطباء والمثقفون، وأنشأوا المدارس والجامعات على القيم الإسلامية، وخصوصاً أن المملكة كانت ناشئة، وبالرجوع إلى التاريخ في مرحلة الملك فيصل بن عبد العزيز، فهو كان يمدح فكر الإخوان، واستطاعوا أن يُدخلوا بعض الرسائل والتوجيهات بمنظومة التربية".
ووصف اتهام "الإخوان" بوضع مناهج متطرفة بالسعودية بأنه "تبليس"، موضحاً أنه "بالعودة إلى الفكر السعودي، فهو فكر وهابي متشدد متطرف، قائم على نفي الآخر ولا يقبله ويكفّره، وأقوال المفتين السعوديين كذلك. وهم يعودون في فكرهم إلى منظومة النواقض العشرة التي تكفّر الآخر، وتعتبر لها الحق بالعالم، ومن هذه المنظومة يأخذ داعش والسلفية والمتشددون أفكارهم منه".
وأشار إلى محمد قطب، الذي صنع فكراً بالسعودية وتتلمذ على يده الكثير من العلماء، وأُطلق عليهم "علماء الصحوة"، قائلاً: "نحن أثَّرنا فيهم إيجابياً على مستوى التعليم، وغيره".
- حرب بن سلمان
ويأتي إعلان الوزير السعودي، بعد تصريحات لولي العهد السعودي، في مقابلة مع قناة "سي بي إس" الأمريكية، الأحد الماضي، قال فيها إن فكر الجماعة "غزا" التعليم في المملكة، وذلك على الرغم من أن أيديولوجية "الإخوان" والسعودية تنطلق من إيمانهما الراسخ بالمنهج السني.
ويحمل محمد بن سلمان سيف المملكة لاستكمال الحرب على جماعة الإخوان، التي يفوق عمرها 3 أضعاف عمْر الأمير الشاب، ورغم ضخامة عدد معتنقي أفكارها.
وتصف السعودية جماعة الإخوان بأنها "إرهابية"، إلى جانب تنظيمات "متشددة" مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش".
وعلِم موقع "الخليج أونلاين"، من مصادر خاصة، اعتقال السلطات الأمنية بالسعودية شخصيات عربية، من بينها فلسطينية وليبية ويمنية، وذلك في إطار حملة متواصلة على عدة مستويات.
وقالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن السلطات السعودية اعتقلت اثنين من رجال الأعمال الفلسطينيين في السعودية، إلى جانب مواطنين ليبيين وآخرين من الجنسية اليمنية.
المصادر أوضحت أن الاعتقالات بُنيت على تهم تركزت على الأفكار التي يحملونها، والزعم بأنها قريبة من فكر جماعة الإخوان المسلمين، الذي توعد ولي العهد السعودي باجتثاثه.
- الربيع العربي
حرب استعرت في السنوات الأخيرة مع صعود نجم التيار الإسلامي سياسياً، وتحديداً عقب الثورة المصرية في 2011، وزادت حدتها مع سلسلة تغيرات يشهدها الوطن العربي، والتي تزامنت مع وصول بن سلمان إلى ولاية عهد السعودية.
السعودية تنزل الآن من المربع الإسلامي، وتريد التخلص من كل الإرث من الشروط التي تفرض عليها، وحتى تكون مقبولة من قِبل إسرائيل والغرب، وفق اليماني، الذي أكد أن "الربيع العربي تمت محاربته؛ لأنه رسم الطريق أمام الشعوب الباحثة عن الحرية والعدالة".
عضو مجلس الشورى في تنظيم الإخوان بالأردن، قال معلقاً على حالة الجماعة في الدول العربية، لـ"الخليج أونلاين": إنه "قد يكون الإخوان أخطأوا في بعض القضايا والاجتهادات، ونحن تيار بشري، ولم ندرك حينها أن موازين القوى بالعالم قد تتجمع وتتحزب ضد الفكرة التي نحملها، ولكننا نجحنا في المشروع الثقافي وصناعة الحالة الدينية والصحوة".
وأوضح اليماني أنه "ليس هدفنا أن نقيم دولة إسلامية، ولكن إعادة الدين كمرجعية في حياة الناس، ومع كل الحرب التي نراها ضد الإخوان، فإن التنظيم قوي".
وأشار إلى أن "الإمارات وغيرها من الدول، تستخدم قوة المال، والأنظمة الغربية وتستثمر الفوضى في العالم العربي، وتسير خلف مصالحها"، وتابع: "نحن نراهن على ضمير الشعب العربي والمسلم، وموازين القوى ستتغير وسيظهرون بشكل جديد، وإذا تم إقصاء الإخوان فستظهر تنظيمات متطرفة تهدد العالم العربي، والبشرية".
- تاريخ الجماعة
وبالعودة إلى تاريخ جماعة الإخوان المسلمين، فهي تأسست في مارس 1928 بمدينة الإسماعيلية المصرية، على يد حسن البنا، بعد 4 أعوام من سقوط الخلافة العثمانية، وسرعان ما انتقلت إلى العاصمة القاهرة، وجميع أنحاء الوطن العربي لاحقاً.
وتقدم الحركة نفسها بأنها مِن أوضح الحركات الإسلامية منهجاً وفكراً، وأكثرها اعتدالاً، ورغم ذلك يرى باحثون أنها تدعو للتطرف، إلى أن وصل الأمر للسعي لاجتثاث فكرها.
وكانت منظمة هيومان رايتس ووتش قد اتهمت، في سبتمبر الماضي، رجال دين ومؤسسات بالمملكة بالتحريض على "الكراهية والتمييز" ضد الأقليات الدينية. ودعت المنظمةُ السلطاتِ السعودية إلى أن "تأمر بالوقف الفوري لخطاب الكراهية الصادر عن رجال الدين والهيئات الحكومية التابعة للدولة".
كما طالبت الحكومةَ الأمريكية بأن تعمل مع نظيرتها السعودية على "وقف التحريض على الكراهية والتمييز ضد المواطنين الشيعة والصوفيين والمنتمين إلى أديان أخرى".
بالعودة إلى مراجع هذه الحركة، نجد 20 رسالة تحت اسم "أدبيات الإخوان" للإمام المجدد حسن البنا، والتي تناولت عدة مواضيع، منها: دينية، وسياسية، واقتصادية، وتنظيمية، بالإضافة لفكر سيد قطب.
المراقب العام السابق لـ"الإخوان" في الأردن، الدكتور همام سعيد، قال: إن "فكر الإخوان واضح من خلال رسائل الإمام حسن البنا، من خلال ما يسمى الأصول العشرين، وهي ضوابط فكرهم في جميع القضايا".
وتابع لـ"الخليج أونلاين": إننا "مثلاً، لا نكفّر مسلماً نطق بالشهادتين، وأن الإسلام دين شامل".
وفي رسائله، بيَّن البنا أن أحكام الإسلام وتعاليمه شاملة، تنظم شؤون الناس، وأن هذا الدين عبارة عن: عقيدة وعبادة؛ ووطن وجنسية؛ ودين ودولة؛ وروحانية وعمل؛ ومصحف وسيف.
ووفق هذه الرسائل، فإن الدعوة سلفية، وسنّية، وصوفية، وسياسية، ورياضية، وثقافية، واقتصادية، واجتماعية. وتتضمن طابعاً إصلاحياً، بمنهج قرآني يطبق أوامر الله.
الصراع السياسي للحركة مرّ بعدة مراحل مع الأنظمة الحاكمة، سعى "الإخوان" من خلالها إلى أن يختاروا صيغة دولية لتنتشر في العالم، وعملوا على مستوى الدول العربية، وتركوا بعض التأثيرات بدول العالم.
أما بالنسبة لفكر سيد قطب، فهو امتداد حقيقي لفكر حسن البنا، وبرأي أخيه محمد قطب، فإن فكر سيد يدور حول العمل بمقتضى الشهادتين، وليس مجرد ترديدهما فقط، وهو عكس ما يتم ترويجه عن الجماعة.