بينة الملحم- الرياض السعودية-
وأنا أتابع حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في لقاء سموّه مع مجلة الأتلانتيك حينما قال: «في المملكة ليس لدينا وهابية؛ لدينا مسلمون سنة وشيعة، ونؤمن بأن لدينا في الإسلام السني أربع مدارس فقهية»؛ وحينما قال في لقاء مجلة التايم: فكرة الوهابية تم الترويج لها من قبل طرفين؛ المتطرفون والنظام الإيراني من أجل عزلنا عن العالم الإسلامي. عادت بي الذاكرة قبل ثمانية أعوام بالتمام في رحاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في 30 مارس 2011 م تحديداً حينما تشرّفت بإدارة محاضرة للملك القارئ للتاريخ والمطلع على الوثائق التي تؤرخ لتأسيس الوطن، ملك الحزم والعزم سلمان بن عبدالعزيز. كانت المحاضرة قصيرة ومركزة، ضمّن سموه فيها استشهادات من كتب التاريخ مؤكداً على الأسس الفكرية التي بني على أساسها هذا الوطن، الأسس الفكرية التي تحدث عنها الملك سلمان لم تكن معزولةً عن الاستشهاد التاريخي؛ بالرجوع تارةً إلى مؤرخين عرب مثل المؤرخ عثمان بن بشر، وتارةً أخرى بمؤرخين أجانب مثل استشهاده الجميل بالمؤرخ الفرنسي فيلكس مانجان.
المحاضرة كانت بحق حدثاً فكرياً ووطنياً لأنها أعادت للحوار وهجه وللتواصل الوطني مساره الطبيعي الخلاق. يؤكد الأمير على أن تأسيس الدولة السعودية لم يبن على أساسٍ قبلي، أو فئوي، بل من ركائز التأسيس توحيد القبائل التي كانت أساساً متناحرة ومتحاربةً فيما بينها، وكان الدين بقيمه المعززة للوحدة والاعتصام بحبل الإيمان الجامع أبرز أركان قيام الدولة السعودية. الأساس الفكري الآخر؛ الذي ذكره الملك سلمان ناقلاً كلاماً عن المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، حين ضاق ذرعاً بالذين يصفون الأفكار التي بنيت على أساسها الدولة بأنها «الوهابية»! كان بعض الشاتمين والمهاجمين من المعادين للمملكة في الإعلام يتحدثون عن الأفكار التي طرحها الإمام محمد بن عبدالوهاب على أنها «بدَع»؛ يتحدثون عنها وكأنها الأفكار الدخيلة على الإسلام في حين إنها هي الأساس الفكري الذي تأسس عليه كيان التوحيد الوطني!
إن وصف أولئك للمملكة بالوهابية أو للسعوديين بالوهابيين رمياً إلى الأفكار السلفية التي دعا إليها الإمام محمد بن عبدالوهاب بأنها «وهابية» لم يكن وصفاً بريئاً، أو تسمية عادية، بل ترمز في مضمونها العميق إلى تمييزٍ لها عن الأفكار السلفية، والمبادئ الموجودة في الدين؛ في القرآن والسنة وفي الواقع أن تلك السلفية لم تلغ الطوائف ولم تصفها، بل حمت التعايش بين الطوائف لأكثر من نصف قرن ومنذ تأسيس الدولة، وبمجيء الثورة الإيرانية جاءت موجة الطائفية والصراع!