الخليج اونلاين-
يواصل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، إطلاق النار على جماعة الإخوان المسلمين التي احتضنتها بلاده طيلة عقود خلت، ورمي "وصمة" الإرهاب التي ابتليت بها بلاده بعد أحداث 11 من سبتمبر على الجماعة.
جديد بن سلمان هذه المرة أنه اعتبر الخطر من جماعة "الإخوان المسلمين" هو أكبر مما تمثله "تنظيمات متطرفة أخرى"، لافتاً إلى أن هدفهم الرئيس هو تحويل أوروبا لـ"قارة إخوانية".
وأوضح، في مقابلة موسعة أجرتها معه مجلة "Time" الأمريكية، الجمعة (6 أبريل 2018)، رداً على سؤال عمَّا تفعله السعودية لمكافحة الإرهاب والتطرف خارج المملكة: "إن المرء لا يتحول فجأة من شخص عادي إلى إرهابي، بل يتحول من شخص عادي إلى محافظ قليلاً، ومن ثم إلى متطرف قليلاً، ويزداد تطرفاً وتطرفاً حتى يصبح جاهزاً لأن يكون إرهابياً".
ولفت إلى أن "شبكة الإخوان المسلمين جزء من هذه الحركة، فلو نظرت إلى أسامة بن لادن، فستجد أنه كان من الإخوان المسلمين، ولو نظرت للبغدادي في تنظيم داعش فستجد أنه أيضاً كان من الإخوان المسلمين، في الواقع لو نظرت إلى أي إرهابي فستجد أنه كان من الإخوان المسلمين".
وأشار محمد بن سلمان إلى أن الإخوان المسلمين "ليسوا في منطقة الشرق الأوسط؛ لأنهم يعلمون أنها تتبع استراتيجية جيدة ضدهم في السعودية ومصر والإمارات والأردن والعديد من الدول الأخرى"، معتبراً أن "الخطر الأعظم" يتمثل بعمل الجماعة في أوروبا.
وتابع بالقول معرجاً على تيار مشتق من فكر الإخوان أشرق فجره في السعودية: "لدينا جماعة الإخوان المسلمين، ومن ضمنهم السروريون، هناك العديد من الأفلام الوثائقية التي شاهدناها حول العالم والتي تصف السروريين بالوهابيين، نحن في الحقيقة نصفهم بالسروريين في السعودية، هؤلاء أعلى بدرجة من الإخوان المسلمين، حيث إنهم ينظرون إلى الأمور من منظور أكثر تطرفاً في الشرق الأوسط، ولكنهم بموجب قوانيننا مجرمون، وحينما نملك أدلة كافية ضد أي أحد منهم، نقاضيهم في المحاكم".
-من هم السروريون؟
التيار السروري الذي تحدث عنه بن سلمان هو تنظيم سلفي أنشأه في السعودية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي الشيخ السوري محمد سرور زين العابدين، والذي كان من "الإخوان المسلمين" وانشق عنهم.
انخرط سرور وهو طالب بالمرحلة المتوسطة في صفوف حركة الإخوان المسلمين، فتتلمذ على كبار قادتها، وخاصة مؤسس فرعها في سوريا الدكتور مصطفى السباعي، والشيخ عصام العطار، وحين تعرضت الجماعة لحملة قمع أمنية شديدة بعد وصول حزب البعث إلى سدة الحكم عام 1963 غادر البلاد إلى السعودية عام 1965.
عاش سرور في السعودية بعدة مدن، منها حائل وبريدة، حيث عمل مدرساً في معاهد علمية شرعية، وفيها أتيح له أن يلتقي مع "إخوان" البلاد العربية الأخرى الذين جاؤوا للعمل والدراسة، فكان له منهم تلامذة وأتباع، ثم انتقل منها في حدود 1973 للتدريس بالكويت إثر خلافه مع الإخوان وانفصاله التنظيمي عنهم.
وفي عام 1984 غادر الكويت إثر ضجة أثارها نشر كتابه "وجاء دور المجوس"، الذي تناول فيه "مخاطر الثورة الإيرانية"، ويعتبره البعض أنه أول كتاب يستشرف خطر النظام الإيراني على المنطقة العربية، وهو الرأي الذي تتبناه الرياض اليوم.
يُتهم سرور الذي يقول محبوه إنه اشتهر "بمواقفه المبدئية الشجاعة في قضايا الأمة"، من الساسة والصحفيين السعوديين اليوم، بأنه أحد مؤسسي ما يعرف في السعودية بـ"تيار الصحوة"، الذي يُدخلون في عداد أقطابه الشيوخ: سفر الحوالي وسلمان العودة وعائض القرني وناصر العمر، والذي عُرف بمناهضته القوية لطلب استقدام القوات الغربية بقيادة الولايات المتحدة لـ"حماية" المملكة إثر غزو العراق للكويت عام 1990.
ويقول هؤلاء إن "التيار السروري" استطاع السيطرة على "كثير من المراكز الحساسة في الهيئات الدينية والخيرية والإعلامية بالمملكة (السعودية)، وتغلغل في المساجد والمدارس، ويرون أنه يشكل اليوم القطاع الأكبر والأكثر انتشاراً في المملكة على وجه الخصوص ومنطقة نجد على الأخص".
وكانت تصريحات لولي العهد السعودي، في مقابلة مع قناة "سي بي إس" الأمريكية، في مارس 2018، قال فيها إن فكر الإخوان "غزا" التعليم في المملكة، وذلك على الرغم من أن أيديولوجية "الإخوان" والسعودية تنطلق من إيمانهما الراسخ بالمنهج السني.
لكن من المواقف المهمة التي تسجل للشيخ سرور، المتوفى في قطر عام 2016، أنه في 9 أبريل 2015 أعلن تأييده لعملية "عاصفة الحزم" التي قادتها السعودية في اليمن، إثر استيلاء مليشيات الحوثي وحلفائها في حزب الرئيس المخلوع علي صالح على السلطة في البلاد، معتبراً أن "العملية جاءت لتلبي رغبات العرب والمسلمين في الرد على المعتدي الإيراني"، الذي اعتبره مسؤولاً عن تدمير سوريا، وقتل أكثر من ربع مليون سوري، وتهجير ثلث السكان بسبب دعم طهران لنظام الأسد.
-مراحل التدهور
ولربما يرى البعض أن هذه اللحظة من انفجار العلاقة بين الطرفين وليدة اليوم، لكن هناك من يشير إلى أنها مرت بمراحل طويلة، أبرزها التباين في الموقف من حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، ورفض الجماعة الاستعانة بقوى غربية في تحرير الكويت من الغزو العراقي في حرب الخليج الثانية.
وكان ثمة تصريح قديم لوزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل، والذي يعود لأكثر من 20 سنة، اتهم فيه الإخوان بأنهم صاروا أدوات لنشر الأفكار المتشددة بين شباب السعودية وأساؤوا إلى من أكرمهم، في إشارة إلى استضافة الرياض لإخوان سوريا ومصر الفارين من بطش الأنظمة في بلدانهم.
ولعل ما عمّق أزمة العلاقات بين السعودية والإخوان، ظهور تنظيم القاعدة بقيادة السعودي أسامة بن لادن المنتمي للإخوان سابقاً، وما تبع ذلك من أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وهي عوامل ساهمت في شرخ الروابط بين السعودية وتيارات الإسلام السياسي، وأولها الإخوان.
لكن بن سلمان كشف في مقابلاته مع الصحف الأمريكية، أن الانفتاح السعودي القديم على الجماعة كان بطلب وعلم أمريكي بهدف مواجهة الاتحاد السوفييتي.
ولاحقاً اتسعت الهوّة في العلاقة بشدة مع ثورات الربيع العربي (2011)، إذ وقفت السعودية بوضوح إلى جانب الإمارات في مواجهة هذا الصعود، وسعت للحيلولة دون سقوط بعض الأنظمة، خاصة في مصر واليمن.
ومصر شهدت ثورة في يناير 2011، أفضت إلى وصول محمد مرسي المنتمى لجماعة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم، وهو ما قابلته السعودية والإمارات بدعم الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي (الرئيس الحالي)، في يونيو 2013.