دعوة » مواقف

مسح الذاكرة في الصحوة

في 2018/05/09

أمل بنت فهد - الجزيرة السعودية-

ربما يعتقد بعض الطيبين أن الفترة التي سميت بالصحوة من البراءة أن لا تؤخذ على محمل جدي، أو أنه كان لها آثار طيبة، أو حسنات، فليست كلها سيئة، والواقع أن أي مخطط مدمر لن يتقبله أي مجتمع لو ظهر وطُرح بنفس صورته الأصلية، وبنفس أهدافه، لأن استغفال عدد كبير من الناس يحتاج كمية من الدهاء، واللف والدوران حول الهدف، فالأهداف المباشرة سمة الأفعال النزيهة، والمشاريع التي تخدم البشرية، أما النوايا السوداء فهي مخفية بين السطور، وطريق الوصول أشبه ما يكون بالمتاهة، فالمكاسب يتم تحصيلها على مدى سنوات وربما أجيال.

ومحاولة تغيير مجتمع بأكمله، وتطويعه، تشبه كثيراً ما يتم عند محاولة تغيير فرد واحد، ومخطط الصحوة مدروس وموجه دون شك، فالخطوات التي تم بها تؤكد ذلك، على سبيل المثال لا الحصر:

لتأهيل الإنسان لفكرة جديدة وخطيرة وتخالف طبيعته الإنسانية، عليك أولاً أن تبدأ بنقد وضعه الحالي، ومحاولة إيجاد خلل ما، أو افتعاله، ليقتنع أنه بحاجة للتغير، وأفضل وسيلة هي تشويه صورته الأصلية، وحياته الروتينية، وتصويرها على أنها خاطئة، أو يشوبها شيء من الخطيئة، ولا أفضل من ربطها بالتقصير في الدين، وهذا ما فعلته الصحوة حين استخدمت الاختلاف لإثارة الخلاف، وحولت تفكير المجتمع إلى قضايا سطحية، وجعلتها كأنها مصيرية، حتى بات أفراد البيت الواحد بينهم خلاف على أمور تافهة، كالأغاني، التصوير، نوع العباءة، للحد الذي جعل الزوج أو الزوجة يسأل عن جدوى الانفصال أو الطلاق لمجرد أن الشريك يمارسها، ويعيش البقية قطيعة وانعزالاً عن العائلة لأنهم تصوروا أنهم مختلفون وأهل خير وصلاح!

ولصنع الصحوي تحتاج إلى أن تدفن منابع المشاعر في داخله، وتوجد منبعاً واحداً من صنع المشروع الخبيث، حتى وصل الإنسان الصحوي إلى الاختيار بين الصحوة وأهله، أو والديه، أو وطنه، أصبحت المشاعر الأعظم بين الناس محل نقاش إن كانت تجوز أو لا تجوز! وحين تتغير خارطة المشاعر في الإنسان، أقصد المشاعر التي تمنحه قوته، وولاءه، فإنه يصبح أقسى، وأجلف، وبارداً كالثلج، ويمكن للتطرف أن يصل به إلى آخر مدى من الفظاظة، والتصحر العاطفي، لذا حاربت الصحوة أي مظاهر تجمع الأسرة في مكان واحد، باسم العفة مرة، وباسم الفضيلة مرة، والهدف الحقيقي مقنّع ويخفي تشوهاً إنسانياً.

ومن أبسط الأمور التي انتهجتها الصحوة، مسح ذاكرة المجتمع، كأبسط مثال كان إتلاف الصور التي تسجل الذكريات، وتذكرنا بما كنا، تمارس ببراءة باسم الدين، أليس كذلك؟ مع أن الهدف الأكبر هو إيجاد مجتمع تائب ومبتور التاريخ، وكانت حربهم على الكتب والقراءة صريحة، مع أننا أمة (اقرأ) لكن بالنسبة للتيار الصحوي، فإن القراءة حصرية لكتب معينة، بعضها من كتبنا التي نفخر بها، والبعض مدسوس بين أجندة المشروع الصحوي.