صالح بن عفصان العفصان الكواري- الراية القطرية-
يهل علينا اليوم شهر رمضان المبارك، موسم الخير والثواب الوفير، وأهل قطر والمقيمون على أرضها محرومون للعام الثاني على التوالي من زيارة بيت الله الحرام وأداء العمرة !!!
نعم، أهل قطر محرومون - ويا للعجب - من زيارة بيت الله الحرام ومسجد المصطفى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والمشاعر المقدسة، بقرار من السلطات السعودية، ورفض متعمد مع سبق الإصرار، ما يؤكد بلا جدال أن المملكة قد استغلت الأزمة الخليجية المفتعلة ضد قطر وشعبها، لتسييس الحج والعمرة.
ألا يعني منع السلطات السعودية معتمري دولة قطر وعدم التجاوب مع المسؤولين المعنيين والمقاولين وأصحاب الحملات، أو تكليف سفارة أو قنصلية دولة أخرى بتسهيل إجراءات الراغبين منهم في زيارة المشاعر المقدسة لأداء العمرة أو الحج عندما يحين، منعاً صريحاً لهم من أداء هذه المناسك، لا سيما عمرة الشهر الفضيل وفي أيامه المباركة حيث تعد- كما ذكر- عمرة في رمضان حجة كاملة !!.
إلى هذه الدرجة وصل الفجور في الخصومة، دفع السعودية لتسييس الحج والعمرة، ومصادرة حق مواطني دولة قطر والمقيمين فيها من زيارة المشاعر المقدسة ؟ إنه بدون شك ظلم مبين وعمل غير صالح ترتكبه سلطات الحج السعودية بحقهم للعام الثاني على التوالي، لخلافات سياسية وأزمة مختلقة، جرى إقحامهم فيها من غير مبرر ومسوغ قانوني.
وبالطبع وكما هو معروف على نطاق واسع في العالم الإسلامي، أنه لا يسلم أيضاً من هذه المخالفات الشرعية السعودية فيما يعنى بالحج والعمرة، مواطنو دول أخرى لها خلافات ومشاكل مع المملكة، وهو أمر مؤسف للغاية يبرهن أن المملكة التي تدعي باستمرار ريادتها وقيادتها للعالم الإسلامي، قد فقدت هذه الميزة بعد أن فشلت بالممارسة العملية، في أحقيتها بهذه الريادة والقيادة المزعومة.
إن الأمر الذي لا يقبل النقاش والجدال هو أن الإجراءات التعسفية التي تتخذها الرياض بحق مواطني قطر، تؤكد فشل المملكة في إدارة المقدسات وبأنها غير مؤتمنة عليها، ما دعا إلى ارتفاع اًلأصوات بعدد من الدول الإسلامية المطالبة بإدارة مشتركة أو محايدة للمقدسات الإسلامية، وهو مالا نرضاه عليها هنا بقطر.. وهو ما لا ترغب السعودية في سماعه، لأنه يعني ببساطة سقوطها الذريع في اختبار خدمتها لبيت الله الحرام، رغم جعلها من الحج والعمرة تجارة رابحة أرهقت بها الحجاج والمعتمرين بالرسوم وغيرها مثل المواصلات والفنادق والشقق والطعام، تدخل في جيب حكومتها فقط، وهي خدمات ليست ذات جودة عالية وغير مقنعة، لا يعكسها الضجيج الإعلامي المثار حولها.
ومن المعروف كما ذكرت أن مواطني أي دولة لها خلافات سياسية مع المملكة، يفقدون الأمل تماماً في سماح السعودية لهم بالعمرة والحج، وإن تم ذلك فبأعداد قليلة وفرز سياسي ومذهبي وأيدولوجي، لا يقره الإسلام أو الديانات السماوية الأخرى، لأنه بمثابة تصرف سياسي بحت ليس من الدين في شيء، وفعل مخالف لشرعة ديننا الحنيف ومواثيق حقوق الإنسان التي تكفل حرية العبادة.
نعلم تماماً أن السلطات السعودية المختصة، عندما يشتد الخناق عليها وتجلدها سهام النقد، والامتعاض دولياً، لصدها معتمري وحجاج قطر عن زيارة المشاعر المقدسة، وتجد نفسها في ورطة جراء هذا السلوك المشين والشاذ أخلاقياً ودينياً، تلجأ إلى تكرار نفس الأسطوانة المشروخة السابقة، من قبيل تبجحها وادعائها السماح لمعتمري قطر وحجاجها باستخدام طائرات غير قطرية أو تذرعها بعدم وجود جهة محددة في قطر تتواصل معها، وما يضحك ويثير السخرية، إعلانها تكفل خادم الحرمين الشريفين بنفقات حج القطريين، وهم لله الحمد والمنة ليسوا في حاجة لمساعدته، لأنهم أغنياء بربهم وبقطر العز والخير، المتمسكة بقيم الحوار والتسامح، وبالتفافهم حول قيادتهم الحكيمة وبشهامتهم وعزة أنفسهم، كونهم هم دائماً وبدون فخر، اليد العليا التي تساعد وتمسح دمعة الفقير والمحتاج من غير مصلحة أو استغلال تقديم الدعم الإنساني لأجندة سياسية.
ونقولها بصراحة إن القطريين حتى لو سمحت لهم سلطات المملكة خلال شهر رمضان المبارك بالعمرة بدون ضمانات وتسهيلات ومراقبة قطرية، فإنهم غير مطمئنين البتة لما سيحدث لهم داخل الأراضي السعودية، بعد أن عايشوا بأنفسهم في مرات سابقة عند بداية الأزمة، كيف جرى اعتقالهم ومطاردتهم وملاحقتهم وهم بلباس الإحرام في المسجد الحرام وفي الحرم النبوي الشريف، وحتى وهم في الفنادق والطرقات، وكيف أنهم تعرضوا للشتائم والخوض في أعراضهم والتحريض ضدهم، ما أفقدهم الثقة تماماً في كل ما تقوله وتدعيه سلطات المملكة بشأن تسهيلات أدائهم العمرة والحج.
وبلا شك فإن الممارسات غير الإنسانية السعودية ضد القطريين ومحاولة التضييق عليهم واختطافهم وإلحاق الأذى بهم وحتى بحلالهم وحيواناتهم بالمملكة، ستبقى في الذاكرة، ولن يبدد مخاوفهم أو قلقهم من تكرارها أي تبريرات غير مسؤولة خاصة في ظل التحريض الإعلامي ضدهم.
فإذا كان مثل هذا الظلم والفعل الصارخ المشين يحدث بحق أفراد، فكيف سيكون الواقع والحال بالنسبة للأسر وكبار السن والنساء والأطفال، بعد أن نُزعت من القلوب الرحمة، وفُقد البصر والبصيرة، وأصبحت العقدة القطرية هي المسيطرة بلا استثناء على كل دول الحصار؟.
مخالفات المملكة الشرعية وتسييسها للحج والعمرة مسلسل طويل لا ينتهي، لأنها تستخدم وللأسف زيارة المشاعر المقدسة ورقة ضغط ضد الدول وحتى الأفراد لتحقيق مكاسب سياسية، مع العلم أن هذه المخالفات كما يشاع على نطاق واسع امتدت إلى حد موافقة المملكة وسماحها لغير المسلمين بزيارة هذه الأماكن الطاهرة التي تحرم منها مواطني دولة قطر، بجانب استحداث إجراءات قصد بها التضييق على المعتمرين والحجاج ومنها «البصمة» وإصدار قرار بالتنسيق مع سلطات أبوظبي بمنع المقيمين في الإمارات من الحج هذه السنة والسنوات القادمة، ما ينم عن سلوك عنصري بغيض وجهل بالدين وتمادٍ في تشويه صورته.
لكل ذلك فإن ما تقوم به السعودية من ممارسات غير مسؤولة بحق معتمري وحجاج قطر ودول إسلامية أخرى، لأسباب واهية وغير مفهومة، يهدد بفشل مواسم الحج القادمة وتقليص عدد المعتمرين، وفي المقابل زيادة الغضب الإسلامي واللعنات على المملكة وسياساتها العنصرية فيما يعنى بإدارة المشاعر المقدسة، ما يكرس القناعة لدى المسلمين عامة بأن الرياض لا تمثل الإسلام الحقيقي، وأنها ليست مؤهلة إطلاقاً لتؤتمن على المشاعر المقدسة، بعد أن أصبحت بكل أسف تتحكم في قرار السماح والمنع بزيارتها وبعد أن اتخذت من المنابر الإسلامية وعلماء الفتنة والسلطان بما في ذلك منبر المسجد الحرام، منصات لدعم سياساتها المخالفة للدين والشرع، وقامت بالاعتقال والزج في السجون بقادة وعلماء الدين الأجلاء المستنيرين ممن يخالفونها الرأي وينطقون بكلمة الحق ضد الظلم، ويدعون إلى الوفاق والصلح بين دول مجلس التعاون، حتى لو كلفهم ذلك حريتهم وحياتهم.
أما إعلام الارتزاق والضلال الذي تسخره دول الحصار خاصة الرياض وأبوظبي ضد قطر، فقد أدمن الفجور، بقلبه الحقائق إلى أكاذيب، وهو يستمتع بعرض وتكرار مسرحية كيدية ممجوجة مدفوعة الثمن مقدماً لمدة عام كامل ولا يزال، لتشويه صورة قطر، ويلهث في المقابل لتجميل صور أسياده دون جدوى، وإصلاح اعوجاجهم وبؤس مواقفهم التي عزلتهم شعبياً ودولياً، وأصبحوا من فرط ذلهم وهوانهم على الناس وأنفسهم كالثور الهائج، يدمرون ويخربون بيوتهم بأيديهم دون أن يدركوا عواقب فعلهم، وهم يعتقدون جهلاً أنهم يكيدون لقطر وشعب قطر الجسور والمقدام.
إعلام مارق انتهت صلاحيته، وسقط كل ما يزعمه ويدعيه ضد قطر في أيديه، لم يخف القائمون عليه جهلهم بالحقائق وقلة أدبهم وعدم تربيتهم، ليسيئوا لأنفسهم ولأسيادهم وولاة نعمتهم في دول الحصار قبل الإساءة لقطر «تميم المجد» التي أثبتت بمواقفها وحسن إدارتها للأزمة ودعوتها للحوار المسؤول لحلها، أنها دولة ذات سياسات وتوجهات راشدة، ملتزمة بمبادئ التعايش السلمي والحوار سبيلاً وحيداً لحل الخلافات، بعيداً عن لغة التهديد التي لن تجدي معها نفعاً وقد أثبتت الأيام والأفعال ذلك.
إن تسييس السعودية للمشاعر المقدسة، سابقة في التاريخ الإسلامي، وإن استخدامها الحج والعمرة ورقة للضغط السياسي على الدول المخالفة لها في الرأي والمنافسة لها في السياسات، أو لتغيير مواقف بعضها حتى وإن كانت صديقة لها، لتأييد سياساتها ضد من يخالفونها التوجه، كما يحدث الآن مع قطر، نهج غير مسؤول، يستحق المساءلة والإدانة على أوسع نطاق، لأنه يناقض تعاليم الإسلام السمحة التي تخلت عنها المملكة باستخفاف، في مقابل ما يسمى بسياسة التحديث والإصلاح التي دشنتها بالسماح للمرأة بقيادة السيارة !!
والسؤال الذي يطرح نفسه ونوجهه للسلطات السعودية، هو ماذا عساكم فاعلون لمواطني دولة قطر ومقيميها ممن يرغبون في أداء العمرة في رمضان، والحج في الموسم المقبل؟ هل من جديد أم هي ذات الأسطوانة القديمة، أم أن هناك خطوات جادة ومسؤولة لرفع الحظر عن القطريين والسماح لهم بزيارة المشاعر المقدسة بعيداً عن السياسة والهوس بدولة قطر؟.