الخليج أونلاين-
في كل عام يترقب محبو الداعية السعودي سلمان العودة شهر رمضان، ليشاهدوا ما يطرحه من برامج شبابية تنهل من منابع الحياة، إلا أن هذا العام سيكون مختلفاً عليهم.
سلمان العودة الذي غيبته السجون منذ 10 سبتمبر من العام الماضي، بعد أن اعتقلته السلطات السعودية تعسفياً، ووضع في زنزانة انفرادية، ضمن حملة توقيفات شملت عدداً من العلماء والكتّاب، غاب وبقيت نصائحه، ما أحزن العديد من متابعيه ومحبيه.
وكشف عبد الله العودة، نجل الداعية السعودي سلمان العودة، عن سبب اعتقال السلطات السعودية لوالده وتغييبه عن عائلته منذ أكثر من تسعة أشهر.
وفي تغريدة على موقع "تويتر" قال العودة الابن إن العائلة كلها منعت من السفر، وتعرضت للتفتيش التعسفي العسكري، حتى الأطفال، وأضاف: "كل ذلك كان بسبب هذه التغريدة فقط ولا يوجد أي شيء آخر".
وأرفق تغريدة والده التي تسببت في اعتقاله على حد قوله، والتي قال فيها: "ربنا لك الحمد لا نحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك. اللهم ألف بين قلوبهم لما فيه خير شعوبهم".
وفهمت تغريدة الداعية سلمان العودة حينها على أنها دعوة للتأليف بين حكام دول الخليج بعد أيام من إعلان السعودية والإمارات ومصر والبحرين مقاطعة قطر وفرض حصار عليها من الجو والبحر والبر.
بعد قرابة تسعة أشهر على اعتقال الوالد #الشيخ_سلمان_العودة ،، وللذين يسألون عن سبب الاعتقال وعن مدار التحقيقات معه..
— د. عبدالله العودة (@aalodah) ٢٧ أبريل ٢٠١٨
وعن سبب منع العائلة كلها من السفر والتفتيش التعسفي العسكري،
والتضييق المستمر على الأطفال والعائلة
أقول:
كل ذلك كان بسبب وحول هذه التغريدة فقط ولايوجد أي شيء آخر https://t.co/UsXNR3UI9D
وتردد على نطاق واسع أن السعودية طالبت المشايخ بتأييد الحصار على قطر، وأن تغريدة العودة بدت وكأنها تمرد على أوامر ولي العهد محمد بن سلمان.
وعلى خلفية السكوت عن تأييد حصار قطر اعتقلت السعودية العديد من الدعاة المصلحين والكتاب، وهو ما قوبل باستنكار من المنظمات الحقوقية.
وقال العودة الابن: إنه "بعد تسعة أشهر لا توجد أي بوادر لحل الملف وإطلاق سراح الوالد الشيخ سلمان العودة وبقية المعتقلين تعسفياً. أسأل الله أن يعجل بفرجهم".
وعلق المفكر السعودي مهنا الحبيل على غياب العودة، بالقول: "كأن الدنيا موحشة دون ضوئك، والحياة مقفرة دون وعظك".
كأن الدنيا
— مهنا الحبيل (@MohannaAlhubail) ٢ مايو ٢٠١٨
موحشة دون ضوءك
والحياة مقفرة دون وعظك
يامن له الأمر كلّه استودعناه في رعايتك pic.twitter.com/HfkT14mPiH
أما فريق برنامج "سواعد الإخاء" الذي كان العودة أبرز ضيوفه، فقد عبر عن افتقاده للداعية السعودي، وكُتب على حساب البرنامج الرسمي في "فيسبوك": "اللهم ها هو رمضان قد قرب، وكان الشيخ سلمان العودة يطل علينا بحديث عذب نقي وبروح شابة مفعمة بالأمل والقوة والثقة. اللهم ارزقه إيماناً يجعل من زنزانته جنة ومن وحدته خلوة بك يا الله".
كما أعاد نشر مقاطع للشيخ العودة كان قد نشرها طيلة شهر رمضان الماضي.
- حياة العودة
وبالعودة إلى حياة العودة، ففي التسعينيات بدأ الشيخ حياته العملية في التدريس، حتى أقيل من إحدى الجامعات بسبب مواقفه السياسية، ومنذ ذلك الحين دشن رحلة مليئة بالعلم انتهت بتغييبه بالسجون، دون أن تفلح في طمس مسيرة مثمرة أو تغييب حاضنته الشعبية الكبيرة.
وبدأ العودة (62 عاماً) حياته العملية مدرساً في المعهد العلمي ببريدة، وعمل معيداً ثم أستاذاً بجامعة الإمام محمد بن سعود في القصيم، التي أقيل منها عام 1994.
وكان يعتبر من أكثر علماء الدين المسلمين استخداماً لمواقع التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيسبوك وإنستغرام وسناب شات، ويحظى بمتابعة مئات الآلاف من مستخدميها.
وكان يشارك في العديد من الجلسات الشبابية، ويعطي المحاضرات، ويحاور في الندوات. وتنوعت مجالاته، مركزاً على التفكّر والتأمل واستنباط المعاني والتجديد بالفهم والعمل.
وقبل مدة لفّ الغموض حالته الصحية، وتواردت الأنباء عن نقله إلى المستشفى إثر تدهور حالته الصحية في السجن، وسط إشاعات عن وفاته، ما جعل العديد من الشباب والناشطين يرددون اسمه ويطالبون بالإفراج عنه. ولكن طمأن ابنه عبد الله العودة، في صفحته على تويتر، في فبراير الماضي، عن حالته الصحية.
اليوم لأول مرة تحققت زيارة أهلي للوالد #الشيخ_سلمان_العودة في سجن ذهبان وهو طيب ومفعم بالحياة كعادته والحمدلله والأجواء إيجابية
— د. عبدالله العودة (@aalodah) ١٣ فبراير ٢٠١٨
ونسأل الله أن يكون الأسوأ قد انتهى
مواقف كثيرة تُعرف لهذا الداعية، وتستطيع من خلالها استنباط أفكاره وآرائه، وأن تتعرف على شخصيته.
العودة ولد في 14 ديسمبر عام 1956 بقرية البصر التابعة لمدينة بريدة (منطقة القصيم) وسط السعودية، وقضى جزءاً من طفولته هناك، ثم انتقل إلى بريدة لمتابعة تعليمه.
وفي صباه الذي كان في قرية بريدة، حفظ العودة القرآن ثم الأصول الثلاثة، والقواعد الأربع، وكتاب التوحيد، والعقيدة الواسطية، ومتن الأجرومية، ومتن الرحبية، وقرأ شرحه على عدد من المشايخ، وحفظ بلوغ المرام في أدلة الأحكام، ومختصر صحيح مسلم للحافظ المنذري، ومئات القصائد الشعرية المطولة من شعر الجاهلية والإسلام وشعراء العصر الحديث.
وحصل على ماجستير بالسُّنة في موضوع "الغربة وأحكامها"، ودكتوراه بالسُّنة بشرح بلوغ المرام/كتاب الطهارة، وكان من أبرز من أطلق عليهم مشايخ "الصحوة" بالثمانينيات والتسعينيات.
- مطالبات بالإصلاح واعتقالات
وللشيخ محطات في حياته للمطالبة بالإصلاح ضمن الإطار الإسلامي. ففي مايو 1991، كان "العودة" من بين الموقِّعين على خطاب المطالب، الذي شمل المطالبة بإصلاحات قانونية وإدارية واجتماعية وإعلامية.
واشتهر أكثر بعد نقده التعاون مع الولايات المتحدة في حرب الخليج الثانية. فقد تولى حينها جمع توقيعات العلماء على بيان يرفض أن تطأ أقدام الجنود الأجانب أرض الجزيرة العربية، ونادى بذلك في إحدى خطبه؛ ما تسبب في استدعائه للتحقيق أكثر من مرة.
وفي سبتمبر 1993، مُنع سلمان العودة من إلقاء الخطب والمحاضرات العامة، واعتُقل في أغسطس 1994 ضمن سلسلة اعتقالات واسعة شملت رموز "الصحوة"، وقضى بضعة أشهر من فترة اعتقاله في الحجز الانفرادي بسجن الحائر، وأُطلق سراحه في أبريل عام 1999.
وبعد الإفراج عنه سُمح له بإلقاء المحاضرات الدعوية بعيداً عن السياسة.
5 سنوات من الاعتكاف عَزلته عن تأثير الجموع، منحته الحرية ونقلته من الضيق إلى السعة ومن الانكفاء عن الحياة إلى رؤية الوجوه الناصعة وقراءة الجانب الإيجابي للآخرين.
أغلى شيء كان بالنسبة له هو الحرية "التي لا يريد أن يصادرها لا حاكم ولا تابع". وأعظم ثوابته إيمانه الراسخ بالله عزّ وجل، وحبه له وحسن ظنه به.
وعن يومياته في السجن، قال "العودة" في كتابه "طفولة قلب" الذي نسج فيه سيرته الذاتية: "كنا نقرأ في اليوم الواحد إلى ما يقارب 16 ساعة، واحد يقرأ والآخر يستعد للنوم، ويظل الآخر يقرأ حتى ينام صاحبه. وكان الخفير يستأذن منا إذا رغب في الدخول لعلمه بأهمية الوقت بالنسبة إلينا. حفظت القرآن الكريم وصحيح مسلم، وقرأت كمّاً كبيراً من الكتب في جميع المجالات".
وفي مرحلة ما بعد السجن، باتت الدعوة إلى "الوسطية الإسلامية" تحتل حيزاً هاماً في خطب "العودة" ومحاضراته، حتى صار يُنظر إليه بوصفه أحد أهم رموزها في السعودية. وقد عبَّر أكثر من مرة عن رفضه التطرف والغلو، ومعارضته تيارات العنف في العالَمين العربي والإسلامي.
- برامج شبابية
وشملت مسيرته الدعوية العديد من البرامج الهادفة، وأطلق قناة خاصة له على يوتيوب باسم "DrSalmanTv"، قدّم فيها برنامجاً بعنوان "وسم"، كما أُنشئت قناة فضائية تحمل اسم "سلمان.تي.في".
وفي برنامج "نور"، شاركَنا رحلاته مع المكفوفين في السودان، وجعلنا نرى بعيونهم، ونسمع بآذانهم، ونعرف أفكارهم، قرّبنا من عالمهم، وحاورهم وجعلهم يعبرون عن عالمهم.
"العودة" بحث اقتفاءً لأثر المعاني، وألهم كل مظلوم يُعاني، ودلّ على الطريق بـ"كلا إن معي ربي سيهدين"، وتساءل "هل أنت في داخلك فرعون صغير؟".
وفي برنامجه "علَّمني موسى"، حكى القصص والحكايا، وسرد من مواقف سيدنا موسى -عليه السلام- مع فرعون في مصر ما يُعلّم ويترك الأثر.
أما في برنامج "آدم"، فذكر أول ذنب لسيدنا آدم عليه السلام، وشقَّ للنور مَخرجاً في قلوبنا، للتوبة والقرب من الله، وعاد بسيرة الخلق الأولى.
- لا تنسَ العهد
وفي "أكملي الحكاية"، لم ينسَ العهد، معبرِّاً عن الوفاء، بعد وفاة زوجته هيا السياري في 25 يناير 2017، وابنه هشام بحادث سير. وكان يعرف أن زوجته تحب الشروق، فسأل إن كانت الشمس تشرق من جهة قبرها، فأجابوا بـ"نعم". فوضعها من جهة الشروق، وكان يعرف أن ابنه يخاف من الطرف، فوضع قبره في الوسط.
وبالمكان ذاته الذي تركه بحضرة زوجته، جلس بعدها يتذكرها، لم ير الموت فاصلاً بينهما، وذكرها بالخير دائماً، ورثاها ذاكراً حبه إياها. حاول أن يعوّض دفء الأم لأبنائه، وتساءل: "كيف للأب أن يعوض دفء الأم؟"، لتموت الأم، ويُعتقل بعدها الأب.
- حُريّة
وفي وسم "نعم أتغيّر"، ردَّد دائماً: "اهدنا الصراط المستقيم"، وتساءل: "لماذا لا أتغير؟!"، معرِّفاً التغيير بأنه التعلُّم الذي يساعد على مواكبة الجديد، والانتقال من التبعية والتقليد إلى الاستقلال والاجتهاد، والاستجابة للفطرة حيث الكون كله يتغير، مبيناً أن "الرأي البشري يتجدد".
ولـ"العودة" أكثر من 60 كتاباً، آخرها: أطفال في حجر الرسول، لماذا نخاف من النقد؟، الفيلسوف الرباني، التفسير النبوي للقرآن، سلطان العلماء، الغرباء الأولون، هموم فتاة ملتزمة، مع الله، بناتي، شكراً أيها الأعداء، طفولة قلب، مع الصيام، ولا يزالون مختلفين، لو كنتُ طيراً، أسئلة الثورة، كيف نختلف؟، حوار هادئ مع الغزالي، أنا وأخواتها، زنزانة، علمني أبي.
وجدير بالذكر أنه منذ صعود نجم ولي العهد محمد بن سلمان، حجَّمت السلطات السعودية دور الدعاة المعروفين بوسطيتهم بين مجتمع الشباب العربي، منهم الشيخ "العودة" وعلي العمري ومحمد موسى الشريف وعوض القرني، في وقت أعلن فيه الشيخ عائض القرني ما سماها "حالة الطلاق" مع السياسة، وأكد أنه لن يتطرق في تغريداته إلى الشأن السياسي مطلقاً، كما لم يتطرق حتى الآن إلى أي من التغيرات في المجتمع السعودي، وهو ما أبعد عنه القبضة الأمنية.
وليس الشيخ عائض القرني فحسب؛ بل أيضاً الشيخ عادل الكلباني ومحمد العريفي وغيرهما ممن تُظهر تعليقاتهم وتغريداتهم على "تويتر" التودد والتقرب إلى ولي العهد ومباركة سياسة "الانفتاح" داخلياً وخارجياً أو عدم نقدها بأي شكل من الأشكال، وتأييدهم في كثير من الأحيان ما كانوا ينكرونه قبل تولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان هرم القيادة في البلاد.