DW- عربية-
نالت السعودية حصة هلال الشهرة في كل أنحاء العالم بعد إلقاء قصيدة في برنامج "شاعر المليون" انتقدت فيها رجال الدين المتعصبين وثقافة الفتاوي. الفيلم الوثائقي "الشاعرة" يروي قصة تلك المرأة الشجاعة في المملكة المحافظة.
يحكي الفيلم الوثائقي "الشاعرة"، الذي أخرجه كل من شتيفاني بروكهاوس وأندرياس فولف، قصة امرأة سعودية تحدت بالقصائد الشعرية التعصب الديني وثقافة الفتاوي المضللة. تعرف الجمهور على حصة هلال وقصائدها عبر برنامج "شاعر المليون" الذي يُبث من الإمارات العربية المتحدة إلى ملايين المشاهدين في العالم العربي.
حصة هلال أم لأربعة أطفال، وكانت في السابق ربة بيت لا غير. واشتهرت حصة هلال بعد إلقائها القصيدة وانتقادها رجال الدين. حظيت حصة بالكثير من الدعم نتيجة ذلك، ولكنها وصلتها أيضاً تهديدات بالقتل من المتشددين.
يأتي عرض فيلم "الشاعرة" في وقت حساس؛ إذ يتزامن مع اعتقال عدد من ناشطات حقوق المرأة ونشطاء حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية. ومن بين المعتقلات والمعتقلين من ناضل من أجل السماح للمرأة بقيادة السيارة، الذي سيتم العمل به رسمياً في 24 من شهر حزيران/يونيو الجاري.
في المقابلة التالية مع DW، يتحدث أحد مخرجي فيلم "الشاعرة"، أندرياس فولف، عن الظروف الصعبة التي مر فيها تصوير فيلم وثائقي عن امرأة شاعرة في بلد محافظ للغاية كالمملكة العربية السعودية.
DW: السيد فولف، كيف تعرفت أنت وشتيفاني بروكهاوس على حصة هلال؟
أندرياس فولف: في عام 2010، قصدنا أحد المهرجانات السينمائية في الولايات المتحدة الأمريكية لعرض فيلم لنا. وبالتزامن مع هذا كانت حصة حديث وسائل الإعلام هناك، بما فيها "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست". رأينا صورة لها على خشبة المسرح في البرنامج التلفزيوني تحت عنوان "ربة بيت سعودية تنتقد كبار رجال الدين السعوديين". وكانت الصورة معبرة بشكل قوي للغاية، هذه المرأة المحجبة، التي لا يرى المرء منها سوى العيون. رأينا حينها أنها ستكون موضوع فيلم وثائقي جيد، في حالة وافقت على إنجازه معنا. عثرنا على رقمها بسرعة كبيرة نسبياً. وقالت بأنه يمكننا مقابلتها في أبو ظبي والتحدث معها لأنها ستمكث هناك لمدة ثلاثة أسابيع أخرى. سافرنا إلى هناك على الفور بالطائرة. وبسبب المسابقة الشعرية المقامة هناك والضجة الإعلامية التي خلفتها، لم يكن بوسعنا سوى الركض خلفها بكاميرتنا.
هل هذا يعني أنكما كنتما قريبين منها منذ بداية وصولكما؟
ليس منذ البداية، ولكن هي أدركت في ما بعد أننا لا نريد إجراء مقابلة معها فقط والسلام، وإنما اهتمامنا بها أكبر من ذلك. وهذا جعلها فضولية. لم تكن تعرف ماذا يعني ذلك بالضبط، ولكن في النهاية حصل انسجام ما بيننا. في نهاية عرض إحدى حلقات برنامج "شاعر المليون"، تناولنا العشاء لديها في الفندق سوية وكشفت لي عن وجهها. سررت للغاية حينها، لأنه كان مؤشراً على ثقتها بي. لقد كان ذلك جنوناً.
هكذا بدأ كل شيء. ومن ثم عزمنا على زيارتها في المملكة العربية السعودية، لكن ذلك استغرق وقتا طويلاً للغاية؛ إذ استغرق الحصول على التأشيرة لوحده سنة كاملة. البلد منغلق على نفسه بشكل كبير. ثم تأخر إنجاز الفيلم بشكل كبير بسبب الظروف الصعبة. وفي النهاية، تعطل المشروع مدة أربع سنوات لأننا لم نتمكن من دخول البلاد. كما أخذت منا إجراءات الحصول على تصريح للتصوير وقتاً طويلاً للغاية أيضاً.
ما مدى صعوبة التصوير في المملكة العربية السعودية؟ وما الذي كان عليكما مراعاته؟
ينص القانون السعودي على وجوب ارتداء المرأة للعباءة والنقاب، الذي وجب على شتيفاني بروكهاوس، مساعدة المخرج وجميع النساء الأخريات ارتداءه أيضاً. مدير الإنتاج لدينا عمرو القحطاني جعل تصوير فيلمنا ممكناً. وذلك لأنه كان مطلعاً بشكل جيد على الوضع هناك.
في بادئ الأمر، كانت أجواء التصوير مع حصة صعبة للغاية لأنها تنحدر من عائلة بدوية ملتزمة بالعادات والتقاليد إلى حد كبير. لكن هناك العديد من النساء النشيطات في المملكة العربية السعودية، ممن أكملن دراستهن في الولايات المتحدة الأمريكية وأخذن زمام أمورهن بأيديهن. ولهذا كنا نفكر من حين لآخر بأن هذا الأمر لن يكون صعباً للغاية على حصة، لأن نساء أخريات أيضاً ظهرن بوجه مكشوف أمام الكاميرا. كما أن هناك الكثير من القصص المثيرة التي تحدث في البلاد.
عادة عند إعداد بورتيريه يحتاج المخرج إلى تقريب المشاهد من البطل بشكل كبير. بطلة فيلمك ترتدي النقاب. فكيف تعاملت مع هذه المشكلة سينمائياً؟
خطوة بخطوة ومن خلال الكثير من المحاولات. في وقت ما، قررنا إجراء مقابلة طويلة مع حصة تحكي لنا فيها عن قصتها بالكامل. وأردنا تصويرها وهي تحكي بحيث تنظر مباشرة في الكاميرا، ما يمكن من رؤية عينيها قدر المستطاع. وبعد ذلك نجحت هذه المحاولة بشكل جيد للغاية.
هل لمست على أرض الواقع أي شيء من أجواء التفاؤل الحالية حول الأمير المصلح محمد بن سلمان؟
الإصلاح كان موجوداً منذ سنوات عديدة. وبين الفترة والأخرى كانت هناك انفتاحات صغيرة؛ إذ قبل بضع سنوات، وضع مخطط لبناء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، وهي جامعة حديثة وكبيرة. ويتم فيها تعليم الرجال والنساء في قاعات ومختبرات مختلطة. ولهذا السبب كان على الملك عبد الله تقديم تنازلات لا تصدق إلى رجال الدين. إذ قيل لنا أنه بسبب هذه الجامعة، إلى جانب أمور أخرى، تأخر رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة.
يستغرق الأمر الكثير من الأخذ والرد والمساومات مع رجال الدين، المسؤولين عن التعليم بأكمله وتشكيل رأي الأطفال وغسل أدمغتهم انطلاقاً من المدرسة الابتدائية. إذ على سبيل المثال لا يتم تحديث ما هو موجه لهذه الفئة من المجتمع في الوقت الحالي، وهو ما تغفل عنه وسائل إعلامنا بشكل كلي. وعلى الرغم من رفع الحظر على القيادة، إلا أن معظم النساء لن يمتلكن الجرأة على الإقدام على ذلك لأنهن لا يعرفن ما تبعات ذلك عليهن.
ألم يكن لدى حصة هلال تخوف مستمر بعد ظهورها واشتباكها مع رجال الدين؟
لم تكتف فقط بمهاجمة المتطرفين وانتقادهم، ولا سيما الواعظ الديني عبد الرحمن البراك، بل حاججته بشعرها. أصدر البراك فتوى في عام 2010 زعم فيها أن الاختلاط بين الجنسين ليس من الإسلام وأنه مخالف للشريعة الإسلامية. وأنه يجب قتل كل من يخالف هذه الفتوى. في المقابل قالت حصة إن هذا الفصل الراديكالي بين الجنسين، الذي يدعو له، ليس من الإسلام ولا يتوافق مع القرآن. ولم تذكر حصة اسم رجل الدين، لكن الجميع عرف أنها كانت تقصد البراك.
حصة قالت إنه من يقول شئياً كهذا، يأجج الكره ويتحمل مسؤولية ترهيب المسلمين حول العالم. وهذا جعلها واضحة ومقنعة إلى حد كبير، وكذلك حية في قلوب وعقول غالبية المواطنين من خلال مقابلاتها التلفزيونية. ولهذا السبب كان من الصعب على رجال الدين مهاجمتها، لأنهم كانوا يعرفون تمام المعرفة أن الكثيرين يقفون وراءها. وهي أيضاً كانت على يقين آنذاك بأنها أصابت الوتر الحساس وكانت مقتنعة بأنها على حق. وهذا ما منحها الشجاعة.
كيف كانت ردة فعل حصة هلال على فيلم "الشاعرة"؟
حضرت حصة إلى مدينة لوكارنو في سويسرا لمشاهدة العرض الأول للفيلم، وأحبته كثيراً. كانت هذه المرة الأولى، التي تزور فيها أوروبا. كما خلق لها الظهور أمام حشد كبير من الجمهور في صالة السينما الممتلئة عن آخرها والإجابة على أسئلتهم متعة كبيرة.
ما أكثر شيء ترك انطباعه لديك بخصوص الناس في السعودية؟
لقد أحببت في السعوديين كرم الضيافة واستعدادهم لمساعدة الآخرين، هذا بالإضافة إلى إنسانيتهم. وكذلك إمكانية الدخول في نقاش معهم بالرغم من القشرة الصلبة، التي تغلف المجتمع من الخارج. هناك العديد من اللقاءات، حتى لو كان الأمر صارماً للغاية. على المرء فقط أن يجرؤ على النظر إلى عيون الناس.
لماذا أردت إنجاز هذا الفيلم على الرغم من كل الصعوبات؟
أردنا تقريب صورة المرأة المحجبة إلى الناس في الغرب من خلال فيلمنا. والقول إنه وحتى المرأة التي ترتدي الحجاب يمكن أن تكون لطيفة للغاية؛ إذ عادة ما يتم ربط النساء المحجبات بالتطرف. كما أن المواطنين السعوديين يختلفون في كثير من الأحيان مع رجال الدين في السعودية. والغالبية العظمى من الناس هناك يرغبون في المزيد من الحوار مع الغرب.
احتفل الفيلم الوثائقي "الشاعرة" من تأليف و إخراج كل من شتيفاني بروكهاوز وأندرياس فولف بعرضه الأول له في عام 2017 في مهرجان لوكارنو السينمائي، وبدأ عرض الفيلم في 31 من أيار / مايو من هذه السنة في دور السينما الألمانية.