دعوة » مواقف

الآثار النبوية.. محافظة لا هدم!

في 2018/08/07

عاصم حمدان- المدينة السعودية-
لم يدر بخلد المؤرخين، الذين كتبوا عن تاريخ المدينة المنورة وآثارها، مثل ابن شبّة، والسمهودي، والمطري، والمراغي، وسواهم من المتقدمين، وكذلك من أمثال عبدالقدوس الأنصاري، والسيد عبيد مدني، والسيد أحمد ياسين الخياري، والسيد علي حافظ، والشريف إبراهيم العيّاشي، أن يأتي أحد يشكك في عقائد من يهتم بهذه الآثار، أو يقوم بزيارتها، بل إن الدولة السنية منذ تأسيسها على يد المغفور له الملك عبدالعزيز رحمه الله، وكذلك أبناؤه البررة من بعده، قد اهتمت اهتمامًا بالغًا بالحرمين الشريفين، والمساجد الأثرية مثل مسجد قباء والجمعة والمستَراح والإجابة والفتح، والمصلى، وسواها من المساجد الأثرية، ولكن تسلّل بعض ممن ينتسبون لتيار الإسلام السياسي، والسلفية المتشددة إلى بلادنا فأدخلوا في روع الناس أن هذا الاهتمام قد يؤدي إلى الشرك، وهو أمر لم يحصل على مر التاريخ، ويفترض في المسلم أن يحسن الظن بعقيدة أخيه المسلم، ولا يشكك فيها، فهذه أمور غيبية لا يعلمها إلا البارئ وحده عز وجل.

وبعد نشري للحلقة الأولى من هذه الدراسة، الأسبوع الماضي تحت عنوان «مسجد الفتح وضرورة المحافظة على الآثار النبوية»، اتصل بي بعض الزملاء، من بينهم الإعلامي وائل رفيق، والزميل الأستاذ يوسف الميمني، المهتم هو الآخر بالمساجد الأثرية في المدينة المنورة، وقد أخبرني -جزاه الله خيرًا- بالاهتمام البالغ والمعروف لسمو الأمير فيصل بن سلمان، أمير منطقة المدينة المنورة، بكل ما يتصل بهذه المساجد، وإعادة إعمار بعضها، وترميم البعض الآخر، وهو أمر يستحق التقدير والعرفان بمن شرفه الله بخدمة مثوى سيدنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصحابته رضي الله عنهم أجمعين.

واتصالاً لما كنت بدأته في المقال السابق، فإني رأيت مواصلة الحديث في هذا الأمر، ناقلاً بعض الشواهد التي تعضد أمر الوجوب بالمحافظة على الآثار النبوية، ومن ذلك ما ذكره الدكتور عبدالعزيز بن عبدالفتّاح القاري، في كتابه «الآثار النبوية بالمدينة المنورة.. وجوب المحافظة عليها وجواز التبرك بها»، ص 8 -11 ما نصّه :[ لمّا هدم عمر بن عبدالعزيز بيوت أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم، وكانت ملتصقة بجدار المسجد النّبويّ وأدخلها في المسجد عند توسعته بأمر من الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، ومنها بيت أمّ المؤمنين عائشة وفيه القبور الثلاثة: قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم وقبرا الصاحبين، فصارت القبور الثلاثة الشريفة داخل المسجد، وحزن النّاس حزنًا شديدًا. وقال عطاء الخرساني: « أدركت حجرات أزواج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من جريد على أبوابها المسُوحُ من شعرٍ أسود، قال فحضرت كتاب الوليد يُقرأُ فأمرَ بإدخالها في المسجد، فما رأيت يومًا كان أكثر من ذلك اليوم باكيًا، فسمعت سعيد بن المسيّب يقول: «والله لوددت أنهم تركوها على حالها ينشأ ناسٌ من المدينة ويقدُمُ قادمٌ من الأفق فيرى ما أُكرم به النبي صلّى الله عليه وسلّم في حياته فيكون ذلك مما يُزهِّد النّاس في التكاثر والتفاخر.

وفي رواية ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية، قال سعيد بن المسيب: «وددت لو تركوا لنا مسجد نبيّنا على حاله وبيوت أزواجه ومنبره ليقدم القادم فيعتبر».

وقال عمران بن أبي أنس: « رأيتني وأنا في المسجد فيه نفر من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبو سلمة بن عبدالرحمن، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وخارجة بن زيد، وإنهم يبكون حتى أخضل الدمع لحاهم، وقال يومئذٍ أبو أمامة: «ليتها تُركت حتى يقصر الناس عن البناء ويرى الناس ما رضي الله لنبيّه وخزائنُ الدنيا بيده»].

وفي صفحة 34 يؤكد المؤلف بالدليل القاطع نهي النبي صلّى الله عليه وسلّم عن هدم آطام المدينة المنورة، حيث يورد ما نصه: [ عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن هدم آطام المدينة.

وفي رواية أنه نهى عن هدم آطام المدينة لأنها زينة لها. رواه الطحاوي في شرح معنى الآثار].

إن النصوص الدالة على أمر وجوب المحافظة على الآثار النبوية الشريفة أكثر من أن يحصيها هذا المقال في محدودية مساحته، وما أورده المؤلف «القاري» إنما هي نصوص وردت في أمهات الكتب المعتبرة، بأسانيد لا يتطرق إليها تشكيك المشككين، وتقف حجة قاطعة ودليلاً دامغًا على خطأ المغالين والمتشددين المطالبين بهدم الآثار النبوية سدًّا للذرائع بزعمهم، فليسوا هم بأعلم من صحابة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وليسوا بأعلم من أئمة سلفوا، ولم يقل منهم قائل بما درجوا على فعله وقوله.