الخليج أونلاين-
على مدار الأيام الماضية، لم يتوقف الإعلام السعودي عن بث ما سماه "النجاح العالي" وغير المسبوق لموسم حج هذا العام، ولكنه لم يتطرق إلى قضية حجاج المغرب وما تعرضوا له من إهانة، ونقص كبير في الطعام، وتأخير نقلهم إلى المشاعر، وفق مقاطع فيديو موثقة، وشكاوى رسمية.
وبدأت أزمة حجاج المغرب بالتفاعل بعد نشر مقاطع فيديو مروعة لعدد كبير من النساء المغربيات وكبار السن وهم يعبّرون عن امتعاضهم من سوء المعاملة التي لقوها من قِبل السلطات السعودية، وعدم توفير الطعام لهم، ووضعهم في أماكن ضيقة خلال أيام الحج، خاصةً في عرفة ومزدلفة ومِنى.
واحتجت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المغربية لدى "المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية"، وهي مؤسسة سعودية غير حكومية، على ما وصفته بـ"اختلالات" شهدها حج هذا العام، تمثلت في غياب العناية الطبية، وخدمات الطعام والسكن، لحجاج المغرب.
وقالت الوزارة في بيان لها، الجمعة: إن "اتصالاً بهذا الشأن جمع الوزير أحمد التوفيق، بوزير الحج والعمرة السعودي، محمد صالح بنتن، اليوم، تبعه اجتماع طارئ بين بعثة الحج المغربية والمؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية، في مقر الأخيرة بمكة المكرمة".
ولم يصدر أي تعليق من المؤسسة الأهلية لمطوفي حجاج الدول العربية، على ما أورده بيان الأوقاف المغربية.
وتعكس هذه المعاملة السيئة التي تعرض لها الحجاج المغاربة الأزمة الدبلوماسية الصامتة بين السعودية والمغرب، والتي بدأتها الرياض بعدم إعطاء صوتها لصالح المغرب في ملف استضافة كأس العالم 2026، وتصويتها للملف الثلاثي (أمريكا، وكندا، والمكسيك).
ولم تتوقف العلاقات المغربية - السعودية عند هذا الباب؛ بل تعمقت مع تغريدة وزير الرياضة السعودي تركي آل الشيخ في وقتها، والتي قال فيها: "هناك من أخطأ البوصلة، إذا أردتَ الدعم فعرين الأسود في الرياض هو مكان الدعم، ما تقوم به هو إضاعة للوقت، دع الدويلة تنفعك".
وجاءت تغريدة آل الشيخ، بعد موقف المغرب المحايد من الأزمة الخليجية، ودعوته إلى إنهائها من خلال الحوار، إضافة إلى إرساله طائرة محمَّلة بالأغذية إلى قطر مع بدء الحصار من قِبل السعودية والإمارات والبحرين (5 يونيو 2017).
وزادت خطوة العاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، حدة الأزمة من خلال تخلِّيه عن قضاء إجازته في مدينة طنجة المغربية كما هو معتاد كل عام، وتحويلها إلى مدينة "نيوم" غير المكتملة داخل المملكة.
الاحتجاج المغربي لا يكفي
الكاتب الصحفي المغربي ياسر الخلفي يؤكد أن الحجاج المغاربة تعرضوا لإهانة ومعاناة خلال أدائهم مناسك الحج هذا العام، وما نُشر من احتجاج وزارة الأوقاف المغربية لدى السلطات السعودية "لا يكفي، ولا يوجد له أي معنى".
ويقول الخلفي في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "هذه المعاملة التي تعرض له حجاج المغرب في السعودية ستزيد من الغضب الشعبي المغربي على السعودية أكثر، خاصةً بعد حادثة تصويت كأس العالم 2026، وستزيد من سوء العلاقات بين البلدين".
وربط الخلفي ما يتعرض له المغرب من سوء معاملة من قِبل السلطات السعودية بعدم انخراطه مع دول الخليج في حصار قطر، والدور الحيادي الذي كان عليه المغرب، ولعبه دور الصلح، وإرساله مواد غذائية في أوج الأزمة إلى قطر.
ويوضح أن المغرب حاول في مرات عديدة، الانفتاح على السعودية؛ لتوطيد العلاقات الثنائية على المستوى الاستراتيجي، لكن بقي التعاون والتنسيق "محدوداً".
موقف المغرب من الحصار
نور الدين اليزيد، الباحث المغربي في الاتصال السياسي، يُرجع ما تعرض له حجاج بلاده هذا العام من قِبل السلطات السعودية إلى حالة البرود التي يعيشها البلدان منذ أكثر من عام، وخاصةً بسبب موقف المغرب الرافض لحصار قطر، وإسهاماته خلال بداية الحصار الخليجي.
ويؤكد اليزيد في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن موقف المغرب من الحصار الذي فرضته السعودية والإمارات وعدد من الدول على قطر، وزيارة العاهل المغربي للدوحة أعطيا إشارة إلى أنها تقف ضد حلف الحصار، إضافة إلى مراجعتها في حرب اليمن، كل ذلك أغضب هذه الدول وزاد من توترها غير المعلن تجاه المغرب.
ويقول اليزيد: "الثابت هو أن العلاقات بين البلدين عرفت توتراً شديداً أذكته مواقف سلبية مستفزة لمسؤول كبير في الدولة السعودية هو تركي آل الشيخ رئيس الهيئة الرياضية وأحد أقوى مستشاري ولي العهد، عندما صرح ملمحاً بأن المغرب أخطأ الرهان على قطر بدل السعودية في سعيه لتنظيم مونديال 2026 لكرة القدم".
ويوضح أن "ارتباط الأزمة بالمجال الرياضي جعلها تمتد إلى كل شرائح المجتمع، وهو ما رأيناه حين هاجم مشجعون مغاربة في روسيا المسؤول السعودي المثير للجدل (آل الشيخ)، واتهموه بأقذع النعوت، وهو التهجم والانتقاد الذي غصت به مواقع التواصل الاجتماعي".
ويضيف: "مواطنون من البلدين تبادلوا السب والشتم، وذلك قد يبدو طبيعياً مع تشنج العلاقات الرسمية بين البلدين والتي ظلت طيلة أكثر من ستة عقود نموذجاً يحتذى في العلاقات بين الدول".
وعلى الرغم من نقاط الخلاف الكبيرة، يشير اليزيد إلى أن وزير السياحة المغربي، الذي قاد وفد الحجاج الرسمي لبلاده، محمد ساجد، حمل رسالة شفوية من العاهل المغربي إلى العاهل السعودي، وجَّه له من خلالها دعوة لزيارة المغرب، "وهي الدعوة التي قوبلت بتأكيد الملك سلمان إبلاغ تحياته لأخيه العاهل المغربي وتقديره متانة العلاقات بين الأسرتين الملكيتين والشعبين الشقيقين"، في إشارة واضحة إلى انفراجة وشيكة بين الرباط والرياض.
ويستدرك بالقول: "مع أن توجيه الدعوة لملك السعودية لزيارة المغرب من طرف الملك لم تكن عبر اتصال مباشر بين العاهل وكانت عبر وسيط، فإنني لا أستبعد أن تكون إشارة ستتبعها إشارات مستقبلاً لإعادة المياه إلى مجاريها بين البلدين".