الخليج أونلاين-
لم تعد منابر الخطابة في السعودية تعج بمشاهير الدعاة والخطباء الذين يملكون شعبية واسعة؛ لما امتازوا به من علم، وقدرة على جذب الناس، لليونة أساليبهم وغزارة معلوماتهم، وحسن حديثهم، وصفات عديدة أخرى تميزهم بين نظرائهم.
هؤلاء اليوم خلف قضبان السجون، وأسباب سجنهم تتعلق بارتباطهم بخلايا إرهابية، والعمل على زعزعة أمن واستقرار البلاد، والارتباط بجهات خارجية، بحسب ما تذكر الجهات الحكومية السعودية.
الأسباب التي رمت بهذه النخبة من رجال الدين السعوديين ما زالت تثير استغراباً بين الملايين من المسلمين الذين يتابعون هؤلاء الشيوخ الدعاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ فبرامجهم التلفزيونية، وخطبهم ومحاضراتهم كانت توجيهية، تنصح بنبذ العنف والتطرف وبناء الإنسان بالشكل السليم الذي يمَكّنه من خدمة الدين والبلاد والمجتمع.
- عام على اعتقال أبرز الدعاة
وبدأت السعودية حملة اعتقالات تعسفية كبرى مطلع سبتمبر الماضي، شملت العشرات من الأمراء والمسؤولين، تبعها اعتقال المئات ممن أطلق عليهم رموز "تيار الصحوة".
حساب "معتقلي الرأي" السعودي الشهير، على منصة "تويتر"، وثق اعتقال 105 مواطنين، من الدعاة والنشطاء والأكاديميين والكتاب السعوديين في خلال عام واحد، بعد تولي محمد بن سلمان ولاية العهد بشهرين.
وبمناسبة مرور عام على حملة الاعتقالات قال حساب "معتقلي الرأي": "مرّت سنة على اعتقال نخب الوطن من دون مسببات قانونية ولا تهم، ثم تأتي السلطات السعودية وتبدأ بمحاكمة هؤلاء النخب سراً وتعتبرهم إرهابيين! هذه الانتهاكات هي جرائم لا يجب السكوت عنها أبداً!"، بحسب تعبيره.
بتاريخ 9 سبتمبر الجاري، دشنت حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، تزامناً مع مرور سنة على بدء حملة الاعتقالات، عبر التغريد على وسم "#سنه_على_اعتقال_نخب_الوطن"؛ وذلك "نصرة لجميع معتقلي الرأي، لا سيما من بدأت محاكمتهم سراً".
وتزامنت الحملة مع مطالبة النيابة العامة السعودية بإعدام بعض الدعاة تعزيراً، بعد أن وجّهت لهم تهماً تتعلّق بالإرهاب، فضلاً عن منع دعاة آخرين من الخطابة والتغريد، وأبرزهم الشيخ محمد العريفي.
وتقول مصادر سعودية إن السلطات تتحفظ على معظم "معتقلي سبتمبر" في أماكن مجهولة وشقق خاصة تابعة لجهاز أمن الدولة، الذي أنشأه بن سلمان ليدير حملات الاعتقال ضد مناوئيه، لكن عدداً منهم يقبعون في سجني الحاير في مدينة الرياض، وذهبان في مدينة جدة، وهما أشهر سجنين سياسيين في البلاد.
- الاستيلاء على المنابر
الاثنين (19 سبتمبر الجاري) قال عبد اللطيف آل الشيخ، وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، بعد مرور 100 يوم من تعيينه بهذا المنصب، إن من أسماهم بـ"أدعياء الدعوة" استولوا على المنابر ومرروا أفكاراً متطرفة، وأصبحوا يتسابقون على تهييج الناس وإلحاق الضرر بهم.
وزير الشؤون الإسلامية، بحسب صحيفة "عكاظ" المحلية، اتخذ عدة إجراءات، تلخصت في قرابة 20 قراراً شملت إعفاءات وتكليفات لعدد من المسؤولين داخل جهاز الوزارة وفي عدد من فروعها ببعض المناطق والمحافظات.
تقول الصحيفة، إن هذه الإجراءات تركزت في مجملها على الجانب الدعوي والفكري والإداري؛ في محاولة للسيطرة على "منابر الجمعة"، التي وصفها آل الشيخ أنها حتى وقت قريب كانت "مختطفة".
من جانب آخر فإن آل الشيخ، وفقاً للصحيفة ذاتها، "أبدى عدم رضاه عن عمل المكاتب الدعوية في الخارج، مؤكداً أنها لم تخدم الوطن وقضاياه، وهي ليست على المستوى المنشود"، وهو توضيح يثير الاستغراب؛ إذ من المفترض أن تخدم المكاتب الدعوية في دول أخرى الدين الإسلامي وليس البلد الذي يدعمها؛ ما يجعل كلام الوزير السعودي اعترافاً صريحاً بأن عمل هذه المكاتب سياسي لا ديني، بحسب مراقبين.
الصحيفة تابعت تقول إن آل الشيخ أغلق الباب في وجه من أسماهم بـ"الباحثين عن الشهرة"، الذين دأبوا على بث خطب الجمعة عبر برامج البث المباشر، في إشارة إلى عدد من الخطباء والدعاة المسجونين والممنوعين من الخطابة، وأبرزهم الشيخ محمد العريفي.
كبار الدعاءة الذين تصدروا الدعوة والإرشاد والنصح من خلال منابر مساجد السعودية، لينالوا احترام المسلمين في مختلف بلدان العالم؛ بسبب محاضراتهم وخطبهم القيّمة، كانوا غراس النهج الوسطي البعيد عن التطرف والانحياز إلى جهة دون أخرى.
ووفقاً لذلك، فقد خلت منابر السعودية اليوم من دعاة وخطباء لهم باع في الدعوة، لتُثّبت الحكومة السعودية بعدهم غراساً جديدة تقول ما تشتهيه السياسة لا ما يحتاجه الناس، بحسب ما يتوضح من تصريحات الوزير عبد اللطيف آل الشيخ.