دعوة » مواقف

الريسوني "يفتح النار": الآن يتبرأون من "الإسلام السعودي" بعد 80 سنة

في 2018/12/24

الشرق القطرية-

واصل الرئيس الجديد للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الدكتور أحمد الريسوني مهاجمة النظام السعودي، معلناً في الوقت ذاته تمسكه بما كتبه قبل عام والذي تضمن "فضح" دور الرياض وولي عهد أبوظبي في المنطقة، مشدداً على أن ما أسماه "الإسلام السعودي" "أنتج كوارث على الإسلام وشوّه سمعة المسلمين".

ودافع الريسوني، الذي أُنتخب في 7 نوفمبر الماضي رئيساً للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين خلفاً للدكتور يوسف القرضاوي، عن وجهة نظره التي كتبها قبل عام في ما أسماه "الإسلام السعودي" وأثارت جدلاً كبيراً.

ونشر الموقع الإلكتروني "بي بي سي عربي" جزءاً من مقابلة مع الريسوني خلال برنامج "بلا قيود" الذي يُبث الأحد الساعة الخامسة والنصف مساء بتوقيت غرينيتش.

ورداً على سؤال المذيع: ".... خرجتك القوية على الإسلام السعودي في مقال عمره عام الآن، هل تندرج في هذا النهج الذي تتبناه وهل لازلت متشبثاً بهذا الموقف؟"، قال الريسوني: نعم هذا الموقف أنا متشبث به ولا تزيده الأيام إلا ثباتاً، بل أكثر من هذا كما ذكرت في المقال نفسه".

وأضاف: "السعودية نفسها الآن تهدم ما كانت عليه وما سارت عليه منذ عقود.... إذاً هدم "الإسلام السعودي" كما وصفته ليس هو بالضبط الوهابية، ليس هو بالضبط السلفية، ليس هو بالضبط فكر ابن تيمية، يأخذ من هنا وهنا، ولكن له سمات هي التي أصفها بالإسلام السعودي، هذا الإسلام السعودي الذي سارت عليه السعودية الآن 70 سنة أو 80 سنة، الآن يهدمونه أو يتبرأون منه لأنه أنتج كوارث على الإسلام والمسلمين وشوّه الإسلام وشوه سمعة المسلمين فإذاً أنا متمسكاً بما ذكرته في هذا المقال ولا أزداد إلا تمسكاً به".

وكان الريسوني كتب مقالاً نشره موقع "العمق المغربي" في 11 أكتوبر 2017 تحت عنوان "الإسلام السعودي .. من الازدهار إلى الاندحار" هذا نصه:

منذ أزيد من نصف قرن تمكنت المملكة العربية السعودية - بفضل إمكاناتها المالية النفطية الضخمة، وموقعها الجيو/ديني - تمكنت من تحقيق نفوذ ثقافي ودعوي وسياسي كاسح، تمدد عبر العالم كله، وشمل العالم الإسلامي بصفة خاصة. وبذلك انتشر وساد هذا الذي أسميته "الإسلام السعودي". وأصبح معظم المتدينين والدعاة وأبناء الحركات الإسلامية متأثرين بهذا النمط "الإسلامي"، بدرجة من الدرجات.

فما هو الإسلام السعودي؟

البعض يسمونه "وهابية"، وهو وهابي الأصل فعلاً، لكن وهابية الإسلام السعودي معدَّلة ومكيفة.

والبعض يسمونه "سلفية"، وهو سلفية مشوهة ومطوَّعة.

والبعض يعتبرونه "حنبلياً"، ولكن حنبليته نجدية جامدة.

والبعض يصفون أصحابه بـ"الظاهرية الجدد"، وهو كذلك، ولكن ظاهريتهم محرفة ومُسَعودة.

والبعض ينسبونهم إلى ابن تيمية، ولكن ابن تيمية - عند العارفين به - هو أكبر متضرر ومتظلم منهم.

وقد وُصف بأوصاف أخرى؛ كالتشدد والتطرف، و"فقه البداوة"، و"فقه التخلف". والحقيقة أن "الإسلام السعودي" فيه من كل هذه الأوصاف قسمةٌ ونصيب، ولكنه في تركيبته نمط خاص في الفهم والتدين، تَشكل بين قساوة الرمال ونداوة الريال، وانضبط تحت ظل السيفين المتعانقين، وبتوجيه آل سعود وسطوتهم.

وما دام هذا "الإسلام السعودي" خليطاً ومُركَّباً، ومتعدد المصادر ولأصول، فلنترك نسبته أو نَسبه جانبا، ولنذكر بعض الخصائص والمميزات التي عُرف بها وتميز بها، علماً بأن بعضها يرجع إلى أيام الشيخين محمد بن عبد الوهاب ومحمد بن سعود، وبعضها تشكل خاصة في ظل "الدولة السعودية الثالثة"، وهي دولة الملك عبد العزيز وأولاده وأحفاده، القائمة حتى اليوم.

وأنا لا أتحدث الآن عما يمكن أن يقال من الإيجابيات أو الفوائد أو الحسنات... وإنما حديثي عن بعض المميزات السلبية، الظاهرة والغالبة، لهذا "الإسلام السعودي"...

1. الشدة والخشونة، وهي سمة بارزة: سواء في الأفكار، أو في الأحكام، أو في الألفاظ... حتى لقد أصبح "السلفي" أو "الوهابي" في أعين عامة الناس رمزاً للشدة والغلظة والتزمت. وحتى في المعاملات العادية بين السعوديين، يقال لمن تشدد وبالغ في أمر من الأمور: "لا تحنبلها"، أي لا تكن مثل السلفيين المتحنبلين في شدتهم ومبالغاتهم.

2. التعامل مع المسلمين والحكمُ عليهم من خلال ثقافة التكفير والتضليل والتبديع، شعوباً ومذاهب وطوائف وأفرادا... بل حتى كبار العلماء - القدماء والمعاصرون - لا يسلمون من تضليلهم وتبديعهم وحملاتهم، وقد يصل الأمر إلى حد تكفيرهم.

3. الاعتماد على العنف والسيف. والمملكة تعدُّ في طليعة الدول المتفوقة في كثرة القتل والتعذيب والاعتقال والاختطاف، وكل ذلك يجد كامل شرعنته وتسويغه وتسويقه لدي أشياخ "الإسلام السعودي" وفتاويهم الجاهزة المجندة. ومن الجدير بالتأمل أن الحروب الكثيرة التي خاضتها الدولة السعودية والحركة السعودية ،كانت، وما زالت، كلها موجهة ضد المسلمين!

4. إشعال الفتن والصراعات بين المسلمين؛ فشيوخ الإسلام السعودي دأبهم وديدنهم شنُّ الغارات وإشعال الصراعات، ضد المذاهب الفقهية الإسلامية، والمذاهب الكلامية الإسلامية ، والمذاهب الصوفية الإسلامية، والحركات الدعوية الإسلامية، وضد أفراد العلماء والمفكرين المسلمين. ونظراً لإمكاناتهم المالية واللوجستية، فقد تمكنوا من إدخال الفتن والعداوات والصراعات - الفقهية والعقدية - إلى معظم مساجد المسلمين وبيوتهم وأسرهم.

5. خوارج على الأمة وعلمائها، مداخل مع الولاة والطغاة. فحينما يوصف مشايخ الإسلام السعودي بالتشدد والتضييق، فذلك ليس على إطلاقه، بل هو خاص بعموم المسلمين، في عاداتهم وعباداتهم ومعاملاتهم، أما مع الولاة والحكام، فهم عادة في غاية التساهل ومنتهى الترخيص. فالحاكم عندهم مهما فعل ومهما قال، ومهما أساء وزاغ، سيوجدون له من التأويلات والأعذار والرخص أكثر مما يريد. فعلى العموم: هم خوارج ومداخل في آن واحد: هم خوارج أشداء وخصوم ألداء، مع جماهير الأمة وعلمائها وفضلائها، وهم مداخل (أو: مداخلة) أذلاء، مع حكامهم وطغاتهم وولاة نعمتهم.

الاندحار: مظاهره وأسبابه

الإسلام السعودي الذي انتشر وازدهر خلال نصف القرن الماضي، دخل منذ بضع سنوات مرحلة التذبذب والذبول والانكماش، ثم انتقل في الآونة الأخيرة إلى مرحلة متقدمة ومتسارعة من الأفول والاندحار.

أما المظاهر، ورغم أن الأمر معلوم وظاهر، فأذكر منها:

1. العزوف والنفور لدى الجمهور السعودي، ولدى الشباب منهم خاصة، من هذا النمط الفكري المنغلق المتشدد المتنطع من جهة، والمحابي للظلم والفساد من جهة أخرى. فالمثقفون والشباب اليوم أصبحوا يبحثون عن دينهم، ويلتمسون تدينهم، خارج النموذج الوهابي المسَعوَد. وهذه ظاهرة معروفة جداً لدى من يعيشون داخل المملكة السعودية، أو يعاشرون السعوديين ويستمعون إليهم. ففي السعودية الآن تنتعش المذاهب الفقهية والصوفية والفكرية، التي تمت إبادتها وحظرها من قبل...

2. ما تحدثت عنه وسائل إعلام وشهود عيان مؤخرا، من قيام بعض الملحقيات الثقافية السعودية بإحراق أطنان من الكتب التي ظلت السعودية تطبعها وتوزعها عبر العالم، مثل مؤلفات ابن تيمية، وموسوعة الدرر السنية في الأجوبة النجدية ونحوها. لقد أصبح المسؤولون السعوديون في ورطة وحرج مع منتوجاتهم وبضاعتهم.

3. ما ذكره وزير الخارجية السعودي مؤخراً في تصريح لقناة روسيا 24، من أنهم عزلوا الآلاف من الخطباء وأئمة المساجد، بسبب تطرفهم، وأن الدولة بصدد إدخال تغييرات جذرية شاملة على مقررات التعليم، لتخليصها من التطرف...

وكيفما قرئت هذه التصريحات وهذه الإجراءات، فإنها تدل على فشل ذريع وإفلاس كبير.

وأما أسباب هذا الاندحار، فمنها:

1. موقف السعودية من الربيع العربي؛ حيث إنها قد وقفت ضده بشكل مطلق وصارم، منذ الوهلة الأولى. فهي التي ناصرت بنعلي حتى الرمق الأخير، ثم آوته بعد انهزامه وفراره. وهي التي ناصرت حسنى مبارك بشكل جنوني، قبل الإطاحة به وبعدها. وهي التي دبرت ومولت - مع حاكم أبوظبي - الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر. وهي التي أحبطت الانتفاضة الشعبية اليمنية...

2. الدخول في عداوة وحرب استئصالية ضد الحركات الإسلامية السنية، التي يسمونها بالإسلام السياسي. وهذا أيضاً يجري بتحالف مع حاكم أبو ظبي. وقد وصل الأمر إلى حد التصنيف المعلن أو غير المعلن لكثير من الشخصيات وللحركات والهيئات الدعوية والعلمية والخيرية الإسلامية، على أنها إرهابية، بما فيها تلك الموجودة والعاملة في دول "شقيقة وصديقة"، كالولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والكويت وقطر وتركيا.

3. انهيار المصداقية العلمية والأخلاقية للمؤسسات الدينية والعُلمائية في المملكة السعودية، نظراً لمواقفهم المتناقضة، وتبعيتهم المطلقة للسياسة الرسمية السعودية. ومن آخر غرائبهم في هذا الباب: قضية التحريم والتحليل لسياقة المرأة للسيارة، وكذا التصريح المقرف، الذي صدر عن الشيخ عبد الرحمن السديس إمام الحرم المكي، حيث اعتبر السعودية والولايات المتحدة الأمريكية، تقودان العالم على طريق الأمن والسلام... وقد رد عليه شيخ علماء الهند العلامة الكبير سيد سليمان الندوي رداً شديداً سماه: "الموقف الصريح فيما قاله السديس من المديح القبيح".

4. اشتداد القمع والظلم والبطش، ليس فقط ضد ذوي الأفكار المتميزة أو المستقلة، بل بشكل عشوائي وغير مفهوم في كثير من الحالات، وقد اعتقل أو اختطف كثير من الموالين والمؤيدين وأركان الدولة المخلصين... حتى قال الأستاذ جمال خاشقجي مؤخراً: لم يعد أحد آمناً في السعودية. وهو نفسه كان من أبرز المدافعين عن آل سعود وسياساتهم، على مدى عقود، ولكنه اليوم فار بجلده، لا لشيء سوى أن الاعتقالات لم يعد لها سبب واضح ولا منطق معلوم.