دعوة » مواقف

صحافة السعودية تتجرَّد من مهنيتها.. إساءة "للشافعي" و"القرآن الكريم"

في 2019/01/17

الخليج أونلاين-

لا تختلف الكاتبة السعودية، وفاء الرشيد، عن زملائها الكُتاب بصحف المملكة في خطّ مقالاتها؛ التي تصدح بالتعظيم لقيادة البلاد والوقوف خلفها ودعمها ووسم من يعارضها بـ"العدو الباحث عن الخراب".

وهذا بطبيعة الحال أمر متوقّع في بلد تواجه حكومته مخالفيها في الرأي بعقوبات تصل إلى القتل، وأقلّها السجن لفترة محدودة تتضمّن أبشع وسائل التعذيب، بحسب ما تذكر تقارير دولية متخصّصة.

وفاء الرشيد، الحاصلة على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، كاتبة معروفة في صحيفة "عكاظ" السعودية، تجرّأت في أحد مقالاتها الأخيرة لتتجاوز على الإمام محمد بن إدريس الشافعيّ، ثالث الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة، وصاحب المذهب الشافعي في الفقه الإسلامي، ومؤسّس علم أصول الفقه، والإمام في علم التفسير وعلم الحديث، وقد عمل قاضياً، وعُرف عنه العدل والذكاء.

ففي مقالها المعنون: "هل نجرؤ على أن نجدّد الفكر الديني؟"، المنشور في 24 ديسمبر الماضي، تساءلت الكاتبة السعودية قائلة: "ماذا أقول لكم دون أن يُخرجني البعض من الملّة؟ كيف أجرؤ أن أدخل وأناقش موضوعاً ملحّاً لا نستطيع أن نسمّيه بغير أسماء؟ كيف أسأل ذلك العقل الذي لا يزال يتّكئ على فكر الشافعي وغير الشافعي في القرن الحادي والعشرين، عقلٌ يعيش أزمة نوعية خطيرة لا يجب السكوت عنها".

الكاتبة السعودية أشارت إلى أن "هذه كانت سطور المفكّر الجزائري الحاج دواق"، مؤكدة اعتقادها بما ذهب إليه هذا المفكّر، لتنشره في مقالها ويطّلع عليه من الملأ من لم يطّلع مسبقاً على هذا الرأي الذي تؤكّد الكاتبة صوابه.

وأضافت أن "الشافعي مثلاً، الذي ينتمي إلى شرطية تاريخية محدودة بزمن وأحوال حاوطته؛ وهي شرطية القرن التاسع للميلاد، وليس القرن الحادي والعشرين، الشافعي الذي بفكر ناسه ووفق زمانه ووعيه وأدواته الاجتهادية المحدودة بنى متناً على متنٍ في ذاك العصر، فلماذا نحن اليوم لا نبني متننا على متن؟".

رأي الكاتبة، على الرغم من مرور أكثر من 20 يوماً على طرحه في مقالها بجريدة هي من بين أكثر الجرائد انتشاراً في المملكة، لم يجد من يرد عليه سوى كاتب واحد زميل لذات الكاتبة.

نجيب يماني، الكاتب في جريدة "عكاظ" أيضاً، يبدو أنه الوحيد بين الكتّاب والعلماء في السعودية من استفزّه هجوم مواطنته الكاتبة، الذي شنّته على واحد من أبرز علماء الإسلام.

يماني طرح عدة أسئلة رداً على الكاتبة الرشيد، في مقال حمل عنوان: "أدوات الإمام الشافعي الاجتهادية محدودة.. أيّ جرأة هذه؟!"، المنشور في 14 يناير الجاري.

وتساءل: "ما هي ماهيّة هذا الخطر الماحق والمُحدق الذي يتربّص بمن يتّكئ على فكر الشافعي وغير الشافعي في القرن الحادي والعشرين؟ ما هي ماهيّة هذه الأزمة النوعية الخطيرة التي تستوجب عدم السكوت عنها؟".

وزاد تساؤلاته: "هل لعاقل قرأ سيرة ومنجز الإمام الشافعي بوسعه أن يقول بمنتهى المجانية إن وعيه وأدواته الاجتهادية كانت محدودة؟".

- علماء السعودية.. لا ردّ!

عند البحث فيما يتعلّق بما كتبته الرشيد لم يظهر أكثر من ردّ نجيب يماني، وهو ما يطرح تساؤلاً مفاده: هل يماني هو السعودي الوحيد الذي يخالف في الرأي ما ذهبت إليه الرشيد؟ وما هو رأي العلماء والدعاة والفقهاء الذين يخطبون في الناس عبر منابر المساجد في المملكة، ووسائل إعلامها ومواقع التواصل فيها؟

الكاتبة السعودية، وللتعرّف أكثر على طريقة تناولها للأحداث في بلادها والمنطقة والعالم؛ من خلال ما تطرح في مقالاتها، يتّضح جلياً أنها تقول بما تعتقده الحكومة السعودية لا أكثر.

فقد تناولت -على سبيل المثال- قضية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي باستخفاف بعيد جداً عن مهنيّة الصحافة وأسلوب الكتابة الجاد، وبعيد أيضاً عن البعد الإنساني للقضية وتأثيراتها على أسرة الفقيد ومحبّيه، رغم بشاعة الجريمة التي اعترفت السلطات السعودية بتنفيذها في قنصليّتها بمدينة إسطنبول التركية، في أكتوبر الماضي.

ففي مقال سابق لها بالصحيفة ذاتها، نُشر في نوفمبر الماضي، تحت عنوان "الدنيا مقلوبة!"، بدا واضحاً من خلال تذييل العنوان بعلامة تعجّب أن لا شيء يستحقّ كل هذه الضجّة حول اغتيال خاشقجي، من وجهة نظر الكاتبة.

وافتتحت مقالتها بلهجة محلية ساخرة: "إيش فيه!... يا ناس الدنيا مقلوبة؟ خاشقجي! خاشقجي مختفي! خاشقجي مات! الهجوم الإعلامي على البلاد! لا.. مؤامرة خارجية مؤقتة! (يبغو فلوس) الكره الممنهج من ناس ظنناهم أصدقاء! لا.. مدفوع لهم يكرهونا! هما كذا يكرهوا كل الناس. التشفي من دول كنا لها عوناً طوال سنين! لا..سيبكم من هذا كله، ما علينا".

بذلك، فهذه الكاتبة تؤكّد سيرها خلف ما تقول حكومة بلادها دون التفكير بصحته، على الرغم من وجود فضاء مفتوح يسمح بالوصول للحقيقة في وقت قصير ودون أي جهد باعتماد مصادر أخبار خارجية.

- المخالفون لهم السجون والموافقون يكتبون ما يشتهون!

دعم الإعلام لرأي الحكومة أمر مفروغ منه في البلدان التي تجرّم الفكر المعارض. وهذا واضح في بلد مثل السعودية، التي تضمّ سجونها عدداً كبيراً من معتقلي الرأي، بينهم نساء يتعرّضن لتعذيب بشع، بحسب ما تؤكد تقارير منظمات دولية، منها منظمة "هيومن رايتس ووتش".

ففي تلك السجون يقبع العديد من العلماء والدعاة؛ أبرزهم سلمان العودة، وسفر الحوالي، وعلي العمري، ومحمد موسى الشريف، وعلي عمر بادحدح، وعادل بانعمة، والإمام إدريس أبكر، وخالد العجمي، وعبد المحسن الأحمد.

أيضاً تضمّ السجون العديد من الناشطات؛ أمثال لجين الهذلول، وإيمان النفجان، وعزيزة اليوسف، فضلاً عن الناشطة المعروفة المدافعة عن حقوق المرأة هتون الفاسي، التي اعتُقلت في يونيو الماضي؛ بعدما كانت تخطّط لاصطحاب صحفيين في سيارتها للاحتفال بنهاية الحظر الذي كان مفروضاً على قيادة المرأة للسيارة، الذي ظل مدة طويلة يُعتبر رمزاً للقمع في المملكة المحافظة.

- صحيفة مكة.. إساءة بشعة

عدم المحاسبة، أو الرد في أقل تقدير، على تجاوز الكاتبة السعودية على الإمام الشافعي، من قبل علماء أو جهات حكومية، قد يُحسب بأنه أمر غير مقصود، أو أنهم لم ينتبهوا لهذا المقال في حال كان تجاوزاً وحيداً على رموز إسلامية.

لكن لا يمكن تفسيره بهذا الشكل بعد أن لحقت صحيفة "مكة" التي تحمل اسم أقدس مكان للمسلمين، بصحيفة عكاظ؛ لتتجاوز على أقدس مقدسات المسلمين؛ "القرآن الكريم".

ففي يوم الأحد 13 يناير الجاري، نشرت "عكاظ" كاريكاتيراً اجتزأ إحدى صفحات القرآن الكريم، ووضع رسماً للنقود السعودية على موضع كلمة "القصاص" في آية: "ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب".

وعلى الرغم من التغريدات الساخطة على الرسم الكاريكاتيري المُهين، لم تحجب الصحيفة الرسم، ولم تعلّق أي جهة رسمية حوله.

ومقالة الرشيد إلى جانب هذا الكاريكاتير تبعث بإشارة تفيد بأن الإساءة للرموز الإسلامية ليست لها أهمية في منظور الجهات الحكومية، أو حتى المؤسسة الدينية.

لكن ما تحاسب عليه الجهات الحكومية هو ما تعتبره إساءة للحكومة، ورغم الضجة التي أحدثها الكاريكاتير والغضب المتصاعد لم تتدخل السلطات حتى الآن، رغم تدخّلها في حوادث سابقة، لكن لم تكن تخص الإساءة للقرآن، بل كانت من أجل مواقف سياسية.

ففي أكتوبر 2018، حاكمت المحكمة الجزائية السعودية المتخصصة رسام كاريكاتير سعودياً؛ بسبب رسمه 100 عمل تضامناً مع ما قالت إنها "دولة معادية للسعودية وحكومتها" مقابل مبلغ مالي.