الخليج الجديد-
حملت الزيارة المفاجئة لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، عدة رسائل؛ إذ فسرها مراقبون بأنها محاولة لتحسين السمعة وصرف الأنظار داخلياً وخارجياً عن سياساته التي توصف بـ"القمعية" والانتهاكات المتهم بالتورط بها في اليمن، إضافة لموجة "انفلات" غير مسبوقة أدخلها على المجتمع السعودي.
وصباح الثلاثاء (12 فبراير)، فوجئ رواد مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية، بحملة ترويج واسعة لظهور بن سلمان داخل الكعبة وصعوده فوقها، متسائلين عن سبب زيارته تلك.
وصعد وسم "محمد بن سلمان في الحرم المكي" ضمن قائمة الأكثر رواجاً في السعودية خلال ساعات قليلة فقط، وتباينت التعليقات ما بين منتقد له ومشيد به.
فمن النشطاء من اعتبره "فاسقاً فاسداً" ولا يحق له زيارة الكعبة، ومنهم من رأى أنه يهتم بشؤون المسلمين وشعبه.
#محمد_بن_سلمان_في_الحرم_المكي
— نورة الحربي (@n_alharbi12) February 12, 2019
واحد من أرذل البشر فوق أطهر المكان
اي اسلام هذا؟؟
تمنع المسلمين من زيارة بيت الله الحرام و الطواف حول الكعبة و تحوله الى معسكر
ليدخل فاسق فاسد في الكعبة!! pic.twitter.com/xVdZCgPynS
وعن هذه الزيارة، قالت صحيفة "سبق" السعودية، إن "زيارة الفجر المفاجئة" لولي العهد كانت ختاماً لما أطلقت عليه "جولة اليومين المكوكية"، والتي تضمنت زيارة أماكن عديدة، والاطمئنان على مشاريع تشرف عليها السعودية في الفترة الأخيرة.
حفلات تحيط بالحرمين
وأثار إعلان هيئة الترفيه، نهاية يناير الماضي، السماح لجميع المطاعم والمقاهي في المملكة، ومن بينها تلك التي في مكة والمدينة، بإقامة فعاليات فنية تتضمن الغناء والموسيقى، جدلاً واسعاً بين رواد تلك الأماكن التي تشهد تغييرات متلاحقة بالتزامن مع انفتاح على الفنون تعيشه البلاد المحافظة.
وعبر وسم "#الشعب_يقاطع_مطاعم_الموسيقى"، في موقع "تويتر"، عبر سعوديون عن رفضهم، في حين أيد آخرون هذه الأفكار.
وفي مكة، تسبب انتشار مقاهي الشيشة "النرجيلة" في منطقة الجعرانة بسخط زوارٍ ومعتمرين قادمين من داخل المملكة وخارجها لزيارة تلك المنطقة التي تحتضن أهم المساجد التاريخية والأثرية، ومن ضمنها مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، المعروف بـ"مسجد الجعرانة".
وذكرت صحيفة "سبق" السعودية، أمس الجمعة، أن سكان الجعرانة الواقعة في الشمال الشرقي لمكة المكرمة يشتكون من تضرّرهم من جراء وجود مقاهي الشيشة التي تحتل المدخل الرئيس للمركز.
ونقلت الصحيفة عن السكان قولهم: "هذا ترك انطباعاً سيئاً لدى الزائر؛ لكونها تقع على مشارف مسجد الرسول الكريم، الذي يبعد عن الحرم المكي الشريف 25 كيلومتراً؛ إضافة إلى ما تشكّله من تجمّعات شبابية وبقائهم حتى ساعات متأخرة من الليل".
وطالب السكان السلطات السعودية بضرورة إزالة تلك المقاهي الشعبية التي تركت انطباعاً سيئاً لدى الزوار من خارج المملكة؛ لكونها تقع على جنبات المدخل، وهي أول المشاهد التي تقع أعين الزوار عليها، بحسب الصحيفة.
زيارة تلميع
وبدت هذه الزيارة محاولة جديدة من بن سلمان لكسب قلوب السعوديين والمسلمين في العالم، بعد تشوه سمعته إثر تورطه في جريمة قتل جمال خاشقجي، والتقارير الدولية التي تبين ارتباطه الوثيق باغتيال الصحفي السعودي، فضلاً عن جرائم الحرب اليمنية التي تتورط بها بلاده بدرجة كبيرة.
وفي الآونة الأخيرة طالبت دول عربية وغربية السعودية بالتوقف عن الممارسات ضد المعتقلين السعوديين والمعارضين في المملكة، ولم يتوقف الأمر على ذلك، إذ إن هناك من طالب بمحاكمة بن سلمان وإزاحته من الحكم.
وينتهج بن سلمان أسلوبين خلال حكمه الذي بدأه منذ العام 2015، أولهما صرف انتباه السعوديين عن واقعهم عبر "الانفتاح" الذي صنفته تقارير بـ"انفلات" غير مألوف على المجتمع المحافظ في المملكة.
إذ دعا مشاهير نجوم الموسيقى عالمياً، وبدأ ببناء مدينة ترفيهية جديدة قرب الرياض حجمها ثلاثة أضعاف حجم "وولت ديزني" الأمريكية، وتطوير صناعة سياحية يمكن أن تفتح السعودية لأول مرة أمام ملايين الزائرين الأجانب، وفق ما قالت الكاتبة الأمريكية كارين أليوت، في مقال لها بصحيفة "وول ستريت جورنال".
وبينت أليوت أن أسلوب بن سلمان الآخر هو "القمع"، فإذا كان ولي العهد يعطي بيد فإنه يأخذ بالأخرى، على حد تعبيرها.
ونتيجة لـ"إصلاحات" بن سلمان المتعجلة- تقول الكاتبة- انهار الإنفاق الاستهلاكي للسعوديين على مدى العامين الماضيين، كما دخل القطاع الخاص في دوامة من الترنح.
هذه السياسات والتغييرات دفعت لتوجيه انتقادات كبيرة للسعودية، ووصف الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ علي القره داغي، الانفتاح في مجال إقامة الحفلات الفنية والترفيه بـ"الفجور"، منتقداً علماء الدين السعوديين الذين يساندون القرارات الحكومية الداعمة لإقامة هذه الحفلات والمناسبات.
وإثر سياسات بن سلمان، تصدرت السعودية عناوين صحف العالم، وكتبت العديد من الصحف الشهيرة والكُتّاب المرموقين، للتنديد بممارسات ولي العهد السعودي، مطالبين بوقفها.
وأجمع عدد كبير من الصحف والكُتّاب على أن سياسات بن سلمان أبعدته وحاصرته وخلقت فجوة بينه وبين المسلمين في العالم، وغيرهم من الشعوب التي باتت تعرفه بسوء أعماله، وإصراره على المواصلة بها دون الاعتراف بالأخطاء والجرائم المتركبة سابقاً.
وولّد بن سلمان، من خلال ممارساته ضد الشيوخ السعوديين الذين اعتقلتهم السلطات السعودية، الكره والحقد تجاهه في نفوس الكثير من المسلمين، إذ إنه من خلال اعتقال المئات من هؤلاء الدعاة الذين كسبوا قاعدة جماهيرية كبيرة خالف مبادئ وقيم السعودية التاريخية.
وسلطت صحيفة "نيويورك تايمز"، في تقرير لها الثلاثاء (12 فبراير) من منطقة العلا بالسعودية، الضوء على جهود الرياض الساعية إلى إبراز المملكة باعتبارها وجهة سياحية جديدة، مستندة في ذلك إلى رؤية بن سلمان، لكنها اعتبرت أن تلك الجهود تصطدم بقمع سياسي يمارسه ولي العهد ويستهدف به خصومه ومنتقديه، وهو ما جعل الغرب ينفر منه.
وفي منطقة العلا السعودية، حضر في مطلع فبراير الحالي، قرابة 3 آلاف شخص فعاليات نهاية الأسبوع في مهرجان شتاء طنطورة، حيث أقيمت حفلات غنائية وموسيقية راقصة، وذلك ضمن الفعاليات التي انطلقت في 20 ديسمبر الماضي وتستمر حتى 23 فبراير الحالي، والتي تعتبر سابقة في تاريخ المملكة.