الخليج أونلاين-
قال الشيخ عبد الفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة التونسية، إن الأزمة الخليجية تمثل "حصار الإخوة للإخوة"، في إشارة إلى الحصار الجوي والبحري والبري الذي فرضته السعودية والإمارات والبحرين ومصر على دولة قطر منذ يونيو 2017 حتى الآن.
ورحب مورو بحراك الجزائريين، معجباً بالتزامهم بالسلمية، كما نفى علمه بأية اتصالات بين حزبه ودولة الإمارات.
وعبد الفتاح مورو من مواليد العاصمة تونس عام 1948، محام وأحد القادة التاريخيين في حركة النهضة التونسية (حزب إسلامي)، نائب عن الحركة ونائب أول لرئيس مجلس نواب الشعب منذ 4 ديسمبر 2014، مشهور بأفكاره التجديدية وتصريحاته "المنفتحة والمثيرة للجدل".
لن نسمح للإمارات ولا لغيرها بالتدخل
وأكّد مورو، في حوار خاص مع موقع "الخليج أونلاين"، أنه لا علم له بأية اتصالات جرت بين حزبه وبين دولة الإمارات، مشدداً على أن الشأن التونسي غير مرتبط بأي قوة سياسية خارجية، والوضع الداخلي لا تتدخل فيه دولة أجنبية، لأن إدخال هذه القوى لتصبح هي صاحبة القرار المؤثّر في محطة هامّة كالانتخابات، يعتبر تخلّياً عن السيادة الوطنيّة.
وعن التحذيرات الدائرة في تونس من تدخلات الإمارات في الانتخابات الرئاسية القادمة، لفت مورو إلى أنّ "كلّ طرف يريد التدخّل في شأننا الدّاخلي يمثل خطراً علينا جميعاً ولا ينبغي القبول به".
وفي عام 2014 أهدت دولة الإمارات سيارات مصفحة لحزب حركة نداء تونس الذي يتزعمه رئيس البلاد الباجي قائد السبسي، وذلك من أجل حمايته وفريقه الأمني.
وعلق مورو على ذلك بالقول: "طبعاً لن نقبل بهذا الوضع، ولا أرى أن من الاحترام أن يشارك أحدهم في الانتخابات ويقول إنه مدعوم من الإمارات أو من غيرها، نحن لسنا ساحة خلاف عالميّ، ولا نريد جعل بلادنا ساحة تطاحن بين قوى دوليّة، إذا كان هنالك من يريد مساعدتنا فهذا مقبول ما دام أنه لم يخرج عن إطار التعاون الدّولي، أما أن يكون التعامل مع أطراف سياسية على حساب أطراف سياسيّة أخرى فبهذا نكون كمن يريد "لبننة" البلاد"، أي جعلها كلبنان.
وأشار إلى أن تلك السيارات وجّهت لرئيس الدّولة وهو الذي يتحمل مسؤولية في ذلك، "وأنا أردت أن يُفتح تحقيق في ذلك حتى تتضح حقيقة هذه الهدايا وخلفياتها، أما اليوم فأنا أحذّر من أي شكل من أشكال التعاون مع أي طرف أجنبي كان، فقد قمنا بثورة لتلافي الوصاية من حاكم داخليّ، فكيف نرفع الوصاية الداخلية ونضع بدلاً منها وصاية خارجيّة؟".
وقال البرلماني التونسي: "لم أتوقّع أن تسفر القمّة العربية عن شيء مطلقاً، فالعرب الآن ليس لديهم إلا الانشغال بأنفسهم، وبتكوين تحالفات جديدة بعضهم ضد بعض، وهذا خطير جدّاً. في السابق كانت تقع بيننا خلافات، ومن ثم أنشأنا هذه الجامعة لحل الخلافات، ولكن هذه المهمّة لم تعد هي المهمّة الرئيسيّة التي تجمعنا، إلى ذلك فإنني لم أنتظر من القمّة إصدار قرارات بالشكل الذي انتظرناه نحن العرب".
وأردف أنّ "التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي والخلافات الدّاخليّة "تنهش العرب"، وخاصة هذا الانقسام الذي حصل في الخليج"، معتبراً حصار قطر "حصار الإخوة للإخوة، وهو انقسام مؤسف في الحقيقة ولا مبرّر له، ويمكن حله بشجاعة الذين يقودون بلادهم، ولكن الجامعة العربية لا سلطة لها لكي تتجاوز الإرادات الفرديّة للبلدان المتخالفة، وعليه فإن الاجتماع كان اجتماعاً صوريّاً ودبلوماسياً فقط".
سلمية احتجاجات الجزائر
وبحسب مورو فإن الشأن الجزائري شأن خاصّ، "ولكن ما نرغبه وأرغبه شخصياً هو الاستقرار في الجزائر على المستوى السياسي والمؤسساتي، خاصة أنّ الوضع الاقتصادي للدول المنتجة للبترول سيّئ، والجزائر منها".
وأسهب بالقول: "ما شدّني في الشعب الجزائري التزامه بالسلمية في طريقة التّعبير، وهذا إيجابيّ جداً، خاصّة أن الجزائر عرفت في عشرية التسعينيات آلاماً كبيرة أودت بحياة الناس، ما يحدث اليوم إيجابي جداً بالنسبة لي".
وتابع حديثه لـ"الخليج أونلاين": "ما نراه اليوم في الجزائريين هو الالتزام في التعامل بين الأطراف المختلفة، والدولة الجزائريّة آخذة في الاستيعاب، وهذا إيجابي جداً".
وفي سياق متصل أضاف مورو: "الرئيس بوتفليقة في وضع صحّي لا يسمح له بأن يكون المسيّر لدفّة البلاد، ونحن نشكّ في أن يكون تأخير موعد الانتخابات هو قراره الشّخصي، وإنّما هو قرار من الإدارة التي حوله، وهي صاحبة القرار، ويجب أن تدرك هذه الإدارة أن الشعب الجزائري يرغب في ألا يموّه عليه".
لا أؤيد أي نظام
وأوضح مورو، الذي يشغل نائب رئيس البرلمان التونسي، أنّ "الوضع السوري ليس واضحاً، وهو ما زال في مرحلة التجاذب بين روسيا وإيران من جهة، وبين أمريكا وحلفائها من جهة أخرى، والترتيبات لعملية الانتقال من حالة الحرب إلى حالة السلم ليست واضحة إلى الآن. أما عن العلاقات التونسية السوريّة فهي مهمّة رئيس الدولة ووزير خارجيّته".
وأردف أنّه "كحركة سياسيّة، ما يلزم دولتنا يلزمنا، ونحن نحترم قرارات الدّولة ولا خروج لنا عنها"، مبيناً: "أنا لا أؤيّد أيّ نظام شعبه هو الذي ينتقده، وما أستطيع انتقاده أنا هو الأنظمة التي تفرض نفسها على شعوبها، فهذه أنظمة التعامل معها مقلق، واليوم نحن مرغمون والنظام الدّولي هو الذي أرغمنا على أن نتعامل مع كلّ الأنظمة، وأؤكّد أننا لا نمدّ يدنا إلى من لم يتصالح مع شعبه".
إعدامات مصر
وعن الشأن المصري، قال مورو لـ"الخليج أونلاين": "قاعدتنا الشاملة الآن هي عدم التدخّل في شؤون أي دولة، وأنا ضد الإعدامات التي جرت مؤخراً في مصر، ولا يمكنني أن أؤيّدها، وأنا لا أؤيّد الإعدامات في شكلها العام ولا في شكلها السياسيّ، إذ لا تُحلّ مشاكل السياسيّين من خلال القتل".
وأضاف: "نحن ندعو النظام المصري إلى التريّث فقط، وإلى استقراء عواقب مثل هذه التصرفات غير المحسوبة، وأؤكّد أن مصر خسرت شبابها بهذه الطريقة، وأنّه على النظام هناك أن يتصالح مع شعبه؛ لأنه إذا خسر شعبه فإنه خسر شرعيّته".
وأشار القيادي في حركة النهضة أيضاً (المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين): "لم يعد في مصر إخوان مسلمون، لم يعد هنالك لا قائد ولا شعب، فالكلّ إما في السجن أو في التهجير القسري، وأقول إن حركة الإخوان اليوم يجب أن تعيد النّظر في أساليبها".
مراجعات أم تراجعات
وذهب مورو، المنحدر من خلفية إسلامية، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إلى أن كل حركة مطالبة بمراجعة، "ونحن حركة (النهضة) يصنعها واقعها، ويجب أن تتناغم مع واقعها، وليس لها من دون ذلك حل"، مؤكداً أنها "مراجعات لا تراجعات"، معللاً بالقول: "لأنه في غياب المراجعة يتعاظم الخطأ، ولا ضير لدينا نحن كحركة سياسيّة من القول إننا أخطأنا فقمنا بمراجعات".
وعن إمكانية تكرار ما حدث بمصر في تونس، أكّد الشيخ التونسي أنه "في ذلك الوقت (قبل الثورة التونسية) كان النظام عتيداً وفاشياً، والوقت الآن مختلف، اليوم نحن شعب واعٍ لا يمكن أن يتقهقر إلى الوراء من جديد، في مصر الجيش صنع الدولة وليست الدولة هي من صنعت الجيش، لذلك فإن الأمر ما زال بيده وما زالت قبضته حديديّة".
رئاسة وانتخابات وتخوف
وعن العراك السياسي الحاصل بين الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، ورئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد، قال مورو لـ"الخليج أونلاين": إنها "مؤسفة؛ لأنها تضعف الدّولة وتهزّها، وتربك القرار السياسي، خاصة عندما تكون معركة دائرة بين شخصين من نفس سياسي واحد"، مرجعاً سبب ذلك إلى أن "مؤسسات الدولة التونسية لم توضّح بيد من تكون السلطة، فتقسيم السلطة بين شخصين يؤدّي عادة إلى مثل هذه الخلافات".
وأضاف أنّه "من حق أي شخص (يوسف الشاهد) تأسيس حزب، وأتمنّى على حزبه أن يكون قويّاً بالشكل الكافي ليساعد على الوئام في البلاد"، لافتاً إلى أنّه إذا ترشح وفاز في الانتخابات القادمة فقد اختاره الشعب، "وهذا لا يقلقني شخصياً ما دام حاكماً محبوباً ينتخبه النّاس".
وكشف مورو أنه "حتى الآن لم نفكّر بترشيح شخص معين لانتخابات الرئاسة، ولكنني أظنّ أن حركتنا لن ترشّح أحداً، وهذا الذي فهمته، خاصة أن موعد الانتخابات اقترب، وما زلنا لم نرشّح أحداً إلى الآن".
وأشار إلى أن حركة النهضة لا تتخوف من خوض الانتخابات الرئاسية القادمة في تونس، إنما لديها هواجس من عزوف الناس عن المشاركة في التصويت.
وبيّن مورو أن الشعب التونسي بأكمله اليوم آخذ في تحميل الحاكمين فيه المسؤولية عن الفشل الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه، وأصبح يرى أن الانتخابات هي مناسبة لحدوث معارك بين السياسيّين وليس سعياً لحل مشاكل البلاد.
ومن ثم فإنّ دور السياسيين يكمن في إشعار الشعب بأنه يبحث عن مصلحته، ولا يبحث عن المعارك الطاحنة بينهم وبين خصومهم السياسيّين الآخرين، ولأن هذا لم يحدث فإن ثقة الشعب اليوم بالانتخابات صارت ضعيفة، أنا لا أخاف من النتائج، وأبارك لكل من سيفوز حتى وإن لم نكن نحن، وفق تعبيره.
وعن النجاح باكتساب الانتخابات قال مورو: "هذا سابق لأوانه حقيقة، ولكنني سوف أسعد إذا صعدت حركتنا في الانتخابات القادمة وهي قادرة على تأطير النّاس وتنظيمهم وقادرة على تقديم حلول للواقع السيئ الذي نعيشه. أي حزب ولو نجح، إذا كان دوره المزايدة فلا خير فيه للناس".
هم يهود لا "إسرائيليون"
وعن تولي رجل الأعمال التونسي روني الطرابلسي، أحد أبناء الطائفة اليهودية بالبلاد، في سبتمبر الماضي، منصب وزير السياحة، اعتبر مورو أنه تونسي لديه خبرته في مجال السياحة.
واعتبر "ما يتمّ في حجّ (الغريبة) هو اتفاق ضمني بين تونس وبقية البلدان التي فيها يهود على استقبال هؤلاء اليهود ليحجّوا، ولكن ليس كإسرائيليين وإنما بصفتهم الدّينيّة، حتّى الحاخامات الذين يأتون من دولة الاحتلال يأتون باعتبار حقهم في ممارسة شعائرهم الدّينيّة".
وشدد مورو، في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أنّ "هذا ليس تطبيعاً؛ لأنه ليس فيه مدّ يد لـ"إسرائيل" وتعاون معها، نحن ليس لدينا مشكل مع اليهود، وأنا كثيراً ما زرت بيعات "الغريبة"، ولديّ علاقة "بالرّبّي" الذي يعتبر كبير اليهود، وكلّ هؤلاء تونسيّون".
ويرى مورو أنّ يهود تونس ليسوا أهل ذمة، فالذمة "نظام تاريخي، ونحن اليوم نخضع لنظام عالمي جديد نطبقه ويقوم على أساس المواطنة، واليهود مواطنون تونسيون، مواطنتهم ما تزال ناقصة ما داموا لم يتمتّعوا بعد بحقّهم في العمل بالإدارة التونسيّة، أما اليهود الإسرائيليون والذين يدعمونهم والذين يتعاملون معهم فهم خصوم لنا جميعاً".