الخليج أونلاين-
بعد تحريضات إماراتية ومصرية سابقة، أعلن عنها قادة الإمارات ومصر في وقت سابق من العام الحالي، تعود حكومتاهما لدعم الإسلاموفوبيا، ومعاداة المسلمين في أوروبا.
الجديد في هذا الموضوع كشف عنه تحقيق لقناة "الجزيرة" ضمن برنامج "ما خفي أعظم"، عُرض الأحد (20 أكتوبر الجاري)، تطرق فيه إلى تفاصيل وخفايا قائمة التصنيف الدولية للأفراد والمؤسسات، والمعروفة باسم "وورلد تشيك".
ووصل التحقيق إلى قاعدة البيانات والمصادر التي تعتمد عليها القائمة في تصنيفاتها، وأهمها تصنيف الإرهاب، وتضم أكثر من ثلاثة ملايين اسم.
التحقيق أظهر أن القائمة التي تضم مئات الآلاف من المسلمين اعتمدت -ودون تحقق- على قوائم الإرهاب التي أصدرتها جهات، منها "إسرائيل" والإمارات ومصر.
وتعتمد الشركة في مصادرها على مصارف عالمية كبرى وأجهزة مخابرات لدول مختلفة، إذ تستند أساساً إلى قوائم أنظمة عربية دون مراعاة هامش الديمقراطية والحرية فيها. وتستند أيضاً إلى مواقع الصحافة الصفراء التي تصدرها بعض الدول، ومن أبرزها تلك التابعة لـ"إسرائيل".
وتوصل فريق البرنامج، من خلال دخوله قاعدة بيانات الشركة عن طريق أحد عملائها، إلى أن مصادر التصنيف المعتمدة، معظمها روابط لمواقع إلكترونية، ومن ضمن المدرجة أسماؤهم في القائمة بتصنيف "إرهابي"، اللاعب المصري السابق محمد أبو تريكة؛ بناء على أخبار نشرتها مواقع إلكترونية مصرية يديرها النظام.
وتروج الشركة أن 49 مصرفاً من أكبر 50 مصرفاً عالمياً، تستخدم قاعدة بياناتها؛ وهو ما يعني سيطرتها على السوق عالمياً. ولفت نظر مُعدِّي البرنامج أن 25 ألف اسم تضاف إلى القائمة السوداء للشركة شهرياً، وعلى رأسها قائمة الإرهاب التي تضم مئات الآلاف من المسلمين.
وقد رُفعت على الشركة عدة قضايا بالمحاكم، كان أولاها لمسجد "فنسبيري بارك" في لندن، الذي فوجئ القائمون عليه عام 2014 بتجميد حساباته البنكية بتهمة دعم الإرهاب، فرفعوا قضية على الشركة، وتم الاعتذار وسحب اسم المسجد من اللائحة.
وأُدرج أيضاً اسم مركز "العودة" الفلسطيني في القائمة السوداء، وبعد رفع قضية عليهم تمت التسوية بين المركز ووكالة "طومسون رويترز"، التي تعد "وورلد تشيك" ذراعها التجارية، إذ عملت على توسيع بياناتها منذ شرائها عام 2005، لكن "رويترز" أعلنت عام 2018 عن بيع 55% من أسهم "وورلد تشيك" إلى شركة أخرى.
وكسب رئيس مركز العودة الفلسطيني في لندن، ماجد الزير، دعوى قضائية ضد الشركة بعدما صنفته بالخطأ ضمن قائمة الإرهاب.
يقول الزير إن الشركة اعترفت في ديباجة التسوية القضائية بأنها استقت المعلومات التي استندت إليها لتصنيف الناشط الفلسطيني ضمن قائمة الإرهاب، من دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ويشير إلى أنَّ وضعه على قائمة الإرهاب أضر بقدرة المركز الذي يترأسه على خدمة اللاجئين الفلسطينيين؛ بسبب إغلاق حساباته البنكية منذ سنوات، وعدم قدرته على جمع التبرعات.
بدوره أوضح المحامي فاروق باجو، المختص في قضايا الدفاع عن ضحايا "وورلد تشيك"، أن الشركة أحياناً تعتمد فقط على محركات البحث على الإنترنت كمصدر للوائحها، أو قائمة ترسلها الحكومات.
من جهة أخرى، اعتبر المستشار السابق في "وورلد تشيك" كينيث روجوك، أن أي قاعدة بيانات تجارية خارجية لأشخاص شديدي الخطورة يجب أن تعتمد على مصادر مفتوحة، كمقالات الصحف وقضايا المحاكم.
وذكر التحقيق أن فريق البرنامج تواصل مع إدارة الشركة، للاستفسار عن دورها الرئيس والمصادر التي تعتمدها، فكان الرد أن دورها الأساسي يتمثل في مكافحة الجرائم المالية، نافيةً أن تكون القوائم سرية، ومعللة ذلك بحق الأفراد في طلب نسخة من ملفهم الشخصي أو الاستفسار عن وضعهم بالقائمة.
ولا تنحصر قائمة "وورلد تشيك" في تصنيف الإرهاب، بل تشمل كثيراً من التصنيفات لأشخاص ومؤسسات مرتبطة بجرائم متنوعة، مثل: غسل الأموال والرشوة والفساد والخطف والاتجار بالبشر والجريمة المنظمة والقرصنة وتزوير الأموال والاتجار بالمخدرات والجرائم الإلكترونية والتلاعب بالأسواق المالية والجرائم البيئية وتهريب المهاجرين والعمل القسري، وكثير منها تهم يمكن إلصاقها بالمنظمات الإسلامية.
تحركات واسعة لمقاضاة الشركة البريطانية
المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، الذي يتابع تلك التصنيفات وتداعياتها، يقول رئيسه رامي عبده، إن هناك تحركاً واسعاً لجهات مختلفة من بنوك وشركات وشخصيات، لمقاضاة الشركة البريطانية.
وقال عبده لـ"الخليج أونلاين"، إن كثيرين من ضحايا هذه الشركة تقدموا للمرصد بشكاوى، وتم الاتصال بمكاتب محاماة بريطانية لاتخاذ ما يلزم في هذا الشأن.
وأضاف: "نشكل تحركاً حقوقياً مع منظمات حقوقية، لدراسة وقف الانتهاكات التي مارستها الشركة البريطانية"، مشيراً إلى أن ما مارسته شركة "وورلد تشيك" ينطوي على انتهاكات ومخالفة واضحة لحقوق الإنسان، ويمثل أيضاً مخالفة واضحة للعهود الدولية لحقوق الإنسان.
عبده أكد أنهم يسعون إلى تسليط الضوء من خلال تحركاتهم، على ما يحصل من انتهاكات تتعرض لها شركات وبنوك وأشخاص ومنظمات في الشرق الأوسط، مؤكداً أنهم يدرسون مع محامين وجهات حقوقية كيفية وقف هذه الانتهاكات.
وأعرب مدير المرصد الأورومتوسطي عن اعتقاده أن القائمة ستستخدمها أنظمة قمعية في الشرق الأوسط بشكل سيئ.
وأضاف: "هدف القائمة الربحي لا يعطي أهمية للأفراد أو المنظمات والشركات والبنوك وغيرها؛ لذلك تعمل على ضخ أكبر عدد من الأسماء"، مشيراً إلى أنها "تعتمد على مصادر غير واضحة وغير موثوقة".
دور إماراتي - مصري لتعزيز الإسلاموفوبيا
ومن شأن ورود اسم الإمارات ومصر في هذا التحقيق أن يعيد محاولاتهما التضييق على المنظمات الإسلامية والمساجد في أوروبا، حيث كررتا تحذيراتهما للغرب بأن من الضروري مراقبتها ومنع تخريجها "إرهابيين"، وهو ما عزز فكرة "الإسلاموفوبيا" هناك.
فقد أدت الإسلاموفوبيا دوراً كبيراً في السنوات الأخيرة داخل أوروبا وأمريكا، وفي حين سعت عديد من الدول الإسلامية إلى محاربتها، أسهم مسؤولون ونشطاء عرب؛ كان أبرزهم وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في تعزيزها.
بدأ التحريض الإماراتي على مسلمي أوروبا من خلال تصريحات لـ"بن زايد"، خلال ملتقى "مغردون" الذي عُقد بالعاصمة السعودية الرياض، في مايو 2017، حيث حذر الأوروبيين من وجود 50 مليون مسلم في بلادهم، ومن ضمنهم "يخرج إرهابيون ومتطرفون".
ويقول نشطاء عرب إن تلك التصريحات انعكست ضد مساجد المسلمين في أوروبا، حيث تبنتها بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة، في خطاباتها التحريضية على المسلمين، وهو الأمر الذي زاد من الاعتداءات عليهم، والتي كان أكثرها وحشية مجزرة مسجدي نيوزيلندا، بتاريخ 15 مارس الماضي، حيث قُتل فيها 49 مسلماً كانوا يؤدون صلاة الجمعة.
التحريض الإماراتي على مسلمي أوروبا لم يتوقف عند بن زايد، بل تجدد من خلال تصريح لوزير التسامح فيها، نهيان بن مبارك آل نهيان، لوكالة الأنباء الألمانية، في 15 نوفمبر 2017، من خلال ربطه تطرُّف بعض المسلمين في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا بعدم وجود رقابة كافية من السلطات على المساجد والمراكز الإسلامية.
وزعم آل نهيان حينها، أن "إهمال الرقابة على المساجد في أوروبا أدى إلى وقوع هجمات إرهابية هناك، ولا يجوز فتح المساجد ببساطة هكذا، والسماح لأي فرد بالذهاب إلى هناك وإلقاء خطب، ويتعين أن يكون هناك ترخيص بذلك".
وقال الوزير الإماراتي: "نعتقد أنه يتعين حدوث شيء في أوروبا؛ إذ إن تلك الدول كانت حسنة النية عندما سمحت لهؤلاء الناس بإدارة مساجدهم ومراكزهم الخاصة".
وطالب بتدريب القادة الدينيين من خلال الإمارات، وأن من الضروري حصولهم على تراخيص قبل إلقاء خطب بالمساجد، مشيراً في ذلك إلى أنه لا يمكن أن يذهب أحد في أوروبا إلى كنيسة ويخطب فيها ببساطة.
تحريض الوزير الإماراتي قوبل وقتها برفض حقوقي من المنظمة العربية لحقوق الإنسان (مقرها في بريطانيا)، والتي اعتبرته محاولة يائسة لتحويل المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية تخدم أجندات إماراتية.
وبينت المنظمة أن المساجد في أوروبا تخضع لأنظمة صارمة كبقية الجمعيات والمؤسسات هناك، وتحرص إدارة المساجد على أداء رسالتها وفقاً لتعاليم الإسلام السمحة.
وحذرت المنظمة دول الاتحاد الأوروبي من الاستجابة لطلب الوزير الإماراتي بتدريب الأئمة في دولة الإمارات، حتى لا تتحول المساجد في أوروبا إلى مراكز أمنية للتجسس تعمل لحساب أبوظبي.
ودعت حكوماتِ الاتحاد الأوروبي إلى إبعاد الإمارات عن الشأنين الإسلامي والعربي في أوروبا، معتبرة أبوظبي وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن جرائم في الشرق الأوسط أدّت إلى تفجير العنف والإرهاب.
السيسي على نهج الإمارات
تحريض الإمارات لم يكن وحيداً؛ فقد زاد منه حليفها، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حين أرجع الآخر ما سمّاه انتشار الإرهاب والتطرف، إلى غياب رقابة القادة الأوروبيين على المساجد، وعدم معرفة الخطاب الديني الموجّه إلى المسلمين فيها.
وحرَّض السيسي بشكل غير مسبوق، على مسلمي أوروبا، في تجمُّع دولي خلال مؤتمر ميونيخ للأمن، في فبراير الماضي؛ من خلال دعوته إلى عدم ترك المساجد دون رقابة، مع إصلاح الخطاب الديني.
وشدد على أن من الضروري "تضييق الخناق على الجماعات والتنظيمات التي تمارس الإرهاب، أو الدول التي ترى في غضّ الطرف عنه -بل وفي حالات فجة تدعمه- وسيلة لتحقيق أهداف سياسية ومطامع إقليمية".
نشطاء مسلمون في أوروبا اعتبروا أن دعوة السيسي قادة الدول الأوروبية إلى مراقبة المساجد في بلادهم تحريض على المسلمين، وسبب للاعتداء عليهم بين فترة وأخرى.