أوراسيا ريفيو | جيمس م. دورسي- ترجمة وتحرير الخليج الجديد-
وجه وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد في السعودية "عبداللطيف بن عبدالعزيز آل الشيخ" خطباء الجوامع والمساجد في المملكة بالتحذير من واحدة من أكبر الحركات الإسلامية بالعالم على أنها حركة ضالة ومنحرفة وخطيرة وبوابة للتشدد.
جاء هجوم "آل الشيخ" ضد جماعة "التبليغ والدعوة"، وهي حركة دعوية سنية متشددة منشأها جنوب شرقي آسيا، وعابرة للحدود، ومحظورة منذ فترة طويلة بالمملكة، ردا على احتفال أعضاء الجماعة بانتصار حركة "طالبان" في أفغانستان، وتوجيه انتقاد علني للإصلاحات الاجتماعية في المملكة، التي يقودها ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان".
وطلب حساب وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة على "تويتر" من الخطباء "إبراز أخطاء الجماع وخطورتها على المجتمع"، والتأكيد على أن السعودية تحظر أي "انتماء" لها.
ولكي نكون منصفين، شنت الوزارة ذاتها، الشهر الماضي، حملة مماثلة ضد تنظيم "السرورية"، أحد تيارات جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا، ومؤسسه رجل الدين الراحل "محمد سرور"؛ حيث أثر دمج هذا التنظيم بين أيديولوجية الإخوان السياسية والنقاء الديني للوهابية السعودية على رجال الدين الإصلاحيين البارزين بالمملكة.
ويعود تأسيس جماعة "الدعوة والتبليغ" إلى عام 1926 بالهند على يد الشيخ "محمد إلياس الكاندهلوي" المتوفى عام 1944، قبل أن تنتشر لاحقا في أغلب مناطق العالم الإسلامي.
وتصر تلك الجماعة على أنها دينية وروحية، وليست جماعة سياسية، ولا علاقة لها بالسياسة أو التشدد. ورغم أن ذلك دقيقا إلى حد كبير، لكن الجماعة فشلت في تفسير سبب انضمام عدد لا بأس به من شبابها على مدى عقود إلى الجماعات الإسلامية والجهادية أو ربطهم من قبل وكالات الاستخبارات بأعمال العنف.
وبتشجيعها على زهد المادة والرغبة في الحياة الروحية، يُعتقد أن لـ"جماعة التبليغ"، وهي تنظيم لا مركزي، أتباعا يصل عددهم إلى 80 مليونا في حوالي 150 دولة.
ولاحظ "ضحاك تنوير"، محرر صحيفة "ذا ميلي كرونيكل" الإلكترونية (مقرها بريطانيا)، والذي يقيم في السعودية، ويصف نفسه بأنه "مسلم تقليدي" مناهض للإسلاميين، أن استهداف التبليغيين جاء بعد إحياء تغريدة عمرها عام ينتقدون فيها خطط بلدية المدينة المنورة لإنشاء مركز تسوق به دور سينما وأماكن ترفيه على الطراز الغربي.
فقد أعاد تلك التغريدة المثيرة للجدل المفتي "محمد تقي عثماني"، وهو أحد أبرز علماء الدين الباكستانيين، وقاض سابق بالمحكمة العليا الباكستانية وعضو سابق في "مجلس الفكر الإسلامي"، وهو هيئة استشارية عينتها الدولة لضمان تطابق القوانين الباكستانية مع الشريعة الإسلامية.
ويرأس "عثماني"، أيضا، جمعية "وفاق المدارس العربية"، وهي أكبر تجمع للحوزات الدينية في باكستان مع حوالي 23 ألف مدرسة دينية مرتبطة بها. وتعكس عضويته في "مجمع الفقه الإسلامي الدولي"، ومقره مدينة جدة (غربي السعودية)، والذي يُدرس الفقه الإسلامي، صلاته بالسعودية. وكذلك هو الحال مع رئاسته للهيئة الشرعية لـ"هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية" (أيوفي)، التي تتخذ من البحرين مقرا لها، وتضطلع بإعداد وإصدار المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية.
ربما كان انتقاد "عثماني" لخطط بلدية المدينة المنورة لاذعا بشكل خاص؛ نظرًا لعلاقاته بالمملكة ومكانته كعالم.
ويأتي استهداف الدعاة المنتمين إلى التيار المحافظ بشدة في الوقت الذي يُسجن فيه رجال الدين الإصلاحيون السعوديون أو يُجبرون على الاختيار بين التزام الصمت أو السجن، بينما يتحول الموالون للحكومة منهم إلى المصادقة العلنية على سياسات "بن سلمان".
وقال "تنوير" إن إعادة "عثماني" للتغريدة المذكورة أثارت انتقادات واسعة للإصلاحات السعودية في صفوف مسلمي جنوب آسيا المحافظين، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارة، وتوسيع حقوق المرأة، وتخفيف القيود الاجتماعية، والفصل بين الجنسين، وزيادة الفرص المهنية للنساء.
وقال محلل باكستاني في مقابلة: "تعكس مشكلة تقي عثماني مع الإصلاح السعودي قلق العديد من رجال الدين الباكستانيين، الذين يعتبرون أنفسهم حصونا للإسلام، ولهم الحق في التصرف كأوصياء على العالم الإسلامي على اعتبار أن باكستان واحدة من أوائل الدول ذات الأغلبية المسلمة التي تشكلت. كما تهدد إصلاحات بن سلمان أيضا رعاية المملكة لرجال دين باكستانيين".
وقال "تنوير"، في مقابلة، إن حساسية وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بالمملكة كانت مدفوعة جزئيا بحقيقة أن "جماعة التبليغ"، التي وصفها بـ"المجموعة المؤثرة"، استمرت رغم الحظر المفروض عليها في جمع الأموال في المملكة، والالتقاء في منازل خاصة وغرف فندقية. ولم يخفِ معارضته لـ"جماعة التبليغ" والمذهب الديوبندي المحافظ المتشدد في الإسلام الذي يشكل نظرتهم للعالم.
وبدا المفتي "أكبر هاشمي"، وهو رجل دين هندي من "جماعة التبليغ"، وكأنه يؤكد قلق الوزارة السعودية في رد مباشر على الحملة التي نفت شرعية أسرة "آل سعود" الحاكمة في المملكة.
وقال: "لماذا تخاف السعودية من جماعة التبليغ؟.. لماذا؟.. الحكومة السعودية خائفة للغاية من أن الناس في المملكة المنتمين إلى حركة طالبان (جماعة التبليغ) قد ينتفضون ضد الحكومة.. أنا شخصيا أعتقد أنه ستكون هناك انتفاضة كبيرة.. تذكروا ما أقوله الآن.. سواء كنت حيا أو ميتا، فإن هذه الثورة ستحدث بالتأكيد، ولا سيما في السعودية. هذه الحكومة ستختفي قريبا".
وتعرض صفحة "هاشمي" على "فيسبوك" صورة لرجل الدين الهندي الذي اعتقلته السلطات الهندية مؤخرا "محمد كليم صديقي"، وعليها تعليق يقول: "ليس الحوار بين الأديان جريمة".
واعتقلت قوات مكافحة الإرهاب في ولاية "أتر برديش" عالم الدين "صديقي"، في سبتمبر/أيلول، للاشتباه في إدارته "أكبر نقابة دينية في الهند". ويُزعم أن مؤسسة خيرية بريطانية تساعد الأطفال والأيتام المحرومين في باكستان موّلت رجلين آخرين قُبض عليهما بتهم ذات صلة.
وسنّت العديد من المحافظات الهندية، بما في ذلك ولاية "أتر برديش"، قوانين مناهضة لاعتناق الإسلام، وذلك للتعامل مع تصفه بـ"جهاد الحب"؛ حيث تزعم أن الرجال المسلمين يغرون الهندوسيات بالزواج لدفعهم نحو اعتناق الإسلام. وساعدت نظرية المؤامرة تلك في تأجيج موجة من الإسلاموفوبيا المستوحاة من القومية الهندوسية في الهند.
وبعد شهرين، ساهمت "جماعة التبليغ" في الإسلاموفوبيا في الهند خلال الأيام الأولى لوباء "كورونا" عندما كان عدد حالات الإصابات في البلاد لا يزال بالآلاف وليس مئات الآلاف. ومع ذلك، تجمع الآلاف من التبليغيين في مقرهم في نيوديلهي، بما في ذلك القادمون من مناطق انتشار الفيروس في ماليزيا وإندونيسيا.
وقالت السلطات إن التجمع أصبح "ناقل فائق" للفيروس، زاعمة أنه مسؤول عن ثلث الحالات الإيجابية البالغ عددها 4 آلاف حالة في مارس/آذار 2020. ونتيجة لذلك، عُزل حوالي 25 ألفا من أتباع الجماعة ومعارفهم في 15 محافظة في غضون أيام من إغلاق السلطات للمقر. واتهمت وسائل الإعلام الرئيسية "جماعة التبليغ" بالإهمال، وحملت 200 مليون مسلم في الهند مسؤولية نشر الفيروس.
وانتشر وسم "#CoronaJihad" (أي جهاد كورونا) على "تويتر"؛ حيث أطلق مسؤولو حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي القومي الحاكم على التجمع الديني اسم "إرهاب كورونا"، ونصحوا الناس بعدم شراء الفواكه والخضروات من المسلمين.
وفي نفس الوقت تقريبا، ساهمت صلاة التبليغيين الجماعية في ماليزيا وإندونيسيا في انتشار فيروس "كورونا" في جنوب شرق آسيا. وبالمثل، فرضت باكستان الحجر الصحي على 20 ألف شخص في أبريل/نيسان 2020، وبحثت عن آلاف آخرين ممن حضروا تجمعا للتبليغيين بالقرب من مدينة لاهور.
وخرج 11 مواطنا سعوديا احتجزوا في حملة الحكومة الهندية العام الماضي على المشاركين في تجمع التبليغيين بعد دفع غرامة قدرها 130 دولارا لانتهاك التأشيرات التي تضمنت نشاطا تبشيريا غير قانوني وحضور تجمع ديني. ويشير استهداف الوزير السعودي للمجموعة إلى أنهم ربما لم يلقوا ترحيبا حارا بمجرد عودتهم إلى المملكة.