يوسف حمود - الخليج أونلاين-
يبدو أن الانتخابات البرلمانية الكويتية المرتقبة نهاية شهر سبتمبر الجاري ستدخل مرحلة جديدة يغلب عليها إثارة الجدل في بعض الخطوات والبرامج الانتخابية التي أعلنها المرشحون أو التي تطرحها أطياف سياسية ودينية مختلفة.
ولعل انتشار وثيقة أُطلق عليها اسم "وثيقة القيم"، بعد توزيعها على مرشحي مجلس الأمة، للتوقيع عليها، قد أثارت جدلاً واسعاً بين مؤيد ورافض لها، حيث تشير في بنودها الـ12 إلى التعهد بالالتزام بها عقب فوز المرشحين وتأييد المشاريع والقوانين الإسلامية التي يقدمها النواب.
ومن غير المعلوم ما إن كان الجدل السائر سيدفع الحكومة الكويتية لاتخاذ إجراءات توقف الجدل الثائر، بعد أن خلقت واقعاً جديداً يكشف عن حجم التنافس والضغوط التي يتعرض لها المرشحون للحصول على دعم الأطراف السياسية والدينية والاجتماعية في البلاد، خصوصاً مع اقتراب الانتخابات.
وثيقة تثير الجدل
منذ منتصف أغسطس وحتى اليوم، لا تزال الوثيقة التي أطلق عليها اسم "وثيقة القيم"، وتم توزيعها على مرشحي مجلس الأمة الكويتي للتوقيع عليها، تثير جدلاً واسعاً بين المرشحين ورواد منصات التواصل الاجتماعي في الكويت.
وأطلقت شخصيات كويتية الوثيقة التي يتعهد فيها المرشح الموقع بالالتزام بـ12 بنداً، أبرزها تأييد المشاريع والقوانين الإسلامية والقيمية التي يقدمها النواب في مجلس الأمة، ورفض العبث بقانون منع الاختلاط وتفريغه من محتواه.
وتتضمن الوثيقة رفض المسابح والنوادي المختلطة في الفنادق وغيرها، والعمل على تفعيل قانون اللباس المحتشم في الجامعة، وإضافة منع "سب الصحابة" إلى "قانون المسيء" في حال عدم إلغائه بالكامل.
وتشمل بنود الوثيقة أيضاً فتح خط ساخن مع "معدي الوثيقة" لإبلاغ النائب المتعهد أولاً بأول عما يقع من مخالفات شرعية وأخلاقية.
ويبدو أن الإسلاميين الذين يقفون خلف الوثيقة يُريدون تحويل وثيقتهم إلى شرط لدعم النائب المرشح، ففي حال وقع وتعهد بالالتزام بالوثيقة، فسيحظى بالدعم الشعبي للفوز، وفي غير ذلك لن يجري دعمه، وسيجري نشر قائمة بالموقعين عليها.
تأييد وتوقيع
حسب الباحث الكويتي عبد الرحمن النصار، فإن الوثيقة حصلت على تأييد 844 ديوانية من مختلف دوائر الكويت، داعياً جميع المرشحين الراغبين بالتوقيع إلى التواصل معه.
وأوضح الباحث الكويتي، أحد مطلقي هذه الوثيقة، أنه سينشر قائمة بالموقعين على الوثيقة قبل يومين من موعد الانتخابات.
كما أعلن عدد من المرشحين، عبر حساباتهم على منصات التواصل الاجتماعي، توقيعهم على الوثيقة، كما نشر بعضهم صوراً له خلال توقيعه على الوثيقة، مؤكدين أنها تمثل نهج الدعوة، وترتكز على الثوابت والقيم، وعدّوا توقيعهم دفاعاً عن قيم المجتمع الكويتي.
وقال المرشح محمد الحربي، في حسابه على "تويتر"، إن الوثيقة تحارب دعوات التغريب الممنهجة، والمحاولات المتعمدة لطمس "ثقافتنا وهويتنا الإسلامية المحافظة، وإيماناً منا أن هويتنا الإسلامية هي مصدر عزتنا وكرامتنا، أعلن تبنيّ ما جاء في وثيقة القيم".
وكتب المرشح محمد الحويلة، على حسابه في تويتر: "كان وما زال التمسك بالثوابت الشرعية والقيم الإسلامية نهجاً لنا، وبإذن الله ملتزم بما جاء في وثيقة القيم من منطلق إيمان تام بما ارتكزت عليه من ثوابت وقيم".
أما الداعية الكويتي الشيخ عثمان الخميس فقال إنه اطلع على وثيقة القيم، "ولم أجد ما يخالف شرعنا ولا قوانين البلاد"، داعياً للتصويت "لمن يوقعها ممن تبرأ بهم الذمة من النواب".
بدوره هاجم الأكاديمي والكاتب الكويتي عبد الله الشايجي المعارضين للوثيقة، قائلاً: "إن تهجم وشيطنة ما يسمى بالتيار الليبرالي في الكويت الفاقد لقاعدة شعبية، ومحدود التأثير، وترهيب منظريهم للنواب السابقين والمرشحين لتوقيعهم على الوثيقة هو ترهيب فاشل، وتغريد خارج السرب".
رفض وسخط
من جانب آخر، رفض مرشحون وناشطون على منصات التواصل "وثيقة القيم"، لافتين إلى أن بنود الوثيقة تناقض نصوص الشريعة، وتتضمن تجاوزات دستورية، وتمثل تعدّياً على مدنية الدولة.
وكتبت الإعلامية الكويتية والمرشحة لانتخابات مجلس الأمة فجر السعيد، على حسابها في تويتر: "وثيقة القيم المرفوضة تناقض ما جاء في القرآن الكريم عن مبدأ حرية العقيدة".
وعلق الكاتب علي العجيل، في حسابه على "تويتر"، قائلاً: "المرشح الذي وقع على هذه الورقة أدان نفسه بأحد أمرين، إما أنه "سلك" لمن جاء بهذه الورقة وهو يعلم أنها بدون قيمة، أو أنه جاهل بالقانون إلى درجة أنه سلم عقله لهم ليجبروه على التوقيع على هذه الورقة".
أما الكاتب والناشط سعد العجمي فقد وصف الوثيقة بـ"الداعشية"، وقال: "على كل حريص على دولة القانون والدستور والحريات العامة والخاصة أن يرفض هذه الوثيقة بلا تردد".
الأكاديمية شيخة الجاسم رأت أن الوثيقة "إعلان حرب على الحريات الشخصية، وأي مرشح يوقع على الوثيقة الدايخة هو عدو لحرياتنا، والظاهر أن المجلس القادم يشبه المجلس المبطل الذي أراد إعدام المسيء".
غير ملزمة
يؤكد المحلل السياسي الكويتي عيد الفضلي، أن هذه الوثيقة "غير ملزمة" للمجتمع الكويتي، وأن من وقع عليها هم بعض من المرشحين المتقدمين للانتخابات القادمة.
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، يقول الفضلي: "هي نابعة من حسن نوايا والتزام ديني، وكذلك عادات وتقاليد المجتمع، وهي موجودة بالفعل لدى الكثير، ولا تحتاج إلى مزيد من الجدل الحاصل".
ويرى أن من أسماهم بـ"الليبراليين، يعتقدون أن الوثيقة تعتبر وصاية وتقييداً على الشعب وهذا أمر غير حقيقي، فهي مجرد وثيقة حسن نوايا".
وأضاف: "في نهاية المطاف ربما المرشحون الذين وقعوا عليها لن يصلوا إلى مجلس الأمة ولن ينجحوا في الانتخابات، وبذلك فهي مجرد وثيقة فقط".
ومن الناحية الدستورية، يقول الفضلي: "هي غير ملزمة للمجتمع دستورياً مهما كان الأمر، إلا أنها تعبر عن نوايا والتزام صاحب هذه الوثيقة والموقعين عليها من ناحية دينية واجتماعية مقبولة، لكن الليبراليين يعيبون عليها لعدم دستوريتها".