كمال صالح - الخليج أونلاين-
رفع الشعارات السياسية خلال موسم الحج من المسائل المثيرة للحساسية بالنسبة للسلطات السعودية التي تخرج كل عام محذرة من أي محاولة لتسييس هذه الشعيرة الدينية.
وبينما تستقبل المملكة قرابة مليونَي حاج هذا العام، ترفع من مستوى احتياطاتها لجعل هذا الموسم خالياً من أي مخالفات، ولا سيما تلك المتعلقة بمحاولات توظيف الحج سياسياً.
ويستند حزم المملكة في هذه المسألة إلى وقائع تاريخية، أريق خلالها الكثير من الدماء في الحرم المكي، أبرزها كانت واقعة الاشتباك مع الحجاج الإيرانيين الذين رفعوا شعارات سياسية عام 1987، وأدى ذلك لمقتل أكثر من 400 وإصابة المئات.
تحذيرات حازمة
مؤخراً جدد وزير الحج والعمرة بالحكومة السعودية، توفيق الربيعة، التحذير من أي محاولات لتسييس الحج، مؤكداً أن هذه الشعيرة "للعبادة وليس للشعارات السياسية".
الوزير الربيعة قال، في مؤتمر صحفي: "الحج للعبادة وليس لأي شعارات سياسية وهذا ما تعمل عليه قيادة المملكة أن يكون به أعلى مظاهر الخشوع والطمأنينة والروحانية".
وشدد وزير الحج السعودي على أن المملكة "ترفض رفضاً تاماً الشعارات السياسية والطائفية، وتريد أن يكون الحج عبادة واستغفاراً وليس مكاناً للشوشرة على الحجاج".
تصريحات وزير الحج والعمرة جاءت بعد بيانات وتصريحات صادرة عن علماء دين، أبرزهم إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ عبد الله الجهني، الذي حذر من أي تصرف يخرج عن مقاصد شعيرة الحج، وهو ما ذهب إليه أيضاً إمام وخطيب المسجد النبوي صلاح البدير.
البدير حذّر في خطبة الجمعة من "الجدال بالباطل والتنازع والتخاصم والتقاطع والتشاجر والشقاق والافتراق وجعلِ الحجّ مسرحاً للخلافات والمخاصمات والمشاحنات والعداوات، أو مكاناً للهتافات والعصبيات والحزبيات".
وكذلك فعل إمام وخطيب الحرم المكي عبد الرحمن السديس، الذي أكد، يوم 25 مايو الماضي، أن الحج عبادة من أعظم العبادات، مؤكداً أنه "ليس مكاناً للمظاهرات أو المَسِيرَات والتجمعات، أو المناظرات أو المساجلات، أو الجِدال والملاسنات"، مضيفاً: "لا مجال فيه للشعارات السياسية، أو الدعايات الحزبية والمذهبية والطائفية".
يأتي ذلك مع وصول نحو مليون ومئتي ألف حاج من دول العالم حتى يوم الخميس (13 يونيو)، لأداء مناسك الحج لهذا العام، ولفت وزير الحج والعمرة إلى أن الجهات المعنية تعمل من أجل أن يؤدي هؤلاء الحجاج مناسكهم بطمأنينة ويسر.
وقائع سابقة
ولا يكاد يخلو عام من تحذير السعودية من أي توظيف سياسي للحج، وتتحرك السلطات المعنية بناء على توجيهات صارمة، لمنع رفع أي شعارات، أو ترديد أي هتافات ذات صبغة سياسية أو طائفية خلال مواسم الحج المتعاقبة.
حرص المملكة على تجنيب الحج، الشعارات السياسية، ينطلق من تجارب سابقة، كانت دامية، أبرزها ما حدث يوم الجمعة الموافق 31 يوليو عام 1987، حينما وقعت اشتباكات بين حجاج غالبيتهم إيرانيين، وقوات الأمن السعودية.
حينها تسببت الصدامات في موجات تدافع مميت، أدى إلى مقتل قرابة 402 وفق بعض التقديرات، بينهم 275 حاجاً إيرانياً، و85 شرطياً سعودياً، وقرابة 42 حاجاً من جنسيات مختلفة.
وانطلاقاً من خطورة مثل هذه الأفعال، وتداعياتها المحتملة، أجمع العديد من العلماء والمؤسسات الدينية على عدم جواز ترديد الشعارات السياسية أو التظاهر خلال موسم الحج.
ففي عام 2016 أفتى علماء من الأزهر الشريف بعدم جواز التظاهر خلال أداء شعائر الحج، في حين قال رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الشيخ الراحل يوسف القرضاوي، في تصريحات لصحيفة "عكاظ" السعودية عام 2011، إن رفع الشعارات السياسية أو تسيير المظاهرات وإثارة النعرات والعبث بأمن الحج "أمور لا تليق بالركن الخامس من أركان الإسلام".
تحدي إدارة الحشود
وليست مهمة إدارة حشود مليونية في بقعة جغرافية محدّدة في مدة زمنية معينة بالأمر السهل، وفقاً للكاتب حسن المصطفى، في ظل تنوع واختلاف ثقافات ولغات وعادات وطرائق تفكير هؤلاء الحجاج وأعمارهم، والمشاكل الصحية التي قد يعانيها بعضهم، فضلاً عن وجود حجاج لهم توجّهات سياسية أو حزبية معينة، أو قدوم عناصر متسترة تنتمي إلى تنظيمات "إرهابية" أو أجهزة أمنية أو استخبارية لدول أجنبية، يتخفّون في زي الحجيج.
ويضيف المصطفى في مقال نشرته صحيفة "النهار" في 8 يونيو الجاري، أن ذلك يجعل مهمّة المتابعة والرصد أكثر دقة، كي لا يتمّ استغلال الموسم العبادي لأهداف سياسية، أو القيام بأعمالٍ أمنية أو تخريبية قد تؤثر في سلامة الحجاج.
وقال: "لهذا السبب نجد السعودية حازمةً في سياساتها تجاه شعائر الحج. إنها لا تمنع أي شخص من زيارة بيت الله الحرام والمسجد النبوي".
ظروف إقليمية مضطربة
وأشار المصطفى إلى أن موسم الحج هذا العام "يأتي في ظروف إقليمية مضطربة، حيث الحرب على قطاع غزة وعمليات الإبادة التي تمارسها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين العزّل، فضلاً عن الضربات العسكرية المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله" في جنوب لبنان، والتصعيد الأمني بين إيران و"إسرائيل"، وما واكب ذلك من تحرك لفصائل "محور المقاومة".
ولفت إلى أن هذه الأسباب وغيرها دفعت السعودية بوضوح لمنع أي استخدام للخطابات الثورية في موسم الحج.
واستطرد الكاتب قائلاً: "هنالك دعوات في هذا العام من أجل (تثوير الحج)، وهي خطابات ينبغي الحذر منها؛ لأن موسم الحج شعيرة عبادية وليست سياسية".