صالح المسلّم - الشرق
أقبل رمضان، فكل عام وأنتم بخير. أقبل رمضان وبدأ النشاط التوعوي الفكري الإسلامي في تكثيف نشاطاته، ووجوده الإعلامي، والاجتماعي، وحتى السياسي، لكون أصحاب هذا الفكر لابد أن يجعلوا من الفكر الإسلامي السياسي هدفاً لهم، وضمن أجندتهم المعتادة بالطرق التي يريدون، والمنهج الذي يرسمون، المهم أن تكون أهدافهم غير واضحة المعالم للقارئ العادي المعتاد على جمع الكلمات دون تحليل الألغاز، وقراءة ما بين الأسطر، أما أصحاب هذا الفكر فهم محترفون في «دس» الجمل بين بعضها بعضاً، وتحريك المشاعر من خلال انتقاء الفكرة، وتلميعها، وتجنيد أناس لتمريرها على أكبر عدد ممكن من الجماهير المتعطشة لملء الفراغ، الذي خلقته الأشهر التي سبقت رمضان، وجاءت ببعض الأخطاء، والتجاوزات، وربما بارتكاب بعض المعاصي. ديدنهم هو «تكفير الذنوب» في رمضان خير الأشهر لإعادة التوازن إلى الروح والعقل، ومن هنا ينطلقون ويدغدغون المشاعر في التلاعب بالعقول، خاصة الشابة منها، المتلهفة والمتحمسة، وكأن رمضان شهر يختلف عن الأشهر الأخرى! فهل تتوقف العبادات في بقية السنة، أم إنها تجاوزات الفكر، وزراعة الأيديولوجيا من منهج الفكر الواحد، والرأي الواحد في انتهاج سلوك معين في هذا المجتمع بالتحديد، ومنه نُعظِّم شعائر معينة، وأشهراً معينة، وسنناً معينة، ونُظهر لها جلّ اهتمامنا، ومن بعدها يكون العمل من باب النوافل. وكما قلت: شهر رمضان لاشك أنه شهر القرآن، والعبادات، والصيام، وهو ركن عظيم، ولكنني أسوق هذه المقدمة لأبيِّن قدرة هذا الفكر على تجييش العقول من باب اختزال الكلمات في شعيرة معينة، وتحويلها إلى قنابل موقوتة في وجوه الآخرين، ومن ثم الالتفات حولها، ومنها للوصول إلى أهداف أخرى أكبر في نظرهم، ومخطط لها منذ سنوات!
لا تستغربوا هذا الحديث، وانظروا إلى تاريخ هذا الفكر، اقرأوا مثلاً كتاب «زمن الصحوة» لـ «ستيفان لاكروا»، وهو باحث فرنسي، قدمه أطروحةً لنيل شهادة الدكتوراة، تناول فيه توثيقاً وتحليلاً تاريخَ، وسيسيولوجيا تشكُّل الحركات الإسلامية، خاصة في السعودية منذ منتصف القرن العشرين حتى أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويعتبر هذا الكتاب أول بحث أكاديمي موسَّع يدرس تاريخ، وبنية الحركات الإسلامية في السعودية، وقد صدرت الطبعة الأولى منه عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت عام 2012 وقُسِّم الكتاب إلى فصول سبعة، وخاتمة، وضع فيها الدروس المستفادة من الانتفاضة، وكانت الفصول تحتوي على تاريخ نشوء الصحوة، والليبروإسلاميين، وحديث عن الصحوة الجديدة، وعن الإقصائيين والرفضيين، ويتحدث الكاتب عن تاريخ الصحوة، ومَنْ يُمعن النظر جيداً ويقرأ الأحداث جيداً، وبعد مرورنا بـ «القاعدة»، والحوثيين، و»داعش» يؤمن تماماً أن هذا الفكر ذو مخالب وأنياب منتشرة في كل بقاع الأرض، ولا يمل، ولا يكل في سبيل تحقيق أهدافه، ومع الأسف، نجد أن هناك شباباً صغار السن اعتنقوا أفكاراً متشددة، فجاءت التفجيرات الأخيرة في «الشرقية» لتوضح الحقيقة، وأن هؤلاء لن يوقفوا استنزاف العقول، وتدمير البنية، وزرع الطائفية! والتنفيذ لا يختلف منذ ثلاثين عاماً، وربما نحن نركض خلف سراب لمعالجة الأمر!
في عام 2011 صدرت الطبعة الثانية من كتاب «الدعاة الجدد بين عصرنة التدين وبيع الدعوة»، وهو لمجموعة من المؤلفين، والناشر هو مركز المسبار للدراسات والبحوث. مَنْ يقرأ هذا الكتاب يجد العجب العجاب، ما بين التساؤلات حول ظاهرة الدعاة الجدد، وهل هي ظاهرة «جيليَّة»؟ وهل نحنُ في حاجة إلى فهم ملامح الفارق بين مصطلحات تدور في الإطار الاجتماعي نفسه، مثل التدين الجديد، والمتدينون الجدد، والدعاة الجدد؟! ثم ما هي القواسم والاختلافات بين هؤلاء؟ ومن خلال الإسقاطات، وقراءة التاريخ جيداً، نجد أن الأهداف لم تتغير، ولكنها الأدوات حسب المكان والزمان!
فيا ترى، وهذه أسئلة عميقة، متى تنتهي هذه الحركات الإسلامية من الانشقاق عن الدين، ومتى ينتهي هؤلاء من الاستغلال باسم الدين، ومتى يصحوا مجتمعنا، ويدرك أن هؤلاء هم وقود التطرف، ومؤيدو الفتن، متى نعي أن هؤلاء مخادعون، وأن اللُّحمة الوطنية، والوسطية، هي النهج السليم، متى نعي أن عقولنا يجب أن تحلِّل كل شاردة وواردة قبل الانسياق نحو هذا الفكر أو ذاك؟