فهد عامر الأحمدي - الرياض
في شهر رمضان من عام 40 ه خرج الإمام علي لصلاة الفجر.. وحين سجد ضربه ابن ملجم بالسيف وهو يقول: لا حكم إلا لله ليس لك ياعلي ولا لأصحابك وجعل يتلو قوله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ).. كان يرى أنه على حق وأن علياً ابن عم الرسول كافر مرتد.. وبعكس ما يعتقده معظمنا لم يكن عبدالرحمن بن ملجم كافرا أو فاسقا أو ملحدا؛ بل كان صحابيا متدينا، وزاهدا متقشفا، تربى في كنف علي بن أبي طالب وقرأ القرآن على معاذ بن جبل وكان من أوائل المهاجرين للمدينة (واخترت البدء به كأقوى نموذج للخروج المتطرف والتفسير الخاطئ لنصوص الدين)!
.. وقبل مقتل علي رضي الله عنه وقعت ملاحم كبيرة باسم الدين رفع فيها جيش معاوية المصاحف على أسنة الرماح وفسره كل طرف حسب فهمه الخاص.. كانت هي ذاتها المصاحف التي رفعت في وجه الخليفة الثالث عثمان بن عفان للاحتكام إليه قبل قتله في داره وهو يقرأ القرآن الكريم..
وحين انتهى عصر الخلافة حدثت مجازر وأعمال اغتيال كثيرة باسم الدين وفسرت فيها النصوص بل ووضعت خلالها آلاف الأحاديث بحسب الهوى والمصالح السياسية.. فالأمويون مثلا أبادوا ما استطاعوا من أنصار علي وذريته الطاهرة.. وحين أتى العباسيون أبادوا بقايا الأمويين وفرغوا أجزاء كبيرة من سكانها العرب حتى أطلق على أول خليفة منهم لقب "السفاح" (ولمعرفة المزيد راجع تاريخ الطبري، أو معجم البلدان، أو مختصر تاريخ دمشق)!
وما يهمنا هو أن معظم هذه المذابح تم تمريرها باسم الدين وجهاد الكافرين وإعلاء كلمة الحق، في حين أنها من أفعال الخوارج والمارقين والطامعين في انتزاع الحكم!
ومن المؤسف أن مسلسل القتل والجزارة لم يتوقف حتى يومنا هذا.. لم يتوقف لأن التفسير المشوه للنصوص الشرعية استمر بحسب الظن والهوى (وتجاهل مغزى وظروف النص نفسه).. فتفجير المدنيين يتم اليوم بحجة "التترس".. وجز الرقاب بحجة "لقد جئتكم بالذبح".. ورفع الرؤوس على الرشاشات بحجة "جُعل رزقي تحت ظل رمحي"... وحين أحرقت داعش الطيار الأردني الكساسبة احتجت بأنه أحرقهم بالقنابل وبالتالي (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)..
السؤال هو:
هل تقف حجة التترس أمام نصوص قرآنية قوية مثل (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً)...
كيف يتم الاستشهاد بحديث "لقد جئتكم بالذبح" وتجاهل آيات قرآنية أكثر عمومية مثل قوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)...
ورغم أن سياق الحديث في "جعل رزقي تحت ظل رمحي" خاص بالرسول وحده؛ إلا أنه غزا تسع عشرة غزوة لم يجز فيها رقبة كافر واحد..
أما استنباط داعش لعقوبة الإحراق من الآية السابقة فليس خاطئا فقط؛ بل ويخالف قول المصطفى صلى الله عليه وسلم (لا يعذب بالنار إلا رب النار)..
كل هذا يخبرنا بقدرة أي طرف على استنباط ما يريد من النصوص الشرعية.. يخبرنا بحتمية ظهور خوارج يفسرون أعمال القتل والسلب والنهب من خلال لي أعناق الآيات واختيار الأحاديث المناسبة - ثم يصدقون أنهم أصحاب رسالة مقدسة..
ليس أدل على هذه المفارقة من قول علي بن أبي طالب لعبدالله بن عباس حين بعثه للتفاوض مع الخوارج "لا تجادلهم بالقرآن فإن القرآن حمال أوجه تقول ويقولون.."!
وحين تستثني القرآن من جدال الخوارج (الذين يعرفونه أفضل من غيرهم) لا يبقى لمناقشتهم سوى خيار واحد من ثلاثة:
- مناقشتهم بالسنة النبوية الصحيحة..
- ثم الحكمة والموعظة الحسنة..
- ثم الضرب بيد من حديد.. كون لا شيء آخر سينفع بعدها..