عبداللطيف بن نخي- الراي الكويتية-
تاريخ الحسينيات في الكويت يرجع إلى العام 1815 ميلاديا حين أسس سيد علي الموسوي الخباز أول حسينية بتخصيص ديوانيته التي تقع في فريج البحارنة في منطقة شرق لمجلس العزاء على سيد الشهداء الحسين عليه السلام. وأما الحسينيات الرسمية فأولها تلك التي بناها محمد حسين نصرالله آل معرفي في عام 1905 وهي مازالت قائمة في موقعها الأصلي في منطقة الشرق.
الفعالية السنوية الأهم في الحسينيات هي استقبال المعزين في ذكرى استشهاد سِبط الرسول - صلى الله عليه وآله وسلم - الإمام الحسين مع ثلة من أهل بيته وأصحابه. فالحسينيات أنشئت من أجل تجديد شعيرة «المودة في القربى»، وبغرض ترسيخ حب الحسين طمعاً في حب الله وخوفاً من غضبه سبحانه، وفق ما جاء في الحديث الشريف «حسين مني وأنا من حسين...». فالحسينيات أشبه بأفران لانصهار المؤمنين في حب الحسين، ليجسدوا مظاهر هذا الحب المحمدي في محاضرة الخطيب وقصيدة الشاعر وكلمة الناثر ودمعة المفجوع وخدمة الكادر وعطاء المضيف.
حين كانت التجارة العمود الرئيس لاقتصاد الكويت كان المجتمع وسطياً بمواقفه ومرتبطاً بأرضه. فكان للانفتاح التجاري أثره على الانفتاح الثقافي، وكان لرحلات البحر وقوافل البر أثرها في تأصيل احترام الاختلاف بأنواعه في الثقافة الكويتية. فاشتهر الكويتيون بمنهجهم الديني المتسامح وندر التطرف بينهم. فتعاونوا في بناء الحسينيات والتقوا في مجالس عزائها وتشاركوا في إعداد موائدها وتناولها.
ولكن بعد اكتشاف النفط وتحول الاقتصاد الكويتي إلى ريعي، تغيرت ثقافة المجتمع وسادت ثقافة غريبة، فهتك النسيج الاجتماعي وتسابقت الجماعات في الاستحواذ على خيرات الوطن واجتمعت على استنزاف موارده. فضعف الولاء للوطن وتحولت الوطنية من دافع للتكاتف إلى أداة لتخوين الآخر وتقليل نصيبه من تركة الكويت المجروحة بأفعال أهلها.
فانشئت المراكز الإعلانية لاستفزاز مشاعر المعزين في مواسم عاشوراء، ونشط برلمانيون ورجال دين وسياسة في بث الكراهية بين شرائح المجتمع، وتسابقوا في تقييد الحريات الدينية بل عملوا على اجتثاثها على الرغم من تأصل جذورها في تاريخ الكويت.
التيارات الليبرالية الكويتية شاركت أيضا في مشروع قمع الحريات الدينية لأنها تناست مبادئها وتهربت عن دورها الوطني، باستثناء بعض المواقف من قبل بعض شخصياتها ورموزها.
وأما التيارات الدينية الشيعية، فحرص معظمها على رعاية وتنمية النشاط السياسي في حسينياتهم ولو على حساب الشعائر الحسينية. بل إن بعضها استثمر أجواء الحجر على الحريات العبادية الدستورية ليمرر فتوى مرجعيته في شأن بعض مظاهر الجزع على الحسين. فجندت خطباءها واستعانت بكتابها وأنتجت مقاطع فيديو وحاكت القصص لتمنع الآخرين من ممارسة الشعائر المختلف على جوازها. الغريب أن منهجية هذا البعض تخالف رأي مرجعهم الديني الراحل السيد الخميني الموثّق في «تحرير الوسيلة» كتاب «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» فصل «القول في شرائط وجوبهما»، حيث جاء في مسألة 2: «لو كانت المسألة مختلفاً فيها واحتمل أن الفاعل أو التارك رأيه أو تقليده مخالف له، ويكون ما فعله جائزاً عنده، لا يجب، بل لا يجوز إنكاره، فضلاً عما لو علم ذلك».
أقول لجميع التيارات الدينية، من حقكم الاعتقاد بأنكم تمتلكون الحقيقة المطلقة، وأنكم تمثلون الإسلام الأصيل وفق كتاب الله وسنة نبيه، ولكن عليكم أن تصونوا الحريات الدينية لكي تبقى الكويت وينعم شعبها بالأمن والسلام. لذلك أناشدها بتوظيف كوادرها في نشر رسائل تدعو لتبني ثقافة التسامح الديني ومنهجية «لكم دينكم ولي دين»، فهي المكملة للجهود الأمنية الرامية لمنع الإرهاب في شهر محرم الحرام... استعيدوا تسامح الأجداد.