أحمد محمد الشحي – البيان الاماراتية-
من آكد الغايات الملقاة في هذا الزمان على عاتق العلماء والمثقفين: بيان سماحة الإسلام وسموِّ تعاليمه واستنقاذ التصورات الإسلامية من أيادي المتطرفين المشوِّهين، ومن الشبهات التي يرددها بعض المتحاملين وتتَّكئ عليها التنظيمات الإرهابية أن الإسلام انتشر بالسيف والعنف وإراقة الدماء، وهذا الزعم باطل مردود من وجوه عدة، منها:
(1) أن الإسلام جاء بشريعة تعظِّم الدماء وتحرِّم سفكها، وكان من ثمراته العظيمة إيقاف الحروب التي كانت مشتعلة بين القبائل العربية، ونشر السلام والتسامح بينها.
(2) أن الإسلام نهى عن إكراه الناس على الدين، قال تعالى: {لا إكراه في الدين}، قال ابن كثير: «أي: لا تُكرِهُوا أحدا على الدخول في دين الإسلام»، وقال ابن القيم:«هذا نفيٌ في معنى النهي، أي لا تُكرهوا أحدا على الدين».
(3) أن الإسلام أمر بالإحسان إلى غير المسلمين من المسالمين، ورغَّب في ذلك، وهيَّج النفوس للعمل به بأن جعله سببا لنيل محبة الله تعالى، قال عز وجل: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين}.
(4) أن الإسلام نهى عن إيذاء الذميين والمعاهَدين والمستأمَنين، ورتَّب على ذلك الوعيد الشديد.
(5) أن الإسلام أباح الزواج من الكتابيَّة مع بقائها على دينها، فلو كان الإسلام يُجبِر أحدًا على اعتناقه لأجبر الزوجة على ترك دينها واعتناق الإسلام.
(6) أن الإسلام أقرَّ بقاء غير المسلمين على دينهم، واكتفى منهم بمبلغ سنوي زهيد جدا – أقل بكثير من الزكاة المفروضة على المسلمين - من أجل توفير الأمن لهم وحمايتهم من أي اعتداء خارجي، وجعل ذلك مقصورا على الرجال المقتدرين فقط، فلا يُؤخذ شيء من النساء والصبيان والفقراء والمرضى العاجزين والشيخ الفاني والرهبان، بل يجب حمايتهم والذود عنهم مع بقائهم على دينهم جميعا، وهذا من أدل الدلائل على أن الإسلام لم يأت لإجبار أحد على الدين.
يقول المستشرق الإنجليزي السير توماس أرنولد: «لم نسمع عن أية محاولة مدبَّرة لإِرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإِسلام، أو عن أي اضطهاد منظَّم قُصد منه استئصال الدين المسيحي، ولو اختار الخلفاء تنفيذ إِحدى الخطتين لاكتسحوا المسيحية بتلك السهولة التي أقصى بها فرديناند وإِيزابلا دين الإِسلام من أسبانيا، أو التي جعل بها لويس الرابع عشر المذهب البروتستنتي مذهبًا يعاقب عليه متبعوه في فرنسا، أو بتلك السهولة التي ظل بها اليهود مبعدين عن إنجلترا مدة خمسين وثلاثمائة سنة».
(7) أن القرآن مليء بمحاججة غير المسلمين، وإقرار الحقِّ بالبينات، وتفنيد الباطل بالحجج الناصعات، وقَصص الأنبياء المذكورة في القرآن حافلة بالمحاورات والمجادلات بالحسنى مع أقوامهم، وقد أمر الله تعالى خاتم المرسلين بذلك فقال: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}، فلو كان الإسلام قائما على السيف والبطش وإجبار الناس على الإيمان لا على الحجة والعلم والإقناع لما كان لهذه المحاججات معنى، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
(8) أن الجهاد لم يُشرع في العهد المكي والذي استمر ثلاث عشرة سنة، ومع ذلك فقد انتشر الدين بين الناس، واعتنقه المهاجرون والأنصار طوعا واختيارا، حتى استنارت جنبات المدينة النبوية بنور الإسلام، فلم يبق فيها بيت إلا وسطع فيه هذا النور المبين، كل ذلك بجهود الدعوة والبيان، وقد بلغ التمسك بهذا الدين مداه في التضحيات الكثيرة التي قدمها المسلمون المستضعفون في مكة.
(9) أن النبي عليه السلام حينما فتح مكة بعدما نقض أهلها الصلح لم ينكِّل بهم، ولم ينتقم منهم، بل صفح عنهم أجمعين، فدخلوا في دين الله تعالى حينما رأوا هذا التسامح النبوي الشريف وتلك التعاليم الراقية التي أسرت قلوبهم وسحرت ألبابهم.
(10) أن الجهاد بالسيف لم يُشرع إلا للضرورة، لرد صولة الباغي وإزالة العقبات التي تحول دون بلوغ الدين، فهي مقصورة على هذه الحال الملجئة، وأما الجهاد بالكلمة فهو الجهاد المشروع في كل حال، وقد وصف الله تعالى هذا الجهاد المتمثل بالكلمة والبيان بالجهاد الكبير في قوله سبحانه: {وجاهدهم به جهاداً كبيراً} أي: بالقرآن والعلم.
(11) أن كثيرا من شعوب العالم في الشرق والغرب سواء في ماليزيا أو أندونيسيا أو الصين أو الفلبين أو غيرها اعتنقت دين الإسلام طوعًا واختيارًا مع أنه لم يُسلَّ للمسلمين في هذه المناطق سيف.
(12) أننا نقرأ شهادات واعترافات كثير من غير المسلمين من المفكرين والفلاسفة والأدباء وغيرهم في بيان عظمة الإسلام، وسر انتشاره بتعاليمه السمحة، والرد على الفرية المذكورة، ولو سردنا شهاداتهم لطال بنا المقام.
(13) أننا نرى رأي العين في زماننا هذا كثيرا من الناس من مختلف الأديان والأعراق والبلدان يعتنقون الإسلام من دون أيِّ إكراه أو إجبار أو عنف، مدلِّلين بذلك على أن الإسلام دين تسامح وإقناع لا دين عنف وإجبار.