المدينة السعودية-
بين الحين والآخر يخرج تنظيم «داعش» الإرهابي، بصور لما يسميه مزاد لبيع وشراء السبايا، من النساء اللاتى خطفهن التنظيم زاعمًا أسرَهن فى معاركه بالعراق وسوريا!!.
وليس بعيدًا عنّا تلك الضجة التي أثارها التنظيم عندما باع مئات النساء اليزيديات، في أسواق علنية نشرت تفاصيلها المصورة وسائل الإعلام العالمية.
ولم يكتف التنظيم الإرهابي، بتلك الجريمة، بل زاد وزعم أن أسر النساء وبيعهن لمن يدفع الثمن؛ ليصبحن ملك يمينه، أو وهْبهن للشباب الذين يقاتلون تحت لوائه، إنما هو إحياء لسنة نبوية - بحسب زعم التنظيم-.
«الرسالة» ترصد من خلال التحقيق التالي، خطورة الصمت حيال تلك الجريمة التي يرتكبها «داعش»، وتوضح كيف واجهت الشريعة الإسلامية ظاهرة الرّق والعبودية، وكافحتها، وكيف نواجه مزاعم ذلك التنظيم الإرهابي الذي يحاول الإساءة للإسلام بشتى السبل.
بداية يقول الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، لا وجود اليوم لما يسمى بالإماء أو الرقيق أو العبيد، وإذا كانت المجتمعات الإنسانية، قد رفضت الرّق، منذ زمن بعيد، فإن المسلمين هم أول من رحبوا، بهذا خاصة وأن الشريعة الإسلامية، هى أول شريعة تفتح باب عتق الرقاب، وتحرير الإماء والعبيد.
وأضاف: «الأصل فى الإسلام أن الإنسان حرّ، وأقول لهؤلاء الذين يستشهدون بأمر لا علاقة له بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويسمونه إحياء سنة السّبي، غير صحيح، لأن الإسلام لم يستحدث الرق، وإنما استحدث التحرير والعتق».
وأوضح الجندي: «لما كان من الصعب إلغاء الرّق فور ظهور الإسلام، كدين جديد، فإن الشارع الحكيم حرص على أن يكون تحرير الناس شيئا فشيئا، فوضع بشكل تدريجي عددا من الأحكام والتعاليم والتوجيهات، التى أدّت، مع مرور الوقت، إلى إلغاء الرّق».
واستطرد الجندي: إن للرّق وسائل أو مداخل كثيرة، كالبيع، والمقامرة، والنهب، والسطو، والدين، والحروب، والقرصنة، وقد ألغى الاسلام جميع هذه المداخل؛ ليرد لهؤلاء البشر إنسانيتهم التي كانت منتهكة، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه، ومن أخصى عبده أخصيناه)، مشيرا إلى قول الله تعالى: «وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالًا فخورا».
وأنهى الدكتور الجندي حديثه بالقول: «كل ما سبق يؤكد أن الإسلام قضى على العبودية، يوم جعل الأسود الحبشي بلال سيدًا للمسلمين، وكانت من آخر وصايا النبي صلى الله عليه وسلم، قبل وفاته: «الله الله في الصلاة وما ملكت أيمانكم أطعموهم مما تأكلون واكسوهم مما تكتسون ولا تكلفوهم من العمل ما لا يطيقون فإن كلفتموهم فأعينوهم ولا تعذبوا خلق الله فإنه ملككم إياهم ولو شاء لملكهم إياكم»، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحث على العتق تكفيرًا عن أي ذنب يأتيه الإنسان، وذلك للعمل على تحرير أكبر عدد ممكن منهم ومن كل ذلك يتضح أن الإسلام وضع نظامًا عظيمًا للتحرير التدريجي للعبيد والإماء حتى انتهى نهائيًا من العالم ومايحدث حاليًا لاعلاقة له بالأحكام والتشريعات الإسلامية من قريب أو بعيد.
الإسلام حرر البشرية
أما الدكتورة آمنة نصير العميد الأسبق لكلية الدراسات الإسلامية بنات بالأزهر فتقول من جانبها: «جاء الإسلام وخطا خطوات واسعة في سبيل التطوّر نحو تحرير الرقيق فأعطى الإسلام الإمام الحق في المنّ على الأسرى، وإطلاق سبيلهم، أو أخذ فدية مالية منهم، أو يفتدي الرجل المسلم بالرجل المحارب فلا يجوز استرقاق المسلم بأي حال من الأحوال، أو غير المسلم الذي دخل بذمة المسلمين يهوديًا كان أو مسيحيًا.
وأضافت لـ»الرسالة»: «سدّ الإسلام منابع الرّق وحرّمه سوى رقّ الحرب، ووسّع مصارف العتق، وصان حقوق الرقيق بعد الإعتاق وجاء الرسول يحثّ المسلمين على عتق العبيد وتحريرهم»، موضحا أن الأثر يشير إلى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من أعتق رقبة مؤمنة أعتق الله بكل عضو منه عضوًا من النار»، فالإسلام أساسا جاء ليحقق العدالة وليرسي مفهوم ثورة السماء على فساد الأرض، وتحديدا فى مسألة الإساءة إلى البشر وبيعهم وشرائهم كالمتاع.
كما انّ الإسلام يقرر وبوضوح شديد عبر الكثير من تشريعاته أن الله عز وجل خلق الإنسان كامل المسؤولية وكلفه بالتكاليف الشرعية ورتب عليها الثواب والعقاب على أساس من إرادته واختياره ولا يملك أحد من البشر تقييد هذه الإرادة، أو سلب ذلك الاختيار بغير حق ومن اجترأ على ذلك فهو ظالم جائر وهذا مبدأ ظاهر وواضح من مبادئ الإسلام .
وتضيف نصير: إن ما ارتكبه تنظيم داعش الإرهابي من جرائم فى حق الفقه والشريعة الإسلامية، ومنها محاولته إعادة آفة بيع وشراء الناس بالباطل، يؤكد أنه لا علاقة له بالعلم الشرعي من قريب ولا من بعيد وللأسف الشديد فإن هؤلاء الدواعش يفعلون بالإسلام مالم يفعله أعداء الإسلام أنفسهم ولو فكروا في تدبير أشد المكائد ما دبروا تلك المكائد.
وأكدت ان أحكام الشريعة الإسلامية تؤكد صراحة أن بيع وشراء النساء والزواج من السبايا له شروط لا تنطبق علينا الآن وليس في زماننا لأنه لا توجد سبايا وإماء أو عبيد في زماننا اليوم فقديما كان سبي النساء جزءًا من الحروب وكان يتم اعتبار الأسيرات ملك يمين، فلا زواج يمين ولا ملك يمين إلا في الحالات التي كانت أيام المسلمين الأوائل وغيرهم وهذا الزواج لا يجوز إلا بالسبي في الحروب بين الكفار والمسلمين وتكون تلك الحروب دفاعًا عن الأرض والعرض والمال على أكثر أقوال الفقهاء بل انه حتى في حال نشوب حروب اليوم بين المسلمين وغيرهم، فإن الإسلام لا يعتبر أسيرات الحروب ملك يمين، بسبب وجود قوانين تم تشريعها وسنّها أجمع عليها علماء المسلمين بأنهن أسيرات، ولسن ملك يمين.
تنظيم مرتد
أما الدكتور محمد كمال إمام رئيس قسم الشريعة بجامعة الإسكندرية فيقول: إن ما يفعله داعش يخالف فطرة الإسلام فتلك الممارسات التى يقوم بها تنظيم داعش فى حق النساء تمثل ردّة واضحة وصريحة عن الدين الإسلامي باجماع آراء العلماء القدامى والمحدثين فبيع وشراء النساء فى عصر اختفت فيه ظاهرة الرقيق هو أمر مؤثم اسلاميا كما هو مؤثم قانونا.
وأضاف لـ»الرسالة»: يجب ان تواجه كل المؤسسات الدينية والعلماء الكبارتلك الظاهرة بكل قوة وحسم لمنع الدواعش من الإساءة للإسلام أكثر من ذلك، ولابد من مواجهة أفكار ذلك التنظيم وجرائمه والضرب بيد من حديد على أيدي هؤلاء الذين يريدون إعادة المرأة إلى فترة أسواق النخاسة من أجل تحقيق مصالح التنظيم الإرهابي في جني الأموال من ناحية وجذب المقاتلين باغرائهم بالنساء والمال.
وتابع: «من ناحية أخرى وفى رأيي الشخصي فإن داعش بتلك الوسيلة يعيث فسادا فى الأرض من خلال تقديم تفسيرات خاطئة للمفاهيم الإسلامية فهو يستخدم مفهوم الجهاد ليخدع شباب المسلمين من قليلي العلم والدراية بالأمور الشرعية ومن خلال مفهوم الجهاد يحاول تحويل حول النساء إلى سبايا وعبيد يتم بيعهن لمن يدفع أكثر ويتم وهْبُهن لمقاتليه».
وأضاف إمام: «لابد من مواجهة تلك الدعوات خاصة وقد سبقها دعوات مماثلة من بعض شيوخ الفضائيات الأمر الذي يتسبب فى تشويه صورة الإسلام بشكل غير مسبوق فهم يروجون لإسلام يستعبد الناس رغم ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يؤكد دوما أن دعوته من أجل حرية الناس جميعا والقضاء على نظام بيع الرقيق فالحرية فى الشريعة الإسلامية هى واحدة من دلائل تكريم الخالق سبحانه وتعالى للإنسان والنبي صلى الله عليه وسلم اهتم اهتماما كبيرا بالرقيق وعمل بوحى من الله عز وجل على تضييق مصادر الرق وتوسيع منافذ العتق والتحرير .
وقال: «جاء فى الأثر عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – إنه علق على حادث تحرير مؤذن النبي بلال بن رباح عندما اشتراه أبو بكر الصديق وأعتقه لوجه الله فقال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: «سيدنا وأعتق سيدنا « ومن أهم الدلائل التى تؤكد أن الإسلام دعا لمكافحة ظاهرة بيع البشر وتجارة الرقيق بكل أنواعه الحديث الشريف الذى رواه أبو هريرة رضى الله عنه حيث قال عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «قَالَ اللَّه تعالى فى حديثه القدسي ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة : رجل أعطى بى ثم غدر ورجل باع حرّا فأكل بثمنه ورجل أستأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره «.