قينان الغامدي- الوطن السعودية-
من أعجب ما أقرأ، وأسمع، ما يردده بعض الصحويين، ومن يسمون أنفسهم "دعاة، وطلبة علم"، بأن ابتعاد أو إبعاد الشباب عنهم هو ما أفضى بأولئك الشباب إلى اعتناق التطرف والتكفير والانضمام إلى المنظمات الإرهابية، وإلى خلايا الإرهاب في داخل المملكة وخارجها، ومعنى هذا الكلام أن هؤلاء الذين كانوا السبب الرئيس وعلى مدار أكثر من ثلاثة عقود -وما زال كثير منهم مستمراً إلى اليوم- في حقن عقول الشباب والمجتمع كله بالتطرف والتشدد من خلال دروسهم ومحاضراتهم ومخيماتهم ومعسكراتهم حتى تحول كثير من أولئك الشباب إلى قنابل موقوتة في وطنهم؛ يقولون اليوم: نحن براء منهم، فهم –أي الشباب– انضموا إلى السلفية الجهادية ثم القاعدة ثم داعش، وبعضهم كون خلايا في الداخل، لأن الليبراليين والعلمانيين وغيرهم، حالوا بيننا وبينهم، وحقنوهم بأفكار منحرفة جعلتهم يفعلون ما فعلوا، وما زالوا يفعلون!
هل سمعتم أو قرأتم أعجب من هذا الكلام؟! بل ويتبرع بعض "الكتبة" المعروفين بتلونهم واللعب على كل الحبال، لدعم مثل هذا التبرؤ، فيقولون إن "الطابور الخامس!" حارب من يسمونهم "دعاة وطلبة علم"، ودفع الشباب إلى مهالك "الإرهاب"، و"الطابور الخامس!" في عرف هؤلاء المساكين المكشوفين، هم الذين حذروا منذ زمن مما سمي "بالصحوة" وهي في حقيقتها "الغفلة" وأنها كانت وما زالت أهم سبب في تجييش مشاعر الشباب، وحقنهم سراً وعلناً بأفكار التشدد والتطرف والتكفير، حتى رأينا الشاب يكفر أباه وأمه وإخوانه لأنهم يشاهدون التلفاز، ثم تطورت الحال، حتى رأينا ابنا يقتل أباه، ووجدنا شبابنا يفجرون في شوارعنا ومنشآتنا ومساجدنا، فهل أولئك المحذرون من هذه النتائج الكارثية لما سمي "صحوة" ولمن سموا أنفسهم "دعاة وطلبة علم"، وامتلكوا المنابر والمنشورات، والشريط، ثم الشاشة فيما بعد، والآن في وسائل التواصل الاجتماعي، هل أولئك المحذرون "طابور خامس"! في الوطن؟! هل الليبراليون والعلمانيون وغيرهم، هم الذين علموا الشباب "أن نفس المؤمن لا شك تشتاق إلى سحق الجماجم وجز الرؤوس وتقطيع الأوصال في سبيل الله"؟ هل هم الذين قالوا لهم "إن وطننا هو الإسلام وليس الأرض المحدودة، وأن الوطن يعني الوثن"؟ هل هم الذين: "غيروا اسم المملكة العربية السعودية، إلى الجزيرة العربية، وبلاد الحرمين"؟ هل هم الذين قالوا و"ماذا يعني أن يستشهد عشرة أو عشرين من شبابنا في ساحات الجهاد، بدلاً من موتهم في حوادث السيارات أو التزلج على الجليد في أوروبا"؟ هل هم الذين قالوا للشباب: "اجتهدوا وجاهدوا فإننا نرى الخلافة الإسلامية قائمة عما قريب وإننا نراها بأعيننا"؟ هل الليبراليون والعلمانيون وغيرهم من أبناء وطننا ممن يتهمهم هؤلاء حتى في دينهم وشرفهم هم الذين حرموا كل مباح من العلوم والفنون، وتنادوا إلى منعه والتنديد به؟ هل هم الذين تنادوا وما زالوا يتنادون لنصرة تنظيم "الإخوان المسلمين" وفروعه في كل مكان؟ هل هم الذين قالوا وما زالوا يقولون "إن الذي يسمح لزوجته بقيادة السيارة أو يقبل أن تكشف وجهها ديوث لا شرف له"؟ هل هم الذين قالوا: "إن الزوجة جارية مسترقة عند زوجها"؟ هل هم من أغرى الشباب بالانتحار وأن أمام كل منهم سبعين حورية، لكل حورية سبعون وصيفة، ولكل وصيفة سبعون أخريات هل هم.... وهم...؟! أليس كل هذا وغيره من إنتاج وتوزيع وتكريس ما سمي بالصحوة ووعاظها ودعاتها؟ فكيف يتبرؤون اليوم بمظلومية أنهم أبعدوا وحوربوا، وهم ما زالت دروسهم ومحاضراتهم وأكاذيبهم تترى؟!
من الواضح الآن، وبفضل الله ثم وسائل التواصل والاتصال، وما يشهده الناس يومياً من جرائم الإرهاب المتدثر بديننا العظيم البريء منهم ومن دعاتهم ومؤيديهم وطلبة علمهم ومحرضيهم، أقول من الواضح أن المجتمع بكل فئاته يزداد وعياً بدينه الصحيح، ويكتشف حجم مغالطاتهم القديمة والجديدة، وعورات فكرهم المتطرف، وأخذ في رفضهم والابتعاد عنهم، فشعروا بقرب اندثار فكرهم وفضح أهدافهم ودعواتهم للخلافة والريادة باسم الدين المسيس، فبدؤوا في التشكي والتظلم من هذا الابتعاد عنهم في محاولة يائسة لاستعادة الوهج والسلطة، لكنها –بحمد الله– أوهام، فالناس اليوم يتطلعون إلى السلام والمحبة والتنمية والتطور واللحاق بركب العالم المتقدم، ويعرفون أن دينهم العظيم دين محبة وإنسانية وعلم وعمل، لا دين "سحق الجماجم وقطع الرؤوس"! وأن هؤلاء الوعاظ الجوف، وكتبتهم إلى اندثار وتلاش، كما اندثر أسلافهم في كل "عصر ومصر".