دعوة » مواقف

الاحتفاء بالمناسبات وحكمها في الشرع

في 2015/12/26

عبدالله فراج الشريف

يرجع الاحتفاء بالمناسبات شخصية أو تاريخية ويعود للعرف والعادة، وليس له نص في الشرع على حكمه، فإذا احتفى الإنسان باليوم الذي ولد فيه كل عام، فهذا أمر يعود إلى عرف الناس وعوائدهم، ففي البلاد التي يهتم الناس به فهو لهم مباح، لا يقال إنه حرام لأن من سبقنا لم يفعلوه، فكثير مما نفعله اليوم لم يفعله السابقون، فنحن نحتفل بيوم حددناه بالعيد الوطني، ولا نقول أن ذلك حرام، لأن من سبقونا لم يفعلوا ذلك، بل مما ينفع الناس وقد يثابون عليه استجده المسلمون بعد سلف لهم مضوا في عهود مختلفة، فإقامة المستشفيات والأربطة لسكن الفقراء، وإنشاء جمعيات البر، بل وأكثر من ذلك علوم دينية كالتفسير والحديث والفقه وأصول الفقه، كلها أشياء استحدثت بعد أيام السلف، سواء قصدنا به عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، أو كنا نعني به من جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم إلى يوم الناس هذا، فالسلف كلمة إنما تعني من مضى وسبقنا وجودًا على هذه الأرض، ولهذا لما أراد المسلمون أن يحددوا ممن سبقوهم من يقتدون بهم جعلوا لهم وصفا فقالوا: السلف الصالح، فما استجده الناس مما لا يخالف شرعًا الكثير من المباحات، حيث لم نجد في شرعنا نصًا يحرمها، وأصبحت جزءًا من حياة الناس أحيانًا أجيالًا كثيرة مما سنضرب المثل بعد قليل، وهذا الكثير الذي لم ير فيه المسلمون بأسًا لم يجدوا له نصًا محرمًا أو مبيحًا، فأبقوه على الأصل وهو الإباحة الأصلية، كما أنهم قد علموا أن من الأحكام ما بني على العرف والعادة وأنه يتغير بتغير المكان والزمان، فلم يحرموا على عباد الله بحجة واحدة لا تتغير (هذا مما لم يفعله السلف)، وننسى أننا لا نأخذ الدين عن السلف وإنما عن رسول بعثه الله بكتاب وحكمة وعنها أخذنا هذا الدين، وقد نهانا الله عن التقليد في كتابه لغير الكتاب والسنة.

والإنسان وحده من المخلوقات من منح القوة المدركة المسماه (العقل) والتي يتذكر بها ما مر به من أحداث سعيدة فإذا دار الزمان وحل اليوم الذي وقعت فيه تذكرها فسعد لاستعادة الذكرى، فإذا كان الحدث حزينًا فإنه يتذكره ويحزن، ولكنا قد أمرنا ألا نبالغ في الحزن حتى لا نقع فيما حرم الله من الخروج عن حد الوقار إلى ما تظهر معه أفعال وأقوال حرمها الله، خاصة إن كان الحزن بسبب مثل سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان المصاب به أعظم مصاب حلَّ بأمته، ولكن ولادته -عليه الصلاة والسلام- يوم من أيام الله أضاء به الكون كله، أنعم الله فيه على البشرية بالرسول الرحمة والنبي الخاتم، والذي أخرج به الله من البشر من شاء من الظلمات إلى النور، وتغيرت برسالته الحياة من ظلم إلى عدل، واستعادت مثلًا وقيمًا ظلت البشرية تسعى إليها طوال حياتها من عدل ومساواة وتوفير الحقوق وجميع الحريات المسؤولة، وقد أراد ربنا أن نفرح بأيامه التي جعل الله فيها خيرًا كثيرًا لعباده ألم يقل سبحانه: (قلْ بفضلِ اللهِ وبرحمتهٍ فبذلكَ فليفرحوا هوَ خيرٌ مما يجمعون)، وفضل برسوله صلى الله عليه وسلم وبما أنزل إليه من عند ربه هو الخير الذي أفاضه الله على الأمة مما كانوا عليه وجمعوه، فولادة المصطفى في يوم كان خير يوم طلعت عليه الشمس يجعلنا نحتفي به كل عام دون أن نخالف للشرع في احتفائنا حكمًا، وعالمنا الإسلامي يفرح بتكرر هذا اليوم كل عام في شهر ربيع، الذي يجمع المؤرخون على أنه ولد فيه والذي احتفى به سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصامه وقال: «ذلك يوم ولدت فيه»، وفي نفس اليوم بعث فيه وهاجر إلى مدينته وفي الشهر ذاته الكثير من الأحداث التي نصر الله فيها رسوله صلى الله عليه وسلم مما أضفى على هذا الشهر الكثير من الاهتمام، ولا يقوم دليل على تحريم الاحتفاء بمثل هذه المناسبات وتذكرها وتذكير الناس بها أي دليل شرعي صحيح، وأما الدعوى بأن من يحتفون بالمولد مثلًا يرتكبون مخالفات كاختلاط الرجال بالنساء أو الرقص مما يثار كل عام، فقد مضى بي عمر ولم أرَ أهل بلادي يفعلون شيئًا من هذا إنما هي تلاوة القرآن وذكر سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنشاد بعض القصائد في مدحه والصلاة عليه، فهو اجتماع مبارك إن لم يؤجروا عليه فلا أقل أنه يباح لهم، فهلا كفَّ إخواننا عن دعاواهم، وتركوا للناس حرية ما يفعلون ماداموا لم يخالفوا شرعًا ولا عقلًا؟.. هو ما أرجو، والله ولي التوفيق.