دعوة » مواقف

السعوديون الشيعة وخيارهم الوطني

في 2015/12/30

محمد محفوظ- الرياض السعودية-

جماع القول: إن الشيعة في المملكة، يتطلعون إلى تطوير علاقتهم مع شركائهم في الوطن، على قاعدة الاحترام المتبادل، ومركزية مبدأ المواطنة المتساوية ورفض كل أشكال بث الكراهية والإساءة إلى المقدسات. وكذلك تطوير علاقتهم مع دولتهم وقيادة وطنهم

أثار الكاتب المعروف الاستاذ قينان الغامدي في مقالين في الزميلة جريدة الوطن خلال الأيام القريبة الماضية مسألة الشيعة في المملكة وبعض همومهم وبعض عيوبهم ومشكلاتهم على المستويين الأمني والوطني. واحسب أن هذه بحد ذاتها من المبادرات الطيبة لأنها تؤكد أن هذه المسألة بكل تفاصيلها مسألة وطنية وتهم الجميع من مختلف المواقع؛ لأن كل مسألة في هذا الوطن، تهم جميع المواطنين. وحسنا فعل الاستاذ قينان الغامدي في طرح هذا الموضوع وبصرف النظر عن موضوع القبول أو الرفض أو التحفظ على رؤيته نعتبر أن طرح هذا الموضوع من قبل كاتب معروف وطنيا يعد عملا ايجابيا ويستهدف تقديم مقاربة وطنية لبعض مشكلاتهم، وندعو كل الكتاب والمثقفين إلى بناء مقاربات وطنية وإثارة نقاش وطني للوصول إلى أفضل الحلول لمشكلات هذه المنطقة العزيزة علينا جميعا. وأود بهذه المناسبة أن أقترب من هذا الموضوع من زاوية أخرى، أرجو أن تكون مفيدة للوطن والمجتمع.

على المستوى المعرفي والثقافي، لا أفضل حصر حديثي أو كتابتي على مكون واحد من مكونات مجتمعنا، وإنما دائما أفضل الكتابة حول القضايا التي تهم الوطن كله. إلا أن كثرة الأسئلة والاستفسارات، التي يتعدى بعضها الاستفسار ويصل إلى حد الاتهام وإطلاق أحكام نهائية عن المسار والقناعات، كل هذا هو الذي يدفعني في هذا المقال للحديث عن السعوديين الشيعة وطبيعة خيارهم الوطني، وذلك من أجل إزالة الكثير من الالتباسات ذات الطابع المذهبي أو السياسي أو الاجتماعي، الذي يتعلق بالمكون الشيعي في المملكة. وأود أن أصيغ رؤيتي حول هذه المسألة عن خلال النقاط التالية:

1- لا تتصور النخب الدينية والفكرية والاجتماعية للشيعة في المملكة، أن معالجة مشكلاتهم، ستتحقق بمعزل عن السياق الوطني العام، الذي يشمل الجميع من أبناء المجتمع السعودي. فهم يقدمون رؤيتهم في شؤون وطنهم راهنه، ومستقبله، بوصفهم جماعة بشرية تنتمي إلى هذا الوطن، ويتطلعون كغيرهم من أبناء هذا الوطن بمعالجة مشكلات الوطن، والانطلاق معا في مشروع البناء والتنمية. وبالتالي فهم لا يفكرون بحلول خاصة لأمورهم، وإنما يجعلون من كل أمورهم بوصفها جزءا من أمور الوطن التي ينبغي الالتفات إليها.

وعليه فهم ضد الانكفاء والانطواء والتكور حول الذات، لأنهم يعتبرون هذه النزعة أو التوجه، مضرة بذواتهم ووجودهم، كما أنها تضر بوطنهم، لأن الانكفاء والانطواء قد يقودان إلى بناء حواجز اجتماعية ووطنية تحول دون التواصل الطبيعي بين أبناء الوطن الواحد.

وهم في ذات الوقت يعتزون بخصوصياتهم الثقافية، ويتواصلون ثقافيا ودينيا مع نظرائهم، إلا أنهم في ذات الوقت يقفون بالضد من كل توجه، يعمل على تحويل الاشتراك في الخصوصيات الثقافية، إلى مبرر لبناء علاقات سياسية وعضوية مع من يشتركون معهم في الانتماء المذهبي. فهم وطنيون في مشاعرهم وانتمائهم، ولا يعرفون على المستويين التاريخي والراهن أي وطن غير هذا الوطن، وبالتالي فهم على استعداد تام للدفاع عن وطنهم والذود عن حياضه، حتى لو كلفهم حياة أبنائهم؛ لأنهم ببساطة شديدة، لا يقايضون بين انتمائهم الوطني وانتمائهم المذهبي، فالانتماء إلى مدرسة فقهية ومذهبية مجددة، لا يعني بأي حال من الأحوال، التضحية بدائرة الانتماء الوطني.

ولم يسجل التاريخ أن الشيعة في المملكة، ضحوا بانتمائهم الوطني، لصالح أي انتماء آخر. قد تتباين وجهات نظرهم السياسية أو الثقافية مع شركائهم في المواطنة، إلا أن هذا التباين لم يترتب عليه خروج عن مقتضيات الالتزام بالانتماء الوطني.

فالنخبة الشيعية الراهنة، تتعامل على كل المستويات، أن وطنهم الحالي، هو وطنهم النهائي، وأنهم يتطلعون إلى إزالة كل الموانع التي تحول دون انطلاقتهم الشاملة في مشروع شراكتهم الوطنية.

2- لعلنا لا نجانب الصواب، حين القول، إن الانتماء المذهبي، لا يساوي بأي شكل من الأشكال الانتماء الحزبي؛ لأن جميع مجتمعاتنا، حتى ولو اتحدت في الانتماء المذهبي، إلا أنها مجتمعات مليئة بالآراء والتوجهات والأفكار المختلفة.

ولا يصح علميا واجتماعيا وثقافيا، التعامل مع الانتماء المذهبي وكأنه صنو الانتماء الحزبي، لأن الانتماءات المذهبية، لا تلغي حقيقة التنوع الفكري والسياسي والاجتماعي.

وعليه فإننا من الناحيتين الوطنية والأخلاقية، نتحمل مسؤولية ما نقوم به، ولا يصح تحميلنا مسؤولية ما يقوم به الآخرون خارج حدود هذا الوطن. ولعل الكثير من الإشكاليات والالتباسات التي تواجه الشيعة اليوم في المملكة، هي نابعة بطريقة أو أخرى من تفرقات وممارسات شيعية خارج الوطن.

من هنا فإننا نعلنها بصراحة تامة، أننا لا نتحمل كشيعة في المملكة إلا ما يقوم به شيعة المملكة، واشتراكها مع مجتمعات أخرى في الانتماء المذهبي، لا يعني قبولنا بكل ممارساتهم أو نتحمل مسؤولية ما يقومون به من أفعال وممارسات.

ومن هذا المنطلق فالمطلوب الاحترام المتبادل، ورفض الإساءات المتبادلة، وبناء العلاقة بين أبناء الوطن الواحد، على قاعدة الفهم والتعارف المتبادل، والذي يقود إلى الاعتراف المتبادل، كما يتطلع الجميع إلى رفع الغطاء الديني والاجتماعي عن كل خطابات بث الكراهية وخلق المفاصلة الشعورية بين المسلمين.

3- على المستوى الوطني ثمة دوائر ثلاث أساسية: الدائرة الأولى العلاقة البينية بين مكونات المجتمع السعودي، ويتطلع الشيعة في المملكة على هذا الصعيد إلى نسج علاقات إيجابية بين مختلف أطياف المجتمع السعودي، وخلق المبادرات التواصلية، التي تنهي حالة التباعد النفسي والاجتماعي؛ لأن هذه العلاقة الايجابية بين مختلف المكونات، هي بوابة تصليب الوحدة الوطنية.

والدائرة الثانية هي طبيعة العلاقة مع المجتمع الخاص. والنخب الدينية والاجتماعية ترى أنها معنية بتطوير كفاءات ومواهب مجتمعها، وتفكيك ثقافة الانطواء والانكفاء، والدفع بطاقات المجتمع إلى الانفتاح الوطني.

والدائرة الثالثة هي العلاقة مع الدولة.. وترى نخب المجتمع أن وحدة الوطن هي أحد المكاسب التاريخية التي ينبغي المحافظة عليها، وإفشال كل المخططات التي تستهدف تمزيقنا وتفتيتنا، وإن هذا المكسب لا يمكن المحافظة عليه إلا بتطوير العلاقة بين مكونات المجتمع ومؤسسة الدولة.

آن الأوان وعلى ضوء تحديات وتطورات الساحة، أن ينطلق قطار المصالحة الوطنية، الذي يطرد من فضائنا الوطني الكثير من العيوب والالتباسات ويوفر مناخا جديدا من الفهم والتفهم والتعاون في معالجة بعض الإشكاليات أو تلبية بعض المطالب.

أحسب أن النخب الدينية والاجتماعية لشيعة المملكة تفكر على منوال السياقات المذكورة أعلاه، ووجود أصوات خارج هذه السياقات، لا يلغي أن أكثرية النخب تفكر بذات الخيارات والسياقات.

وجماع القول: إن الشيعة في المملكة، يتطلعون إلى تطوير علاقتهم مع شركائهم في الوطن، على قاعدة الاحترام المتبادل، ومركزية مبدأ المواطنة المتساوية ورفض كل أشكال بث الكراهية والإساءة إلى المقدسات.

وكذلك تطوير علاقتهم مع دولتهم وقيادة وطنهم، ومن خلال عملية التواصل، تتطور حقائق الثقة، وتعالج مشكلاتهم في سياق وطني عام.