حسين التتان- الوطن البحرينية-
كثرت في الآونة الأخيرة ظاهرة «المتدين المتشدد»، كما كثرت معها ظاهرة انتشار رجل الدين المتشدد والفكر الديني المتشدد، فأدى كل هذا إلى أن تصاب مجتمعاتنا بنوع من التخبط في تحديد معنى التدين الحقيقي، إذ كل منها يحاول أن يفسر الدين حسب نوعية رجل الدين أو الكتاب أو المنبر الذي يغذي فكرها وثقافتها.
في خضم هذه الفوضى الكبيرة في تعريف التدين أو التوصل إلى حقيقته التي كانت تسير بشكل طبيعي منذ نشأته في مجتمعاتنا الإسلامية وحتى قبل زمان ما يسمى بمرحلة «الصحوة»، تشكلت على إثر هذه التعريفات وبروز ظاهرة «رجل الدين الجديد» بعض القيم السلبية، وعلى إثرها ضاعت الكثير من قيم الأنسنة كالتعايش وقبول الآخر واحترام المختلف، مما أفسح ذلك المجال لكثير من الدينيين الذين يحملون أفكاراً سياسية متطرفة أن يدخلوا على خط التدين ويحرفونه عن مساره المعتدل، مما أدى إلى نشوء ظاهرة التطرف الديني في عصرنا الراهن.
استغل الكثير من السياسيين هذا الحراك الديني إذ قاموا بتشكيله وفق أجنداتهم الخاصة وحسب مقاسات مصالحهم السياسية حتى تم تفريغ الدين من محتواه الجوهري، فتحول مع مرور الوقت إلى مجموعة من القشور والعادات والتقاليد، بل تجاوز كل ذلك ليتحول الدين الإسلامي الوسطي الذي يدعو إلى المحبة واحترام بقية البشر بفعل هؤلاء المتطرفين إلى سلوك متوحش، فكانت النتيجة أن تشوه جمال الإسلام في نظر العالم!
ما يمكن فعله اليوم، هو أن تهبّ كل المؤسسات الدينية العريقة والمعتبرة إلى استرداد قيم الدين الحنيف بعد أن تم اختطافه من طرف هؤلاء الجهلة، وأن يصرحوا علانية بأن هؤلاء لا يمثلون الإسلام، كما عليهم إعادة النظر في مناهجنا الدينية الحالية، ورسم إستراتيجيات صريحة جداً فيما يتعلق بالمعايير الخاصة بالخطباء ورجال الدين وحتى بالكتابة الدينية والتأليف، كي لا تكون أدوات التشريع والتبيلغ ساحة مفتوحة لكل إنسان مريض أو ممن يحمل تشوهات فكرية ذات أبعاد سياسية.
مراقبة الحراك الديني من طرف الجهات الدينية أكثر تأثيراً من مراقبة الدول له، وإذا تجاهلت تلكم الجهات المعتبرة هذا النداء لإنقاذ الإسلام من التطرف، فإنه سوف ينمو ويتمدد ليصل إلى ذات المؤسسات التي تحاول معالجته، وهذا هو الحاصل بالفعل، حيث تمكن بعض المتطرفين من اختراق المؤسسة الدينية في العالم الإسلامي وتثبيت قواعد لهم فيها، وهذا يمكن أن يشكل خطراً جدياً على سمعة تلك المؤسسات، مما سيتطلب في القريب العاجل أن تتدخل الحكومات بشكل مباشر للحد منه ومحاربته، خصوصاً حين تستشعر خطرها على الدولة المدنية. نحن اليوم في أمسِّ الحاجة للتكاتف من أجل القضاء على الإرهاب وبؤره، وأن نتوجه كلنا لفرملة كل الممارسات الدينية المتطرفة من كل المذاهب، حتى نعيد للإسلام بريقه وهيبته، بعد أن شوه أنصاف رجال الدين والخطباء عبر فتاواهم وخطبهم كل جميل في ديننا الحنيف، فهل لنا باسترداد دين الآباء النقي؟