عمان اليوم-
نبه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة إلى أن حرية الاعتقاد لا يعني أن يخرج الإنسان عن دينه ويرتد عنه ويعاديه وعلى الإنسان أن ينظر إلى الحق بطلب الحق ويبحث عنه بالدليل.
وأكد سماحته أن مكتب الافتاء يسعى بقدر المستطاع إلى رد كل من عرف عنه الإلحاد إلى حظيرة الحق.
وأوضح سماحة الشيخ المفتي العام للسلطنة في لقاء خاص بملحق «إشراقات» أن التأريخ لا تختلف مكانته بين زمان وآخر، في كل وقت من الأوقات فيه عبر وفيه ما يهذب النفس ويرقى بتفكيرها مشيرا إلى أن القرآن الكريم في آيات متعددة دعا إلى المسير في الأرض والنظر في أحوال الأمم ليعتبر الإنسان. وبين سماحته أن معالجة الفساد تكون بما نستلهمه من التأريخ الماضي وعلينا أن نتمسك بالإصلاح .. وإلى ما جاء في اللقاء.
أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي –
*الدين الإسلامي أقر مبدأ حرية الاعتقاد والاعتناق ورسم منهاجا في التعامل مع الآخر، كما رسم ملامح الخطاب الثقافي .. كيف نوضح ذلك للناس؟
يجب أن يكون هذا الأمر واضحا لا يعني حرية الاعتقاد أن يخرج الإنسان عن دينه وان يرتد عنه وان يعادي الدين ويظهر العداوة ويحاول أن يثير الشبه حول دين الله تعالى الحق، هذا لا يدخل في حرية الاعتقاد وإنما هذا من العيث فسادا في الأرض فمن كان كذلك يجب أن يوقف في سبيله أما بالنسبة إلى الإنسان عليه أن ينظر إلى الحق بطلب الحق ويبحث عنه بالدليل من غير أن يكون هناك إلجاء إلى اتباع ما لم يفهمه وما لم تقم عليه حجته.
يوضح الحق بدليله
* الحوار القائم على احترام الرأي والرأي الآخر وحرية التفكير والتعبير يعتبر ركيزة أساسية من ركائز التعامل مع الآخر رسمه القرآن نهجا بينا واضحا .. هل لسماحتكم تبيين هذا النهج؟
نعم، هذا النهج على أي حال – كما قلت من قبل – لا يعني هذا أن يتطاول المتطاولون على الحق وإنما تكون المجادلة بالتي هي أحسن مع الآخر إلا إن ظلم فالله سبحانه وتعالى: « وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ» ويقول سبحانه وتعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ» ويقول تعالى: «قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ» ويقول: «وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ» فالإنسان إذاً مطالب بأن يوضح الحق بدليله وأن يبين للناس كيف يفكرون حتى يتوصلوا إلى الحق هذه هي الطريقة المطلوبة من المسلمين مما أوحاه الله سبحانه وتعالى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم.
وقعت هكذا جلسات
* كيف يتعاطى مكتب الافتاء مع «موجة الإلحاد عالمية بعد انتشار التكنولوجيا وظهور عصر السماوات المفتوحة، فكان لابد من وضع مجموعة من التدابير لتحصين الشباب من اعتناق فكر الإلحاد»، هل قام مكتب الإفتاء بالفعل في عقد جلسات مع ملحدين متأثرين بعدد من الفلاسفة الغربيين لمناقشتهم بهدوء وحكمة؟.
وقعت هكذا جلسات مع بعض الناس الملحدين، ومهما يكن نحن لا نحيط علما بهؤلاء الملحدين، لكن من عرفنا منه فإننا نسعى بقدر المستطاع إلى رده الى حظيرة الحق.
مع المؤسسات التعليمية
* هل يعمل مكتب الافتاء على تهيئة جيل جديد مثقف من العلماء يكون باستطاعته التعاطي مع قضية الإلحاد، ويناقش الشباب بأسلوب هادئ ومتزن ينشر الوعي الديني الصحيح ويرد بالحجة المقنعة؟.
نعم ذلك مع المؤسسات التعليمة ككلية العلوم الشرعية.
دراسة أحوال الأمم تعود بالخير
* التأريخ مهمة جليلة في حضارة الإسلام .. كيف ترى مكانته في الوقت الحالي؟
التأريخ لا تختلف مكانته بين زمان وآخر في كل وقت من الأوقات فيه عبر وفيه ما يهذب النفس ويرقى بتفكيرها والله سبحانه وتعالى عندما قص الأنباء السابقة قال «لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ» وفي آيات متعددة يدعو الله سبحانه وتعالى إلى المسير في الأرض والنظر في أحوال الأمم الغابرة وكيف طوتها القرون قرنا بعد قرن حتى ذهب اثرهم وتلاشى ذكرهم فهؤلاء على أي حال في حياتهم عبرة ودراسة أحوالهم انما تعود على الإنسان الواعي بالخير وبالاعتبار.
الاعتبار في أحوال الأمم
* سماحة الشيخ، هناك من يقول أن الأحوال التي كانت في التأريخ السابق هي مختلفة عما هي الأحوال الآن .. فماذا نقول لمثل هؤلاء؟
مهما كان العبرة هي العبرة، يجب على الإنسان أن يعتبر فالقرآن في آيات متعددة دعا إلى المسير في الأرض والنظر في أحوال الأمم.
التمييز بين جيده ورديئه
* كيف نستفيد من التأريخ الإسلامي في الوقت الحالي؟
التأريخ الإسلامي يجب أن يميّز بين جيده ورديئه، يستفاد من الجيد ويترك الرديء، في تاريخ الإسلام أيضا كانت مظالم وكانت أحوال غير طيبة هذه الأحوال ان درست فإنما تدرس للاعتبار، ويجب أن يكون التأريخ حرا وأن يكون التأريخ منصفا لا أن يكون متحيزا إلى جانب ضد جانب آخر.
نشجع على ذلك
* دعوتكم في لقاء سابق مع جريدة عمان انكم مع إعادة كتابة التاريخ الإسلامي مرة أخرى، وتنقيته من الروايات الكاذبة، فما الذي قمتم به في هذا الجانب؟
نرجو أن تكون هناك جهات قامت بهذا الأمر ونحن نشجع على هذا وإن لم نقم به بأنفسنا، لا أستطيع أن احتوي على كل شيء بنفسي.
فبالنسبة إلى الذين لديهم ملكات في هذا الجانب نحن نتواصل معهم بأن يهتموا بهذا الجانب.
عبر في كل وقت
* هل يمكن الربط بين التأريخ والواقع المعيش؟ وكيف؟
نعم، من حيث أن قضايا التأريخ – كما قلت – فيها عبر في كل وقت فقد تكون هناك أشياء نعايشها الآن وهي مرت عبر التأريخ وكانت فيها عبرة لأولي الألباب فعلينا أن نعتبر، علينا أن نعالج الفساد بما نستلهمه من التأريخ الماضي، وعلينا أن نتمسك بالإصلاح نظرا إلى ما كان من دور الإصلاح في الغابرين.
تغيير الفكر
* بعد غزو الثقافات الغربية لعالمنا العربي والإسلامي .. كيف يمكن أن يؤثر التاريخ والسيرة النبوية في واقع الأمة الإسلامية ؟
الأمة الإسلامية بحاجة أن تصاغ من جديد هذه الصياغة تصاغ أولا من قبل الفكر، فالصياغة الفكرية هي من أهم الصياغات ولذلك نجد في كتاب الله سبحانه وتعالى ما يدل على الأنبياء جميعا في دعوتهم لأممهم إلى الحق إنما كانوا يدعون إلى تغيير الفكر، من فكر مظلم إلى فكر نيّر والله سبحانه وتعالى يقول: «وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ» ويقول: « وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ» وحكى عن نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام انهم جميعهم قالوا لقومهم « اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ » وذكر المسيح عليه السلام حكى عنه قوله « اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ » وهكذا، فأولا صياغة الفكر وصل الإنسان بربه فإذا اتصل هذا الإنسان بربه استطاع أن يأخذ من التأريخ ما يفيده في حياته هذه وأن يبتعد عما هو رديء ويأخذ ما هو جيد من الحضارة المعاصرة.
عند اظهار الوجه المشرق للإسلام
* كثير من الغربيين قرأوا تاريخنا قراءة خاطئة، فهل من محاولة للتصحيح؟ وكيف تكون هذه المحاولة ناجحة؟
المحاولة للتصحيح عندما يظهر الوجه المشرق للإسلام في سلوك المسلمين أنفسهم بحيث لا يدعون إلى دراسة التأريخ وإنما يدعون إلى دراسة واقع الأمة الإسلامية في العصر الحاضر المعاصر فإذاً هذه الحالة هي التي ستدعوهم إلى دراسة التأريخ الإسلامي الصحيح.
أخذ ما ينفع من الجديد
* ما الدروس العمليّة التي يمكن تطبيقها والاستفادة منها، ثم الانطلاق بها نحو عالم يصنعه المسلمون بأيديهم، ويكونون فيه مؤثرين؟
الدروس إنما هي بالرجوع إلى مناهج الإسلام والصدور عن هذه المناهج نفسها حتى يكون المسلم مستمسكا بالأصالة الإسلامية وعاضا بالنواجد عليها يأخذ من الجديد أو من الحديث ما ينفعه ويدع ما يضره، بهذا يمكن أن يتكون جيل مؤمن بالله موصول بحبله المتين متبع لنوره المبين سالك صراطه المستقيم يربط ما بين الدين والدنيا وما بين الآخرة والأولى وما بين العمل والجزاء وما بين المسير والمصير وما بين الملك والملكوت حتى يكون هذا الجيل مثاليا بمشيئة الله تعالى من خلال ذلك يمكن لامة الإسلام أن تنطلق.
أخذ العبرة من كل شيء
* كيف يستفيد العالم الإسلامي من واقع التاريخ المعاصر؟ وما المحطات الرئيسة التي لا بد أن يتوقف عندها؟
المسلم يأخذ العبرة من كل شيء مما يكون في الناس من رفع وخفض وهدى وضلال ورشد وغي وانتشار وانحسار كل ذلك مما يلهم المسلم، فعلى المسلم أن يأخذ العبرة من واقعه المعاصر كما يأخذ العبرة من ماضيه الغابر حتى تكون له في كل جزء من جزئيات الحياة وقفة يحاسب فيها النفس ويرجع فيها الى الله سبحانه وتعالى.
15 جزءا في العقيدة
* الكتاب الذي تعملون على تأليفه «برهان الحق» كم عدد أجزائه، وهل من نبذة عنه؟
جاوزنا النصف قليلا الآن في الجزء التاسع واتحراه في 15 جزءا إن شاء الله وستصدر في معرض الكتاب الآن سبعة أجزاء.
الكتاب في العقيدة «الإيمان بالله و اليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وبالقدر خيره وشره وما يترتب على هذا الإيمان»، مناقشة هذا الجانب.