أحمد الهلال- اليوم السعودية-
هل لي أن أحذر القارئ، من بعض الكتاب، الذين يكتبون في نقد الطائفية، ولكنهم يوزعون طائفيتهم خلسة، على أنها اعتدال وموضوعية، بل البعض منهم أصبح أشبه بمن يمن على القارئ على مقاله القادم بسرعة ما فوق الصوت، ولو كان الأمر بيده لخرج على القارئ من صفحة المقال وأخذ بخناقه وقال له بالعامي الفصيح «هذا الكلام اللي يجمد على الشارب» إما أن تأخذ بما فيه أو فستقبل الطوفان..!، ويزداد صاحبنا نشوة وانتفاخا بما حققه حينما يشاهد مقاله متنقلا بين الهواتف المحمولة، ويظن نفسه أبا الطيب المتنبي الذي شغل القاصي والداني. وأحسب مثل هؤلاء الكتاب أنهم يقيسون كلماتهم على مقياس تقدير الزلازل «ريختر»، ليقدروا مدى ما تحدثه من هزات لدى المتلقي، لأنهم يكتبون بلغة منفعلة، ومفردة تعبوية تجد تأثيرها وانعكاسها الواضح على الجماهير، وليس لديهم في الغالب إلا شماعة واحدة يعلقون عليها جميع مصائب الطائفية، فهم الضحية والحكم دائما، تذكرنا لغتهم ومفرداتهم التعبوية بأيام وزير الإعلام العراقي الأسبق محمد سعيد الصحاف، صاحب مفردة «العلوج» الشهيرة إبان حرب الخليج الثالثة.
وأقل ما يقال عما تسطره أقلامهم، إن أحسن الظن بهم، إنهم يقدمون صورة سطحية، إن لم تكن مقلوبة عن الواقع الذي يناقشونه في كتاباتهم، ناسين أن الطائفية داء أصاب الإنسانية، بل حتى الشعوب الأوروبية الذين يتشدقون اليوم في كل شاردة وواردة، بمراعاتهم لمواثيق حقوق الإنسان، وبأنهم لا يتحزبون إلا للإنسان أيا كان لونه ودينه.!، كانوا تحت وطئتها لقرون، قبل أن ينجحوا في تحييدها في مجتمعاتهم، ولهذا ليس من المنطق أن تقول إن الطائفية سببها فكر معين، وهي كذلك ليست فكرا دخيلا أو غزوا ثقافيا، أو مرتبطة بدين أيا كان ذلك الدين، فالطائفة في اللغة العربية هي الجماعة والفرقة، سواء كانت فرقة دينية أو عرقية أو تنتمي لأي حزب كان، حتى وإن قلنا إن الطائفية ذات الصبغة الدينية أكثرهم خطرا على تعايش الهويات المتعددة، فهذا لا يبرر تحميل الديانات وزرها، دون غيرها من أشكال الطائفية.
لهذا تجد أحيانا تشابها في ذات الفكرة الطائفية، لدى أكثر من شعب، برغم اختلاف اللغة والعقيدة، ألم يقل أبو الطيب المتنبي:
لا تشتري العبد إلا والعصا معه ** إن العبيد لأنجاس مناكيد
هو بيت طائفي بامتياز، لو قاله غير المتنبي، ربما لاحق عار هذا البيت أحفاده، ولكنها الحصانة التي منحت للمتنبي، ليس لشيء إلا لأنه المتنبي.!.
ولهذا نرى ذات الطائفية، التي خرجت من المتنبي قبل أكثر من ألف سنة، شبيهة بها حصلت في مجتمع بعيد عن زمن المتنبي، فإلى زمن قريب كان في الولايات المتحدة الأمريكية، احتقار لأصحاب البشرة السوداء، لأن البيض كانوا يرون بذاتهم، طائفة لها امتيازات، تفوق أصحاب البشرة السوداء بمراحل.
فالتاريخ الإنساني مليء بالدعوات الطائفية التي لا تقتصر على جماعة أو شعب دون الشعوب الأخرى، ومن هنا لا يمكن أن يكون علاج الطائفية، بالانشائيات، والمفردات التعبوية واللغة المتشنجة، التي تضع أصبع الاتهام على طرف دون غيره، لأن في هذا إشعالا لنار الطائفية، ودق إسفين الطائفية، ويجعلنا بدلا من أن نركز على القواسم المشتركة ولغة التعايش، ننشغل بكيل الاتهامات لبعضنا البعض سواء شئنا ذلك أم لم نشأ، ناهيك عن أنه يعمق من الأزمة الطائفية، ويطول من أمد الحل ويزيده تعقيدا.
ومن هنا لا أريد أن أقول إن بعض هذه المقالات التعبوية ذات اللغة المتشنجة تجعلني أمام خيارين إما أن أتحزب للكاتب أو أتحزب لمن كتب عنهم.
لماذا..؟ لأنها الطائفية «ببساطة».