أميمة الخميس- الرياض السعودية-
في خطوة إيجابية غير مسبوقة أنكرت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حالات السفه الاقتصادي والطيش الولائمي الذي يمارسه بعض محدثي النعم وخريجي اقتصاد الندرة بشكل خادش للذوق العام.
ولعل الهيئة بخطوتها هذه تعتق نفسها من ذلك البرزخ الضيق الذي كانت تتخندق داخله، وهو البرزخ الذي يفصل بين متطلبات التحديث والتنمية من ناحية والمجتمع من ناحية أخرى، فتجعله ملغما بالظنون والتخرصات والتهم الجاهزة، والذي في نفس الوقت تولدت عنه مشاعر سلبية وصدامات ضد الهيئة تطورت في بعض حالاتها لتصبح قضايا اعتداء جنائي.
الأمر الذي لطخ من الصورة النمطية للهيئة لدى العديد من شرائح المجتمع، لاسيما أولئك الذين يرون أن الفضيلة لا علاقة لها بسيارة متربصة تمخر الدروب يعلوها مكبر صوت موبخ.
هذه الخطوة ستوسع من المضمار الملغم الذي كانت الهيئة تهرول في زحامه وحيدة عكس التيار، لأن الحاجة باتت ملحة إلى توسيع ذلك المضمار نفسه حتى لايتخلق نوع من الغموض والفوضى في تحديد الأدوار الموكلة للهيئة هل هي وعظية، أم إجرائية جنائية؟
وبالطبع هذا الغموض وحساسية القطاع هما اللذان جعلا العديد من أعضاء مجلس الشورى عند مناقشتهم التقرير السنوي لرئاسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قبل أسابيع يعاودون المطالبة بالمزيد من الوضوح للأدوار التي تمارسها الهيئة داخل المجتمع.
على سبيل المثال ضمن الهيكل الإداري لهيئة الأمر بالمعروف هناك وحدة إدارية اسمها وحدة الابتزاز، فإذا عرضنا مهام هذه الوحدة على الفقرة 2 من المادة 3 في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، والتي تشير إلى عقوبات شديدة ضد جرائم الابتزاز، هنا يظهر السؤال؟ ما الوسائل التي تُباشر بها هذه النوعية من الجرائم؟ والتي تتطلب تدريبا أمنيا استخباراتيا متطورا، إضافة إلى أجهزة اتصالات ومتابعة على قدر كبير من الحساسية والسرية خشية انتهاك خصوصيات الأفراد أو تلك الأسرار المرتبطة بأمن الدولة ومواجهتها مع المنظمات الإرهابية.
فهل تلقى أعضاء وحدة الابتزاز تدريبا أمنيا مكثفا لمقاربة تلك الحالات التي تتداخل بها حساسيات فائقة داخل مجتمع محافظ، وأمن قومي على مستوى دولة، أم ترك التدريب للميدان عبر الصح والخطأ؟
فإذا تم بالفعل تأهيل أعضاء وحدة الابتزاز فالخطر يكمن في ازدواجية المهام والجهات، وإذا لم يكن هناك تدريب وتأهيل تظهر هنا إشكالية كبرى.
أيضا في المادة 26 من قانون الإجراءات الجزائية السعودية رؤساء مراكز الهيئات ضمن الفئات المخولة بالضبط الجنائي، لكن في حدود اختصاصهم! والسؤال ما حدود اختصاصهم؟ هل هو واضح لهم أولا وللمجتمع ثانيا؟
وإذا علمنا أن حقوق المتهم في النظام القضائي السعودي تنص على عدم مشروعية تفتيش الهواتف النقالة، للتأكد من التزام الشخص بالآداب العامة، كما أن الفقرة 4 من المادة 3 في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية تنص على عقوبة السجن والغرامة عند إساءة استعمال المعلومات أو المساس بالحياة الخاصة للآخرين، هنا لانعلم ما تطبيقات تلك القوانين على بعض الأفراد المتجاوزين في الهيئة، سواء من يقوم بالاستيلاء على جوالات بعض الشباب وتفتيشها، أو من يوظف أجهزة الاتصال لاستدراج بعض الشباب والايقاع بهم؟
لاننكر هنا أن اللائحة التنظيمية للهيئة والتي صدرت عن مجلس الوزراء عام 1434 كانت نقلة نوعية وتطورا كبيرا لهذا الجهاز حيث جعلت من أبرز واجبات الهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرفق واللين، وخلصت هذا الجهاز من محاكمات الشوارع العرفية التي كانت تختزل الادعاء والمحاكمة وإطلاق الحكم وتنفيذ العقوبة في لحظات فوق الموقع، في محكمة مختزلة كالقهوة السريعة، فتقبض على شاب وتسلبه جواله، وتحلق شعره في الموقع، بشكل يتقهقر بنا إلى أزمنة غابرة.
لذا لانستطيع أن ننكر أن هذا الجهاز يتطور بهدوء من الداخل، وأنظمته تتزحزح عن مواقعها وأدوارها التقليدية، ولعل جميع هذا يكون خطوة ايجابية تجاه إدراجه بصورة نهائية داخل مؤسسات الدولة المدنية الحديثة وتحت إشرافها، لتتضح المنطقة الغامضة وازدواجية المهام بينهم، وبين بقية المؤسسات في الدولة.