دعوة » مواقف

مواجهة التحريض

في 2016/02/04

صالح زياد- مكة نيوز السعودية-

لا يمكن الفصل بين الاعتداءات الإرهابية على مساجد الشيعة في المملكة، ومناخ التحريض والكراهية ضدهم الذي تصنعه مقولات المتشددين عبر العديد من الكتب والمقالات، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي والقنوات الفضائية ومنابر المساجد...إلخ.

ولست أقصد هنا العداء الذي يحيل على التوتر العقدي التاريخي المتبادل بين المذهبين منذ نشأتهما، بل أقصد وضعا جديدا متفاعلا مع الحرب الطائفية المشتعلة في العراق وسوريا التي تمثل إحدى أعنف موجات الكراهية التي اشتعلت بين المذهبين في التاريخ إن لم تكن أعنفها جميعا.

إن الهجوم اللفظي من الشيعة ضد السنة داخل المملكة لا يقارن بعكسه، فهو قليل ولا تتصدره أسماء معروفة على عكس الوضع في العراق مثلا. ولذلك يرتهن التحريض ضد الشيعة في المملكة إلى العلاقة بأجواء الصراع في العراق والشام، وإلى العلاقة بإيران؛ وكأنما يجد المحرضون في ذلك نوعا من التسويغ لفعلهم والتبرير له.

ومن هذه الجهة يبدو أبرز وجوه التوتر منبعثا في شكل محاصرة دائمة للشيعة بالسؤال عن موقفهم مما يجري في العراق والشام أو عن علاقتهم بإيران أو عما يفعله بعض متطرفي الشيعة ضد رجال الأمن؛ محاصرة تحمل التخوين والاستثارة ضدهم. وهذا غير استحضار الأوصاف العقدية الطائفية المأثورة مذهبيا الذي اشتد واتسع ضمن العلاقة بالأجواء الطائفية الراهنة.

الأمر في غاية الخطورة، وهي خطورة على الوطن بأجمعه وليست على مكون جزئي فيه مهما صغر. فالتعصب الذي تنبع منه الكراهية للآخر والاحتشاد ضده لا يقبل بالمختلف عن المتعصب، ولا يقبل باختلاف المتعصب نفسه عن نفسه. والنتيجة ـ دائما - تفشي التضاد والانقسام حتى داخل ما يبدو في التعصب كتلة واحدة متراصة ومتناغمة. وأوضح مثال على ذلك الإرهابيون أنفسهم، بوصفهم وجها شديد التطرف من التعصب، فهم يتقاتلون بينهم، ويزدادون تعاديا وتبادلا للتكفير داخل جماعاتهم بقدر ما يقاتلون غيرهم ويعادونه. وأظن أن من يحتاج إلى برهنة على خطورة التعصب والتحريض ضد المختلف على النسيج الوطني يشكك في بداهات العقل وشهادات الواقع.

لا سبيل إلى درء تلك الخطورة إلا بتجريم التحريض ضد أي مكون من مكونات النسيج الوطني، ومنع الكراهية المتبادلة والمعلنة لأسباب مذهبية أو عنصرية بأي معنى. ومن الضروري لخلق حالة الوئام والسلام المذهبي أن يدون نظام في هذا الصدد يتضمن المحاسبة لكل من يخرق الوحدة الوطنية أو يمس ثوابتها بالعدوان على أي مكون من مكوناتها المتعددة والمتنوعة. ولن يأمن الشيعي هنا مذهبيا بل يأمن السني كذلك ويأمن غيرهما.

لا أحد يستطيع محاسبة السني: لماذا لا تحب الشيعي، ولا الشيعي: لماذا لا تحب السني، ولكن دعوة أحدهما إلى كراهية الآخر وتحريضه ضده طائفيا، هي جريمة ضد العلاقة التي تجمعهما في دولة، أي جريمة ضد الوطن. وحين نقطع العلاقة مع إيران أو ننتقد جرائم الحشد الشعبي ضد السنة في العراق، أو نقف ضد وحشية بشار الأسد، فهو ـ تماما- مثل عدائنا لداعش، موجه للعدوانية والوحشية من أي كان، ولا يحمل بالمطلق مسوغا للعداء للمذهب.